اللغة تتسع باتساع الرؤيا
قراءة نقدية لمجموعة ( غيوم ليست للمطر) للشاعر ماجد البلداوي
صدر لشاعر ماجد البلداوي مجموعته الرابعة (غيوم ليست للمطر) والصادرة عن دار شمس للنشر و التوزيع/القاهرة
حين تكون الفكرة هي الرؤيا المنعكسة إلي داخل اللغة فتمتد هذه اللغة إلي مساحات التي تستطيع أن يعطيها الشاعر الثيمات المتغيرة وفق منهجية تكوين المشاعر النفسية والرموز المترتبة علي التعبير عنها من خلال قدرة الشاعر على المسك باللغة كأداة نقل هذه المشاعر إلى جوهر هذه اللغة لكي تصبح اللغة هي الواسطة المعبرة عن هذه الثيمات المتغيرة، وليس من أجل أن تصبح اللغة هي التصور الناطق لهذه الرؤيا لأن في هذه الحالة كثيرا ما تنفلت اللغة أو تتراكم داخل خيال الشاعر الصانع للرؤيا وتتحول إلي رموز مبهمة وغامضة خالية من عنصر الحياة لا تعطي التأثير المطلوب علي المتلقي دون الوقوع في التقريرية، ونحن هنا أمام شاعر يمتلك ناصية اللغة المكونة لكل المعاني التي التوصل إلى أحداث الأنزياحات الواسعة والتي تجعل المتلقي يتطابق برؤيته مع الرؤيا التي يريد الشاعر أن يوصلها، أي أن الشاعر ماجد البلداوي يعرف كيف يصوغ منهجية الرموز المكثفة المتحققة من خلال رؤيته الفكرية والحليمة تابعا منابع هواجس الذات بكل مراحلها وحسب تغير الظروف المكانية والزمنية لكي يرتقي بالرمز المتجدد إلي غايات واضحة مع أعطاء الرمز المكثف.. والمكاشفة التي تعبر عن بواطن الأشياء وحركتها من الداخل واعتمادا علي رموز الذات الداخلية ,فأن الارتكاز على اللغة من أجل الكشف علي المستوي المجازي ومستوي التوغل في الخيال لكي يطاوع الرؤيا وفق تركيب اللغة العميقة لأحداث المغايرة في تركيب المفردات هذه اللغة لكي تتخلص من الجمود وفي نفس الوقت أعطائها كل المؤشرات الحية والمؤثرة في المتلقي حين يقرأ النص الشعري بعيدا عن الجنوح إلي مفردات التي لا تشكل ضمن النص إلا شكله أي فارغة من المعني الواضح المرمز بكثافة العبارة الشعرية وهذا ما نجده في نصوص الشاعر ماجد البلداوي حيث تبقي الكلمات هي الارتكاز الأكثر امتدادا والرحم الأول لولادة المعني وهذا ما نلاحظه هنا في ص 18 (حيث المنائر سكري/وصوت المؤذن يخبو ويصعد/يخبو فتنكسر الكلمات)ويكون هنا الارتكاز في أحداث الفعل هي الكلمات و هي المؤشر علي تغير الحياة المؤدية إلي فقد الحياة أو فقد قيمتها المعنوية أي تصبح هي الدالة الموضحة لكل الأحداث، فبقدر ما يخبو صوت المؤذن تخبو وتتكسر الكلمات وهذا الدلالة علي فقد الأيمان..فمتي تخبو وتتكسر الكلمات حين يكون هناك عدم الثبات في الأيمان فالمنائر سكرا أي أنها غير ثابتة في المعني الذي تنتمي إليه وبهذا تكون الكلمات الدالة المؤشرة علي عدم الثبات في الموقف والأيمان به.
وتبقي الكلمات هي الحيز التي تتحرك ضمنها الأحداث حيث يشكل عنصر الكلام أو الكلمات هي الدافعة للفعل أو المحتمة علي نهايته، فتصبح الكلمة هي المعبر عن المعني المتحقق لكل الأفعال في المقاطع التالية يحدث هذا ص 19(آه يا../ قلتها مرة, وتسلل دمع من الذكريات البعيدة,/أرخت عناقيدها الكلمات)وتكون هنا الكلمات هي المؤشرة علي البعد وفي احتواء الذكريات فبقت الكلمات هي الملازمة لوجودها في الذاكرة أي أن الكلمات هي ثابتة والمعبرة عن تلك الذكريات، يبدأ بحرف النداء إلى البعيد ليشير برغم بعد هذا الذكريات فهي موجودة في الكلمات حوله،
حين تكون اللغة الكاشف لمعني الأشياء ,
ص 23 (آه كم أحتاجك يا أنثاي !/ الليلة تلتهب الكلمات/ فنشعل موقد وحدتنا/نتدفأ بالعشب/ وبالأمطار وألوذ بدفئك) كل معني في الوجود خارج اللغة لا يكتسب الحقيقة الجوهرية في ظواهر الحياة والشاعر هنا أستطاع أن يعطي إلي اللغة بقدر ما هي أداة نقل وتعبير كذلك أعطائها عمق المكاشفة عن حركة الظواهر وارتباطها المنعكس من الجوهر أي هي المعني في تحديد مدراك الإنسان والتي تؤشر كل مفردات الحياة حوله، وهذا أقصي حالة لحاجته إلى أنثاه هي التهاب الكلمات حيث تصبح المعبر الكامل لكل مشاعره الداخلية أي أن اللغة هي المعبرة لكل ما يعيش من استفزاز داخلي ولكل الظاهرة في انحدار أو امتداد لحالة التعبير الداخلي والمحددة من خلال الرموز (الليل،الدفء، العشب، الأمطار) بهذا تكون اللغة هي الماسكة لكل حالات التعبير من المشاعر الباطنية في الوعي أو لاوعي أي تصبح اللغة هي لغة الداخل والمعبرة عن كل ما يدور حول الشاعر من انعكاس لكل الرموز حوله، واللغة هنا بقدر ما تحولت إلي وسيلة التعبير بقدر ما هي أداة لخلق الرموز الوجودية، أي أن الشاعر أمتد باللغة إلي تصور رموز الرؤيا والحركة المترتبة على تنفيذ هذه الرؤيا .والذي يميز الشاعر أنه يحدد الفعل ومن ثم يكشف عن كوامنه الانعكاسية حيث تصبح اللغة هي اختيار الأكثر تعبيرا عن هواجسه النفسية وليس حالة طارئة للتعبير أي هي سيمياء النص وحالته تأويله إلي الرموز المقاربة لكل حالاته التي يعبر عنها من وعيه اللغوي وتنقلاته ضمن الوجود، فيجعل من اللغة الرموز المبطنة لكل ما يحدث في الحياة من أدراك فكري لحركة الأشياء والمؤثرة فيه
ص 32(قال المهرج سوف تدرك خيبة الكلمات،/ تشتعل في فضاء الغيم/أسيجة وتمضي/خلف صيادين ويبتكرون شمسا للنميمة)
فنجده هنا يحاول أن يفسر أن كل ما يحدث حوله من خيبات في التعبير هو بسبب الكلمات، أي أنه يكشف عن رموزه الداخلية من خلال التعبير الأستعاري لكي يحدد الرمز وقيمته ومن ثم يرتقي به إلي مستوي توضيح الرؤيا التي حققت الانزياح باستعارة المعني لهذا الرمز وهذا يحدث من خلال ميكانزمية اللغة نفسها دون الإفراط في الغموض في التعبير عن هذا الرمز، أي أنه يبتعد عن الغموض و الجمود المفردات المعبرة لكي تبقي تتجاذب أو تتحرك ضمن نسق واحد المتحرك، محركا الفعل علي الواقع وهذا طبعا يؤدي لدية إلي تكوين الاستعارة الدلالية
والمكونة إلي الصورة الشعرية المقاربة إلي بؤرة النص المتحرك
ص 35(آه لم يعد الرصيف بضاعتي، سأروض الكلمات كي تنصاع لي/وأدس في غاباتها طرقي)
اللغة والتعبير عن الرموز الذاتية حين يعجز عن أيجاد تصالح مع الواقع حوله يحاول أن يلتجئ إلي اللغة ليطوع قيمة التعبير عن هذا الواقع الذي يعيش خارج ذاته الداخلية ورموزها،حيث لم يجد في الوجود الذي حوله إلا منفي اختياري لكل ما يريد أن يصل إليه، لا يستكين بل يستمر بالمحاولة لكي لا تهمش الحياة حوله كليا ويسقط في دائرة الغربة, أي انه يحاول أن لا يتخلخل المعني لدية من خلال عدم التصالح مع الأشياء التي ينتمي إليها بل يحاول أن يعيد المعني إلي الأشياء التي فقدت معناها ولكن ليس بالطريقة القصرية بل بطريقة أنتاج رؤيا أخري مغايرة لها ولكنها مرتبطة بنفس المعني لكنها مغايرة لها عن طريق أحداث الانزياح الذي يعيد المعني ويحقق التجدد بالرؤيا وهذا ما نجده في القاطع التالية ص 43(هذا هو الناي البعيد/يرتق الكلمات/بالمعني/وفاتحة الأنين) فهنا الواقع هو الفعال في تحقق اللغة التي يستطيع أن يعبر من خلالها عن معاناته واغترابه، فهو هنا من خلال البعيد أي بعيد عن الواقع الذي حوله يأتي به لكي يرتق الكلمات ويعيد اكتشاف المعني الجديد حوله بالرغم أن واقعه المعاش لا يحمل سوي المعني والأنين ويتم كل هذا من أجل أن يخرج حسه الذاتي إلى مستوي الموضوعية كي يؤكد أن هذا الواقع الذي فقد عنصر التصالح معه ليس بسبب عناوينه الذاتية بل هو هكذا كما هو، فهو لم يقيمه حسب اشتراطاته الذاتية الذي حدد بها هذا الواقع بل أن معناه والدلالة عليه هي فاتحة الأنين فهو يراه دون الانحراف بالمعني خارجه, فيمتد هذا الواقع ليشمل كل الزمن الذي يمر به دون التدخل منه بتحريف الانتماء إليه فهو المسكون بالطعنات، والقلق والحروب والرصيف الدامي، وما الكلمات إلا أداة التعبير عنه،فبرغم كل هذا يحاول أن يعيد تجميله وترميمه لكي لا يسقط بوتوبيا المسيطرة عليه فيودعه بالقداح أي أنه يدرك برغم كل هذه المعاناة مازال متمسك به ومنتمي إليه وهذا ما نراه
ص 45(يا أيها المسكون بالطعنات/والكلمات،/ والقلق والحروب/ دمك الرصيف, فودع القداح)
اللغة المعبر عن محور التغير...
وبالرغم أنه متمسك بهذا المكان دون التخلي عنه يحاول أن يرسم أفق أخر وعصفورا من الكلمات لكي يغير المعني لديه من خلال مسحه لزجاج غمامه ونحيبه الذي يرزح تحته، وهنا يأتي بالأفق وهي محاولة البحث عن واقع أخر بعيد عن الواقع الذي حوله حيث أن الرسم هو حالة البحث عن التغير ولكن عدم القدرة علي فعله لأنه يشعر بتلاصقه بهذا المكان لأسباب قد تكون خارج قدرته، وهنا صارت اللغة محور تغير لكن بشكل تمني أي توضح حالة الغجر لدية علي أحداث التغير حوله، فنشعر أن اللغة هي المنطقة التي يرتب فيها قناعاته وامتداده الذاتي وهذا ما نجده في هذه المقاطع في ص 46 (وأرسم لهذا الأفق/عصفورا من الكلمات،/وأمسح من زجاج غمامي/هذا النحيب)
كل حدث يؤدي إلي اللغة يتكون المعني لهذا الحدث من خلال المفردات المناسبة التي تعبر عنه، ولكي نحدد الأسباب التي تشارك بأحداث هذا الفعل لكي يستمر النص كوحدة عضوية متجانسة الرؤيا واللغة المعبرة عن هذه الرؤيا بشكل موضوعي في لحظة الذات المتأثرة لهذا الحدث حيث تطرح هذه الذات التأثير بشكل رموز من الوعي واللاوعي، فزمن العربي لم يعد بلا تمتمات ولا كلمات بل أصبح مجرد لافتات وأغاني وصراخ لا يفعل التغير بل يهمش هذا الزمن لفقدانه الكلمات وحتي التمتمات أي أصبح الزمن العربي مجرد صراخ لا طائل منه في أحداث التغير المنشود حيث نلاحظ في المقاطع التالية في ص 55(هذا أنا، أقصد الزمن العربي،/ بلا تمتمات ولا كلمات / ولا عولمة./أقصد اللافتات/ألأغاني/الصراخ/المواويل)
اللغة والإيقاع الداخلي للذات ..
لفقده كل أمل بالتغير يشعر أنه غريب لأنه وحده يريد أن يحدث التغير ولكن لا أحد معه فتسبقه الكلمات ويسبقه الدرب، وهذه الوحدة والغربة تجعله يرتد إلى ذاته دون هدف دون أمل وما يجعله يغرق في الجنون، وهذا يؤشر عمق الرغبة لدية من أجل الإسراع بالتغير نحو الهدف الذي ينشد ولكن لا أمل بهذا التغير فليس أمامه إلا السقوط في الهم الذات المفردة ,بعيداعن كل الدروب وهذا ما نجده في المقاطع في ص 63 (منفردا أخطو في هذا العالم وحدي/أمشي تسبقني الكلمات/يسبقني الدرب/أغرق في بحر جنوني)
نلاحظ أن اللغة ترتقي عند المستوي التعبير عن كل خلجاته الذاتية ورموزها المعبرة عن هذا الخلجات فحتي الدعوة إلي أنثاه تأتي إليه من خلال التصاقها بالكلمات، حيث يشعر أن كل شيء خارج الكلمات هو صمت فيتحول التلاقي من خلال الكلمات وفي المقاطع التالية في ص 64 (أدعوك الليلة، /هيا التصقي بي/وبالكلمات.)
أن ترادف الاستعارة في أحداث الانزياح المكون للصورة الشعرية يجعل مساحة النص تتهيكل علي إيقاع داخلي يكون الصورة بشكل شفاف وعميق وهذا يأتي من خلال تواتر الكلمات بالمعني التي تقارب الرؤيا التي يريد الشاعر أن يوصلها إلي المتلقي حيث تصبح اللغة هو النشاط الحي والأكثر قدرة علي إخضاع كل المسارات إلى المعني، أي أن الشاعر يؤكد ما قاله سوسير أن اللغة هي نظام يعتمد كليا علي التقابل بين وحداته وهذه الوحدات هي الإشارات،
فنشعر أن أقصي ما يريد أن يقول أن اللغة هي حاملة المعني أي هي الدالة لكل مدلول . يحملها كل ما يؤشر الي حقيقة الحياة،هنا هي حاملة الفضائح وعلي ضوء هذا تمتد اللغة لدية وكأنها العامل الوحيد الذي يعطي جوهر الأشياء ونظامها وفق البنية الزمنكانية أي أن اللغة هي العنصر الذي يوجد من خلاله العناصر الباقية في الحياة، فبعد أن شعر أن المكان الذي حوله خارج إحساسه بالانتماء يولع ذاكرته بالركض كي يبتعد عن هذا المكان لكي يستعيد ذاكرته البعيدة. فلم يعد هذا المكان إلا الموحي إلى الفضائح والمعبرة من خلال الكلمات، والشاعر لم يعد يمتلك إلا أن يستوحي أخر ما يمتلك من تعبير أو الحد الأخير من التعبير عن هذا المكان، ووصوله إلي اليأس من التغير الذي يحدث حوله فلا يصادق إلا النحاس أي الركود والتوقف النهائي عن البحث عن مدلول خارج دالة المكان بالتغير ونجد هذا في المقاطع التالية في ص 72 (وأولع ذاكرتي بالركض./ أستبدل القصيدة بالتذكر، والكلمات بالفضائح/عندئذ يستوحي الشاعر أخر موتاه/ويبدأ بمصادقة النحاس).
ضياع اللغة بضياع المعني في الأشياء...
وتصبح حتي اللغة لدية لا معني لها حين يفقد المكان الذي حوله أي معني حيث تصبح الكلمات لا طعم لها ومن أجل الابتعاد عن هذا المكان يتوجه إلي الزمان كحل أخر من أجل الابتعاد كليا عن مكانه، مع كل محاولاته يشعر أنه لا يمكن أن يبتعد فالزمن لم يعد له قيمة دون المكان الذي حوله فالزمن أصبح يشير إليه بالغباء لهذا لا يمكن أن يروضه، لهذا يعود إلي ذاته ويروض الأمعاء والتي تشير إلي الصبر والانتظار إلي تغير الذي سوف يحدث في المكان . وبهذا هو يؤشر الدالة وتبعيتها للمدلول وفق التصور الذهني المنعكس من تأثره بالمحيط الذي حوله فنجد هذا في المقاطع في ص 79 (لا طعم هذه الكلمات من حلوي الضجيج/سأروض الزمن الغبي/أروض الأمعاء كي تلهو)
ويستمر في محاولة ترويض الكلمات لكي يجد المعني الذي يبحث عنه. وهنا أستطاع أن يعبر بهذا المحاولة إلى ضفة أخري من المعني داخل اللغة نفسها، أي بقى هو ضمن الدالة ولكن أعطي إلى المدلول البعد الأخر المعبر عنه فهو بقي ضمن محيط الدالة بالتصور الذهني لكن أعطي المدلول معني أخر و مرتكز على المعني الأخر والمتأثر بهذه الدالة، فالشاعر هنا روض الكلمات لكي تنصاع له في معناها فقد دس طرقة في غاباتها أي أستطاع أن يعثر علي المعني الذي يريد في أحداث التغير، وقد أصبحت اللغة عنده خطاب شعري وتغير أو أمل بالتغير فرسم شرفة للريحان،كي تولد القصيدة طفلها. أي يولد الأمل الذي يسعي أن يراه في الحياة التي حوله، بهذا هو طابق المدلول مع الدالة بالرغم من تغير المعني في المدلول ونجد هذا في المقاطع في ص 80(سأروض الكلمات كي تنصاع لي/وأدس في غاباتها طرقي/وأرسم شرفة للريحان/كي تلد القصيدة طفلها)
وفي المقاطع التالية يتراجع فهو لم يعد يري في اللغة من جدوي في التغير فقد يأس من هذا التغير حيث تمتد المساحة هنا ما بين الاحتراق والحرق فقد دخن ونام ولكن في الحلم أحرق كل ملابسه لكنه لم يحرق ملابسه بل حرق الكلمات أي حرق المعني الذي كان يبحث عنه وهذا جاء من خلال يأسه والسيجارة المحترقة إلا تلاشي الأمل لديه بالتغير المرتقب أو المنشود
حيث حرق في وعيه السيجارة وحين غاب في اللاوعي أحرق كلمات الأمل وبهذا أستطاع ألشاعر أن يوظف حالة الوعي واللاوعي بشكل أعطي دلالة واضحة المعني والانزياح فأنه فقد حتي في حلمه الأمل، وهذا لقطة سيميائية تمتد لتشمل كل كونه الذاتي دون أن يفرط في طرح الغموض بل أعطى الأحياء ليثبت المدلول علي دالة فقد الأمل في كل مساحات الذات المنتظرة للأمل الذي يجد فيه التغير المنشود وكما في المقاطع التالية في ص 91 (دخن سيجارة ثم نام/وفي الحلم أحرق كل ملابسه/فتيقظ، أدرك في حينها/أنه أحرق الكلمات)
اللغة والتعبير عن المكنون الداخلي ...
بهذا أستطاع الشاعر أن يجعل من اللغة هي لغة الذات حيث تحولت إلي انفعال سيكولوجي تجعله النص لديه النص هو السعي إلي التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنوناته ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابته للنص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلي معاني هذه الموجودات
وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي،فيخرج هذا التأثير علي شكل رموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كوامنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي، لتبقي مساحة الذات هي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي،فعند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلي التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلي البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تنفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية والتي تتفجر في لحظة الكتابة، لأن التعبير عنها تحددها الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية.. وبهذا نحن أمام شاعر جعل من الحوار الذاتي الداخلي هي اللغة الذاتية بجميع مقارباتها االسيكولوجيه والتي تعطي الرمز كحالة التعبير عن كل مكنونه الفكري والإدراكي المكون إلي الرؤيا التي تحدد ذائقته الشعرية بشكل واسع وعميق فينتج الرمز الموحي لكل مراحل الذات وقناعاتها بلغته الذاتية والمعبرة عن قلقه طموحاته ووعيه الشخصي،فالشاعر ماجد البلداوي على ضوء ما ذكر أستطاع أن يؤسس لغة بمستوي ذاته والمنفتحة علي التطلع والحلم، أي جعل من نصه سر لغته الذاتية والمعبرة عن كامل هذه الذات في صدقها وتفاعلها والتحامها مع كل ما يحيطها من التغير في محيطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق