في حقيبة جلدية حملت زمن رحلته الطويل بمرحها وألامها ، منذ نحو خمسة عقود كان يجوب بها أغلب أماكن المدينة بمجرد أن يدس في جوفها عدة الحلاقة ، بحيث لايترك مكانا إلا ويمرق به بحثا عمن يحتاجه في حلق رأسه أوتخفيف أو إزالة لحيته مقابل إجور زهيدة ، وينهال زحامهم عليه رغبة في تلبية طلباتهم ، تلك الأعوام إختفت تماما حتى لم يعد لها اي بريق في ذاكرته ، وفي صباح يوم فوجؤا بالرجل العجوز يصحو من سباته وسط ذهول وإستغراب أنظار أسرته ويهيأ عدته ويدسها في جوف حقيبته ، " إلى أين انت ذاهب يارجل ؟ " لم يأبه لأصواتهم ، وهم في السير في مشواره مثقلا بحقيبته بالرغم من بطء حركة قدميه ، وجاب الأماكن ذاتها التي إعتاد يخترق شوارعها ، لم يجد أحدا ممن كانوا يلتفون حوله ، فكل شيء إكتسب شكلا مغايرا تماما لما كان عليه ، المباني القديمة قد هدت تماما وأنشئت مكانها أبنية جديدة ، فضلا عن الوجوه المعتادة ، فقد تلاشت وحل بديلا عنها وجوه أناس أخرين ، لم ييأس إنعطف في خطاه بأتجاه الصالونات الحديثة . عسى ان يجد من يصغي اليه ويستجيب اليه في مكان شاغر يطفيء جذوة ولعه في حلاقة الزبائن ، كانوا لايكلفون أنفسهم اكثرمن إشارة يبادربها أحدهم بأحدى كفيه رفضا لطلبه ، وفي الأيام اللاحقة إستأجرسيارة إنطلقت به من مستشفى لأخر بحثا عن عمل ، الأخفاق ذاته ظل يلوح له اينما حل
وفي أخر مشوارله جرب حظه في الجلوس في مكان بارز من رصيف الشارع الرئيسي لحيهم وعرض عدة الحلاقة قبالته أملا في ان يرى من يكلفه بهذا الامر دون جدوى ، وإنتظر بعض الوقت غط خلاله في نوم عميق ، وظل هكذا حتى فز مذعورا من رياح هبت تعصف بقوة ، إكتشف بعدها ان أدواته تلاشت تماما ولم يرلها اي أثر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق