في منزل جدي البسيط الواقع على منحدرات التلال الشمالية هناك حيث تولد الحكايات الجميلة كان المنزل البسيط المنقوشة جدرانه بعصارة زيت الزيتون و حبات الليمون الصفراوية’هناك كان كل شي هادئاً كالمعتاد بعد نهار يعقبه مساء من التعب ’غرفتها باردة ’ الستائر منسدلة ’ كل شيء مبعثر في الغرفة بعد زيارة حفيدتها الصغيرة المشاكسة جرائد جدي اليومية ’الملابس ’ غطاؤها مبعثر قليلا فوق ذلك السرير الذي يحكي الكثير من حياتها’ كانت جدتي ترمق انعكاس صورتي في مرآتها الكبيرة المثبتة على خزانة ملابسها ’ و أنا أشاهد بأم عيني بساطة المنزل لأول مرة بنظرة أخرى ’توزيع الأثاث و الإضاءة ’ و كل شي يبعث ارتياحا لنفسي و يعطي بعدا جماليا و انطباعا عن رقي جدتي الثمانينية العمرِ. ’ جلستُ على طرف سريرها ’ أرْقُبُها وهي على الطرف الآخر. تنسج شالا من الصوف لحفيدتها آخر العنقود كما تسميها ’سرحتُ في ملامح وجهها ’ في لحظة نسيت العالم خلف ظهري ’ نقاء قلبها عكس صفاء خياليا على وجهها أراه جنة من الجمال ’ رغم أخاديدها التي أنبتتها السنون و شبت على هموم الأيام ’ رفعتْ رفعت رأسها ابتهاجا برؤيتي ’كيف لا و هي تنعتني بشبيهة حبيبتها أمي ’ غرقتُ في عينيها النرجسيتين الساحرتين و هي تضمني :
نورتْ الدار بنورك يا حبيبة قلبي .
أي جميلة أنت يا جدة ’ قلتها في نفسي ’ و مازالت عيناي ترعاها ’ لم ألبث أن قلتها لتغرد على مسامعها بابتسامة خبث مشاكسة :
أنت بهذا العمر و جمالك جمال ! !’ فكيف و أنت في عز شبابك ! !
ابتسمت بخجل طفلة و هي تبعد ضفائرها القصيرة المخضبة بالحناء الطبيعية ’ زادت من نضارة بشرتها البيضاء’ لتتحدث بابتسامة جانبية و ترد على كلامي بنفس الطريقة :
خلِ البئر بغطائه مثل ما يقولون و اهتمي بحياتك لا تتدخلي بحياة غيرك و عادت لتتفحصني بنظرة خاطفة .
ضممتها بشدة و طبعت قبلة على خدها : جميلة أنت بكل تفاصيلك يا جدة!.
قالتها بكل حنان و دفء :
بهذه المناسبة روحي جهزي شرابا دافئا لنشربه ما عدا الشاي! لا أدري كيف تحملون رشفة منه أنتِ و أهلك ! قالتها بتذمر!!.
أردفت تقول: و استعجلي قليلا بعد قليل سيحضر أهلك و الأقارب من بيت خالك ليجتمعوا عندي.
ابتسمتُ لطريقتها الطفولية : حاضر يا جدتي
دخلت مطبخ جدتي ’ جهزت الصينية المزخرفة بالفناجيل و أنواع الحلويات’ المرتبة بأناقة بنت العشرين’ فبعد قليل سيجتمع كل الأقارب للترحيب بنا ! !’سنلتقي بعد غياب !كم هو جميل شمل الأحبة !
دخلت أمي برفقة الجميع و هي تشتم رائحة القهوة في مجلس العائلة ’ بابتسامة طلبتْ منها الجدة أن تصب السقاية للأحبة لتكتمل السهرة .
’أخذت سهرتنا منأى آخر من الجمال مع موسيقى المطر في الخارج ’و بدايات الشتاء الجميلة ’ليقطعها صوت أخي الصغير أسامة : ( جدتي احكي لنا من حكاياتك الجميلة و الممتعة).
تكلم الجميع بصوت واحد : أكييد فكرتك في محلها أيها الأسامة ....يلا نانا احكي لنا
قالت بابتسامة وديعة : سأحدثكم عن حياتنا قديما ...وش رأيكم؟؟!
الجميع : جمييل ! !
قاطعْتهم و أنا أرمقُ أمي باهتمام و مشَاكسة لأفضح سكوتها : نانا ! , أحكي لنا عن عرس أمي !
وكزتني أمي و الخجل يرتسم على محياها
ضحكت جدتي وتابعت محدقةً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق