أبحث عن موضوع

السبت، 28 أغسطس 2021

حكايتي.. مَع إرْهابِية ...............بقلم : محمد الزهراوي أبو نوفل - المغرب

 





هِيَ ذي ..
غِنائِيّةُ نُعاسي.
كانَتِ الْمَطرَ
الأوّلَ ولا زِلْتُ
أذكُرُ الْمَشْهَدَ :
كانَ ثَمَة ..
سَحالي تتَواثَبُ
كانَ لَها جَيْشُ
أريجٍ ووُحوشٌ
مِنَ الْغابَةِ.
كانَتْ تُطارِدُني
مَرّةً بالأجْراسِ
بِالعَناكِبِ والذِّئابِ
ومَرّةً بالشِّباك.
يا لُغَةَ الْجَبَروتِ
ماذا تُريدينَ
مِنّي وأيّة
خَطيئَةٍ ارْتَكبْت ؟
اسْتَدْرجَتْني
الْوَضاءَةُ إلى
كوخِها ولَمْ تكْتَفِ
بالْمُلامَسَة .
أرْضَعَتْني الحَليبَ
واسْتَبَحْتُ كُنوزَها
أثْناءَ الْمُغامَرَة.
اقْتَرَفتُ معَها
مُعْظمَ الخَطايا..
كَما في صلاةٍ
وهِي مُطْبِقَتةٌ علَيّ
بِكُلِّ الْمَعاصِمِ.
غرَسْنا العِنَبَ
عَلى أغْنِيَةٍ
واسْتشْعَرَ النّهْرُ
الْحَياةَ بِأعْماقِهِ.
حَتى آخِر اللّيْلِ
غُصْنا في
رَمادِ الجغْرافيا
الذي كُنّاه.
وكَمْ كُنّا جَميلَيْنِ
في تِلْكَ
الْخُلوَةِ الفاخِرة.
حيْثُ انْحَنَيْتُ
عَلى الشّقائِقِ
ماطَلْتُ الآسَ ..
أطْلَلْتُ عَلى البِئْرِ
تحْتَ بُروقٍ خُضْر
وَحَادَثْتُ الْمَلائِكَةَ
عَنِ الْمَشْهدِ.
كانَ ثَمَة ظِلالٌ
أرْيافٌ وأقاصٍ..
أعْشابٌ عِطْرِيّةٌ
بَجَعٌ يَعْدو
وَدِلاءٌ فارِغَةْ .
تَذَوّقْنا كُلّ
مُجونِ الأبَدِ
تَبادَلْنا الفَتْكَ
الأزْرَقَ تَحْتَ
رّيات حُمْر.
نَدَهْنا نِيَاقَ
الأبْعادِ في
سَكَراتِنا حَتى
تَجاوَزْنا الْمَغيب .
وتَراءَيْنا في
لُجّةِ القرْمزِ ..
إذْ تَخَطّيْنا الجَسَدَ
الرّجيمَ إلى
الْجِهاتِ الْبيض.
كانَ السّفَر سَحيقاً
حينَ اقْتَسَمَتْ
مَعي سَريرَ النّص .
وَغَدَوْنا ..
جُزْءاً مِنَ البَحْر.
إلى الآنَ تَلوحُ
لي تِلْكَ الإرْهابِيّةُ
الْباذِخَةُ تَفُكّ
أزْرارَها مَعي
في الكَيْنونَةِ.
ماذا كُنْتُ
أفْعَلُ مَعَ ذاتِ
الرِّدْفِ الْمَليكِ
وأنا الأعْزَلُ بيْنَ
ثَعاليِها في
ساحَةِ حَرْب.
لا زِلْتُ أذْكُرُ..
كانتْ تقْرأُ
عليّ بَعْض
الشِّعْر وتُلاعِبُني
بِبَراءَة طِفْلَةٍ.


نار الحرمان ................... بقلم : حسام العكش - الاردن

تَغَشَّانِي بُعَيْدَ البَيْنِ بَرْدُ
وشَفَّ فؤادي الموجوعَ وجْدُ
وناحَ الوِرقُ فوق الأيك لمَّا
مضت كلِّي وإنَّ الكلَّ دَعدُ
مضت تمشي على قلب تلَظًّى
وجفن العين قد أضناه سُهْدُ



مضت شمسي وظلي وانتشائي
وأحلامي وبعضُ الموتِ بُعْدُ
أيا دعدُ التي ملكت زِمَامي
لَعَمْرُكِ إنَّ رِمشك مُسْتَبِدُّ
تهاجمُني عيونك في منامي
ويأْسرنِي أنا المقدامُ خَدُّ
ويوردني المهالكَ حُسْنُ وجهٍ
على شُرُفَاتِهِ نَدٌّ ووردُ
أنا يا دعدُ ما أخلفت وعدي
فعودي كي يعودَ اليومَ سعدُ
أمديني بِدَفْقٍ من جمالٍ
لعلي بعضَ نفسي أستردُّ
ألا يا دعدُ قد جفتْ عيوني
أما للهجر والحرمان حَدُّ

حنين سافر الوجه .............. بقلم : هيام عبدو-سورية

يا أنت
داخلي نهم لصمتك
يقف بكل تؤدة
على أصابع أقدام
حنين
يتلو آيات من شوق
أمام مذبح قلبي
لهاتيك الذكريات
وأنا
أعدّ على النبض زياراته
واحدة
تخرج عن طوع بنان
شراييني
تليها قوافل في طور ممات
و دموعي واجمة الخطى
لا تعرف لطريقها هدى
تتلمس وجهي
ضريرة الندى
تتشبت بأظافرها بثبات
تخطف من كحل العينين
محابر ترسم ذكراك
وشماً فوق سطوري
لغيوم حبلى
بفتات
من أثداء حروف
جف حليب نداها
فماتت كل الكلمات
أراني
أشد رحال جفاء
فتعيدني راحلة من شوق
حنين أحمق
سافر الوجه
لا يخشى لوماً في توق
يقطع براري أوجاع
يكسوني ببياض رداء
حجيج
فأغتسل من زمزم عينيك
وأطوف
أطوف حول لمسات
لأنامل هاتين الكفين
لايكفي شوقي
السبع طواف
تعال
نرمي بحصى لقاء
كل بعاد رجيم
لينعم طفل ودادي
بسرير بين الأهداب
حيث أقيم شعائر
لغرام حان قطاف
وصاله
لا تكن وقلبك في واد
من إلحاد
فأداء فرائض قلبي
عليك واجب


تحليل الصديق الأيسري: لقصيدة "موجُ البحر" للشاعر السوري الدكتور جهاد صباهي.


سنبحر معكم عبر كلمات قصيدة الشاعر السوري جهاد صباهي ونركب حروف إبداعه المتدفق وسيولة جمله الشعرية عبر تموجات المعاني والألفاظ متجهين نحو مرفأ سبر أغوار التحليل والبحث عن االَّلآلِئ والجواهر في عمق القصيدة.
لقد اختار الشاعر لقصيدته عنوانا متكونا من كلمتين ينتميان إلى نفس المكان الطبيعي ألا وهو الماء الذي تتمحور فيه الموج في حركاته وذبذباته والبحر بين عمقه وتقلباته وكلاهما في تواصل متجدد بين حركات ومنسجمان بين حالتي الهدوء والتقلبات.
يقول شاعر المرأة نزار قباني: لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِدا...ما أبحرت..
هنا شاعرنا جهاد صباهي أبى أن يبحر رغم معرفته الشديدة بعدم هدوءه وشدة تقلباته ربما الشاعر يقصد بالبحر الحياة وما يسودها من تغيرات وتقلبات أو ربما إلى حكاية حب عميقة المعاني. ومركبته تاهت عن المرفأ أي أن كل أفكاره وأساليبه للغوص في معاني الحياة بما فيها الحب لم تجد مكانا آمنا وركنا هنيئا يتقبل كل أفكاره ويجد حلولا لكل الألغاز والتساؤلات التي تواجهه.
وعند ابحاره في يم الحياة رأى مركب الحبيب في حالة من الذهول والشرود وسط أمواج الأفكار المتقلبة لم ينعم بالهناء فأحس حينها بهيستريا من المشاعر تجتاح كيانه فارتعد القلب لمشاهدة ذاك المنظر الذي تلفه العواصف الهوجاء من كل الجوانب إعصار شديد هنا يلمح الشاعر إلى التهديد الذي يشهده عالم حب تطوف به الشوائب من كل الجهات وقلبه يرتعد من أجل الحبيب الذي يعيش حالة من الغموض يبحث عن زورق ينقذه من تلك الحياة المتقلبة المليئة بالتناقضات
كلاهما يبحثان عن مرفأ الأمان وعن طوق النجاة من تلك الحياة البئيسة بعيدا عن الحب الذي سيقيهم من الغرق والموت البطيء وعذاب القلب المتذبذب المعالم بين مرفأ النجاة وعمق اليم.
(أبحرتُ ببحرٍ لم يهدأ
وبمركبي تهتُ عن المرفأ
في البحرِ رأيتُ مركَبَك
وسطَ الأمواجِ لم يهنأ
فارتعدَ القلبُ لرؤيَتِه
إعصار يقوى ولم يهدأ
يبحثُ بعينيكِ عن مرساة
عن طوقِ نجاةٍ عن زورق
كي يرسو
كي يغفو
كي يطفو
ولا يغرق
فكلانا يبحثُ عن مرساةٍ
وكلانا في البحرِ يغرق)
يواصل مناجاته وهمساته وخلجات قلبه وهو يبحث عن بر الأمان عن مرسى يرتاح فيها هنا تمنى الشاعر أن يرسو مركب الحبيب على صدره ويستقر بصفة نهائية حيث قلبه هو المرسى حيث سيكون المنى والحلم المرتقب وفي مرفأ القلب ستكتمل فصول حكاية العاشقين ملحمة ستشهد لها الطبيعة والسماء ذكرى لا تنسى ولا تنمحي قصة قوية الأسس لا تخشى أمواج البحر.
رغم أن الحبيبين يغرقان في بحر العشق بين إعصار قوي وأمواج عاتية تفقد الشعور بالأمان والطمأنينة ارتأى الشاعر أن يبني لحبيبته مرفأ الهناء والسلام في قلبه كي يرسو في أمان ويغفو في احلام العاشقين يطفو على صفيحة النجاة من الغرق والهلاك.
(لو يهدأ مركبُكِ ويرسو
يتأرجح على صدري ويغفو
وأكون حلمُكِ والمرسى
وحكايةُ عِشقٍ لا تُنسى
لا تخشى أمواج البحرِ
في قلبي بنيتُ لها مرفأ
فارتعدَ القلبُ لرؤيَتِكِ
إعصار يقوى ولم يهدأ
يبحثُ بعينيكِ عن مرساةٍ
عن طوقِ نجاةٍ عن زورق
كي يرسو
كي يغفو
كي يطفو
ولا يغرق
فكلانا يبحثُ عن مرساة
وكلانا في البحرِ يغرق)
وأخيرا استولى الشاعر على كل جوانب حبيبته وكسر كل حواجز الخوف وكل الموانع والشوائب فصار قلبه مرسى الحياة الأبدية في درب الحب السعيد بعيدا عن الغرق والهلاك
(هدأت أمواجك في قلبي
ورستْ مرساتُكِ في دربي
أوزار البحرِ تُطاردُك
وجنونُ الريحِ يحاصرُك
عيناكِ تبحثُ عن ملجأ
في قلبي وجدتُ لكِ مخبأ
فارتعدَ القلبُ لرؤيَتِك
إعصار يقوى ولم يهدأ
يبحثُ بعينيكِ عن مرساة
عن طوقِ نجاةٍ عن زورق
كي يرسو
كي يغفو
كي يطفو
ولا يغرق
فكلانا يبحثُ عن مرساة
وكلانا في البحرِ يغرق
كلانا في الحبِ يغرق
كلانا في الحبِ يغرق)

هايكو.................. بقلم : عماد عبد الملك الدليمي // العراق


حظر تجوال
ذهابا إيابا
أنا أعلن عصياني

ماعاد الزمان كالزمان .............. بقلم : فاطمة الشيري - المغرب


سألتُ الريحَ عن ذكريات لفظت التدوين.
جلطت حبرا سرى بالشرايين. استنزفت دمع المقل.
دروب الليل أخرست حفيف وريقات اشتكت غربة الرصيف.
نعيق الغربان انتشى
شحوب الخريف
غبار السنين
طوى مسافة النسيان.
الحنين نثر الرماد بالعيون.
تدثر الحلم بربيع
غادر قبل الحلول.
زخات الغيث روت سراب البذور.
اصفرار السنابل استنجد صدأ المناجل.
خجلا عانقت التراب.
استصرخت الفزاعة عدالة السماء.
عاصفة هوجاء
مزجت الفصول.
البداية دون نهاية اختنقت لهفة اللقاء
والغياب راقص شوقا احترق على صفيحة الأيام.

كبرياءٌ زائفٌ................. بقل : احمد عبد الحسن الكعبي // العراق



حينما يبركُ الغرورُ على عرشِ الحصافة و الكياسة تتلاشى القيم النبيلةو يندرسُ الحُنُو النفح والمشاعر المحضة على جدران الافئدة الوغدة و يفرش اللؤم جناحيه على الارواح البائسة و يغزو الخبث حصون الانسانية بسيوفه الطائشة و رماحه النزقةو تذبح حروف الكلمة العفيفة على مصطبة الوهم و مقاصل الخُيلاءفلن يبقى
سوى ثوبها السمل الغث فتعانق الاتضاع مبدية الاذعان على شرفة الكدية و عتبات الشكيمة و اسوار الغلول... .
24/8/2021

كلما / ومضــة ................... بقلم : راسم ابراهيم // العراق


كلما
دفنت دموعي
في أكف الليل
تذوب خطاي
ويهدني التعب
اتأمل اناشيد الشمس
فتندى خضابا
في جبين الفجر
لتلتوي
بلقاك
العراق ..ديالى
٢٢ أب

اَلرِّحْلَةُ الْأَخِيرَةُ .............. بقلم : العلمي الدريوش - المغرب

( لغة تفتش عن بنيها وعن راويها
تموت كمن فيها وترمى في المعاجم.)
محمود درويش
كُونِي مَاءً رَحِيماً يَا لُغَتِي
أَوْ كُونِي جَنَاحاً صَغِيراً
لِنَحْلٍ أخِيرٍ يُحَلِّقُ فِي رِئَتِي..
قَدْ أَزْهَرَ الْحَرِيقُ دَاخِلِي،
وَالبَيْنُ يَمْتَصُّ مَا تَبَقَّى مِنْ هَوَاءٍ شَقِيٍّ
وَيهْمِسُ بِالرَّحِيلِ فِي شَفَتِي.
فَاسْرِجِي مَتْنَكِ لِي غَمَامَا..
لَمْ يَبْقَ إِلَّا الرَّحِيلُ يَا لُغَتِي..
وَالطَّرِيقُ وَاحِدٌ
هُوَ نَفْسُهُ الطَّرِيقُ،
لَكِنَّ الْوِجْهَةَ تَخْتَلِفُ..
تَخْتَلِفُ الْوِجْهَةُ تَمَاماً تَمَامَا..
كُلَّمَا ضَاقَتِ الفِكْرَةُ
تَجَنَّحَتْ بَيْنِي وبَيْنَكِ الْعِبَارَة.
* * *
لَمْ نَرْكَبْ خَيْلَناَ كَيْ نَعُودْ..
أَحْرَقْتُ خَيْمَتِي
وَالْحِبَالَ وَالْأَوْتَاد ،
وُكُتُبَ الْاَمْثَالِ وَالْأَشْعَار،
وَالْوَصَايَا الْقَدِيمَةَ،
وَالنَّوَادِرَ وَالْأَخْبَارَ وَالْأَسْفَار..
أَحْرَقْتُ أَنْسَاقَ فَلَاسِفَةِ الْعَدَمِ وَالوٌجُودْ..
أَحْرَقُتُ كُتْبَ فرُويدَ فِي الْمَرْقَصِ اللَّيْلِيِّ،
وَعَلَّقْتُ بِبَابِهِ رَافِعَاتٍ لِلنُّهُودْ..
تَرَكْتُ وَطَناً فَارِغاً..
لَا صَوْتَ يَعْلُو فِيهِ فَوْقَ شَارَاتِ الْجُنُودْ.
تَرَكْتُ الْكِنَاسَ وًالْغَزالَ وَالْمَهَا..
وَالبَاحِثِينَ فِي الْبَيْدَاءِ عَنْ أَثَرٍ لِلظّعَائِنِ..
وَمَا يَعْشَقُهُ العَابِرُونَ لِلْحُدُودْ..
تَرَكْتُ امْرَأَ الْقَيْسِ أَمَامَ دَنِّهِ وَصَحْبِهِ
يَبْكِي الْحَبِيبَ وَالدِّيَار..
ثُمَّ يَخْرُجُ لِلصَّيْدِ وَالْعَذَارَى
وَالطَّيْرُ فِي وُكْنَاتِهَا سَاعَةَ السَّحَرْ..
تَرَكْتُ الْغَرِيبَ نِِيتْشَه
لِوَحْدِهِ فِي الْعَرَاءْ؛
يَعُدُّ مَا تَبَقَّى فِي الْقَطِيعِ،
وَينْحَنِي خَاشِعاً لِذَاِتهِ
كَأَنَّهُ إِلَهٌ ثَائِرٌ يَعْبُدُ الْبَشَر..
تَرَكْتُ الْكُولُونِيلَ فِي عُزْلَتِهِ؛
يُكَاتِبُ غَارْسِيَا مَاركِيزَ* فِي الخَفَاء..
يَفْتَحُ بَرِيدَ الْقَلْبِ
وَيرْقُبُ الْخَبَر..
تَرَكْتُ أَبَا الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي فِي حَلَبْ
يَصْرُخُ "وَاحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ"
قَلْبِي انْفَطَرْ..
وَيَكْتُبُ آخِرَ مَرْثِيَّةٍ لِتَارِيخِ الْعَرَبْ.
* * *
اَلرِّحْلَةُ الأَخِيرَةُ لَا تَنْتَهِي؛
كُنْتُ كَمِسْبَارٍ يَفُكُّ أَجْزَاءَهُ كَيْ يُوَاصِلَ الْمَسِيرْ..
يَحُومُ وَحْدَهُ فِي الْفَضَاء
وَيَرْقُبُ الْكَوَاكِبَ فِي الْبَعِيد.
كُنْتُ لَا أُطِيقُ مَا تَبَقَّى فِي الْجَسَد..
نَزَعْتُ سَاقِي،
أَلْقَيْتُ بِهَا فِي الْهَوَاء..
فُشُكْراً لُغَتِي..
لُغَتِي مَنْ تَحْمِلُنِي أَنَّى تَشَاء.
بَكَتْ مِنَ الْعَيِّ شَفَتِي..
فَصَاحَتِ الْأُذْنُ بِي:
أَنَا مَنْ يُوَاصِلُ الْكَلَام،
لَيْسَ السَّمْعُ وَحْدَهُ مِهْنَتِي..
أَنَا مَنْ يُكَلِّمُ الْهُدُوءَ وَالظِّلَالْ،
أَنَا شَفَةٌ أُخْرَى لِلْكَلَامِ الَّذِي لَا يُقَالْ..
أَنَا لَحْنُ مَعْنَى الْمَعْنَى بِلَا صُوَرْ..
وَفِي كُلِّ دَوْرَةٍ نَدُورُهَا
تَسْقُطُ مِنْ خَلْفِنَا أَجْزَاء..
كَمَا تَسْقُطُ الْقَوَافِي مِنْ طَوَابِقِ النَّشِيد
إِذَا خَانَهُ نَبْرٌ أَوْ تَصَدَّعَ الْوَتَرْ.
* * *
فِي الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَنْتَهِي،
جَاعَتَ كَذِئْبَةٍ مُرْضِعَةٍ فِي البَرَارِي لُغَتِي..
لَكِنّنَا،
مِثْلَمَا يَأكُلُ النَّايُ مِنْ صَوتِهِ
إِذَا خَانَهُ النَّفِيخُ،
كُنَّا نَأْكُلُ بَعْضَنَا..
كَيْ يَصْمُتَ عَنْ صَفِيرِهِ السَّغَبْ.
كُنَّا نَشْرَبُ قَهْوَةً مَالِحَةً مِنْ كَأْسِ الْوَرِيد..
كَيْ نَطْرُدَ التَّعَبْ..
فَالرِّحْلَةُ طَوِيلَةٌ
وَلَا حَدَّ لِلسَّفَرْ.
* * *
اَلرِّحْلَةُ الْأَخِيرَةُ كَادَتْ تَنْتَهِي،
وَالْجَدِيدُ يَلُوحُ فِي الْبَعِيدِ كَالْقَدِيم..
لَا بِحَارَ تُغْرِي بِالْوُقُوفِ وَلَا سَمَاءْ..
وَاللُّؤْلُؤُ وَالتُّرَابُ وَالظَّلَامُ وَالضِّيَاءْ..
كُلُّهُ أَضْحَى كَالزَّبَد.
صَارَتْ تَخْتَفِي الْكَوَاكِبُ مِنْ حَوْلِنَا وَالنُّجُوم..
لَكِنَّنَا،
خَرَجْنَا وَلَنْ نَعُودْ..
وَحْدَهُ السَّدِيمُ يُفْضِي لِلسَّدِيمْ..
وَالْوَرَاءُ يَدْفَعُ لِلْأَمَامِ
وَالْأَمَامُ يَدْفَعُ لِلْوَرَاءْ..
أَنَا لُغَتِي،
لُغَتِي أَنَا،
لَنْ نَشْحَذَ الْوُجُودْ..
لَنْ نَعُودَ لِلْجَسَدْ..
* * *
تَنَاهَيْنَا فِي الْمَدَى الَّذِي لَا يُحَدّ..
فَصَاحَتْ بِي لُغَتِي:
اَلرِّحْلَةُ آذَنَتْ بِالْإِنْتِهاءْ؛
أَنْتَ الْآنَ حُرٌّ طَلِيق،
أَنْتَ الْآنَ فِي دُنًى غَرِيبَة
لَا يَنْبُتُ فِيهَا مَكْرٌ أَوْ حَسَدْ..
أَنْتَ مِثْلِي يَا صَاحِبِي فِي غُرْبَةِ الْأَبَدْ..
وَحَيْثُ الصَّمْتُ لَا يُشْبِهُ ذَاتَهُ..
سَمِعْتُ خَلْفِي شَهْقَةَ الْوَلَدْ:
عُدْ يَا أَبَتِي،
أَنْتَ مَنْ يَشْتَرِي كُتُبِي غَداً..
عُدْ يَا أَبَتِي،
قَبْلَ أنْ يَرْحَلَ الْْأَحَدْ.
هامش :
* غابرييل غارسيا ماركيز : صاحب رواية " ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" .
التخطيط المرفق: مختار حسانين