الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. الهدوء يعمّ المكان والصمت يلفّ الليل في الخارج. ربما كان الشعور بالراحة النفسية ما جعلني أتهيّأ لما يشبه جلسة تأمّل. كل شيء يبدو في سياقه الصحيح. هادئة أنا ككلّ شيء من حولي. أغمضتُ عينيّ، وبعد فترة وجيزة، استرختْ أعضائي وبدأت حواسي ترتحل بعيداً، مستصحبة نشوة اللقاء بكلّ جميل. رويداً رويداً بدأ ضوء ينتشر في المكان، صانعاً فسحات يتجمع فيها كثافةً سحرية فاتنة.
أيّها الضوء الذي يصحبني حيث أكون، شكراً لك على هذا اللقاء.
ما يحيط بي يفوق الوصف. تتداخل الأشياء حتى تبدو لوحة واحدة بألوانها وشفافيتها وحرارة إحساسها. أتماهى معها حتى أمسي أكثر رقة وتمتلئ حواسي بطاقة لا حدود لها.
أيها الضوء، احتضنّي واغمرني بهدوء؛ أنا جزء منك.
أعيش دقائق الانتشاء هذه.. لكن لحظة تفكّر تبعدني. تذهب أفكاري بعيداً: ثمة أسئلة غامضة تحتاج إلى إجابة. لكن لماذا الآن؟
سأفكر في أسئلتي لاحقاً ولن أشرد بعيداً مرة أخرى. اعتذرتُ للضوء وعدتُ إليه. أنا وهو والغبطة لا تغادرني. لكن هل سيبقى الضوء يلازمني؟ حسناً، سأضع مخاوفي جانباً الآن.
أخذ الضوء يتّخذ أشكالاً مختلفة، ساحرة وغريبة، وأخذ يتسع أكثر فأكثر وتكبر مع اتساعه طاقتي. تغمرني سعادة طفولية لبقاء الضوء أطول هذه المرة، حتى مع شرودي وابتعادي عنه أحياناً. إنه معي!
أرى فراشات وطيوراً صغيرة، لكن أجنحتها كالملاقط تلتهم كلّ شيء يقترب منها. ماذا يعني ذلك؟ ثمة أيضاً نباتات وأعشاب صغيرة تشبه الملاقط هي الأخرى. ماذا يعني كلّ هذا؟ تأويلات سياسية واجتماعية مختلفة تعبر رأسي، لكنها تختفي سريعاً.
فتحتُ عينيّ ثم أغمضتهما. رأيته ثانيةً، باهراً، ساطعاً أكثر من المرة السابقة. شكرتُه ثانيةً. إني سعيدة حقاً لهذه الحالة التي أعيشها. يا إلهي، بدأت دموعي ساخنة تسيل على خديّ. أهو بكاء الفرح أم الحزن العميق؟
ازداد بكائي ففتحتُ عينيّ. مسحت دموعي بأطراف قميص نومي، ثم نهضت وشربت قليلاً من الماء. خرجت من الغرفة باتجاه الحمام، وبعد أن غسلت وجهي، رجعت إلى الفراش وتدثّرت جيداً، لأني شعرت بالبرد وبدأتْ أوصالي ترتجف. أغمضت عينيّ ثانية وأنا أسأل نفسي: هل ما زال الضوء ينتظرني؟
أيها الضوء، يا ساحري، أرجوك أن تشرق عليهم دائماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق