يسمو محلقا كطائر نورس لحظة نزوله فجرا الى صفحات مياه النهر المتدفقة ، ثم مايلبث ان يعود الى السماء مجددا ، هكذا كانت ومازالت تراه صغيرا ، لم تمض دقائق إلاوتجده جالسا في حجرها ، كما تراه الان وهويضع راسه متكئا على كتفها ، فيلثم سيلا من القبل على خدها ، اما هي تمسح بكفيها جبينه ، وتضع شارة على صدره ترد عنه الحسد على حد قولها حين يلتف حولها بعض النسوة سائلين إياهاماهذه يا ام ..." تلزم الصمت دون ان ترد على إحداهن ، لكي تتجنب الخوض في موصوع لاجدوى منه " المهم انها مزهوة به ومبتهجة ، ولم تجد لحظات اجمل منها ، وهاهو بجيئ محتظنا إياها ، وكالعادة تنهال عليه بالفبلات وعند معانقته ، لم تجد سوي محص فراغ ، " اين هو ؟ هل سافر الى مكان ما ؟ لم سكتم كلما سئلتكم ؟ ، تجوب اروقة البيت تبحث عنه ، وهي تغمغم لوحدها " ربما جالس في غرفته "
كان جميع اللائذين بقربها يدركون تفاصيل تواريه عن الانظار ، في لحظات كماورد على لسان بعضهم ،إنهم كانوا جالسين في تلك الليلة الحالكة الظلمة ، و في خلوة احد الأماكن من زقاق حييهم هذا ، وفجأة اخترق ظل سيارة لم يتيقنوا لونها وهيئتها ، ثم خففت من حدة سرعتها وتوقفت الى جانب رصيف ذلك الشارع وإنتزعه رجلان ذا جسدان ضخما الجثة والقوا به في حوض الخلفي للسيارة وانطلقا به بسرعة جنونية حتى اختفت في طريق تغمره العتمة
ظلت الصورة غامضة في نظر الام ، ولم تصدق بان ابنها قد تعرض الى حالة موت او شيئا اخر ، ولانريدان ينتابها صوت يقول هذا ، اوترى موقف او راي اكثر من إنه ذهب في مشوار قصير ينجزه ويعود ،
وفي صباح يوم مشرق فوجئت بأحد احفادها يسرها بخبر وصول رسالة منه ، سوف يحملها شخص قريب من الأسرة يؤكد فيها بأنه سوف يعود قريبا بعد ان ينتهي من عمل ينجزه ، في الحال من فرط فرح الام ولجت غرفتها ، ثم مالبثت ان هرعت الى الشارع باجمل ثيابها وهي بانتظار فلذة كبدها، جلست على الرصيف ، وفي غصون دقائق رأت احد اصدقاءه وهو يقدم نحوها برفقة اشخاص تعرفهم جيدا وهو في غاية الغبطة والمرح ، وبمجرد ان وقف الى جوارها أستل بسرعة من جيب سترته مضروف ازرق كالذي كان يرسله بيد احدهم حين كلف به قبل نحو سبعة اعوام في عمل خارج المدينة ، انتشلته منه وراحت تفضه بسرعة واللهفة تتصاعد فيها لمعانقة كلماته ،وراحت تتلقف الكلمات بشوق ، محذرا اياها الحزن عليه ، وإنه كما توقعت يخبرها بموعد مجيئه ، ثم سرعان ما فوجؤا بها قد خذلها حزن شديد وتهيل التراب على راسها ، إستغربوا منها وهي تصوبهم بنظرات أستياء وحنق فيما الدموع تنهار من عينيها ، بعدان قرأت ورقة الرسالة لمرات عديدة قطعتها اربا ، اربا ، إنتابها ثمة شعور يحذرها من خفايا الحروف ، وانها لاتحمل اي عبق من رائحته ، فادركت ان ما جاء به هؤلاء لايعد سوى محض ملأ فراغ ، فهبت تهرول في الشارع كالمجنونة من رصيف لاخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق