أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

صورة الحلويات ........................... بقلم : الأيسري الصديق / المغرب




كان الكل على أهبة الاستعدادات لإستقبال وفد عالي الشأن، حيث حرص الجميع على تزيين مسار مرور الضيوف و البعثة المرافقة، و كل الجنبات منمقة بزخارف بديعة منقوشة بدقة متميزة و بألوان زاهية، و في الأفق ترفرف أعلام مزركشة بفسيفساء متباينة الأشكال ، و مصابيح مضيئة بألوان مختلفة.

حفل كبير أقيم في حديقة المعلمة الأثرية المشهورة في المدينة تعود إلى العهد الموريسكي تمثل رمزا للبطولة و الشموخ حيث شيدت خصيصا للإحتفال بكل الإنتصارات و تمتاز بقبتها على شكل تاج مرصعة بالأحجار الكريمة تزيدها جمالا و روعة ، و سقف من خشب العرعار منقوش ببراعة.

في بهو الحديقة نلاحظ مائدة طويلة مغطاة بنسيج ناصع البياض حيث وضعت صحون كثيرة من الفيروز مفعمة بكل اشكال الحلويات من ألذها و أروعها و مشروبات طبيعية.

في هذه المراسيم المنظمة حضر الوفد و الضيوف إلى الحفل وكل واحد أخذ مكانه بكل رونق و أناقة.

فجأة دخل "يوغرتن " وهو كبير القوم شديد البيوضة ذو وجنتين ورديتين ، شعر يميل للبياض وهو في عقده السادس، مرتديا لباسا أنيقا حاملا عكازا من العرعار الزاهي.

استقبل الضيوف بكلمات الترحيب :" سيداتي ساداتي إنه لمن بوادر السرور و الفرح أن تحضروا معنا هذا الحفل السنوي الذي نقيمه في مثل هذا اليوم منذ أزيد من أربعة قرون، نحتفل بذكرى إنتصار أجدادنا على القوى الظلامية ،حيث أزيحت بشكل نهائي كل أنواع العبودية، يوم شامخ في تاريخنا حيث أنهينا عهد الإستبداد و الديكتاتورية، بفضل القضاء على العدو الغاشم تم دفن فترة مظلمة عانى فيها الإنسان جميع أصناف العذاب و الإهانة و الذل، فما اجتماعنا الآن سوى الاحتفال بهذا للمحافظة على الحقوق و الواجبات في سبيل الرقي بالبلد"

بعد نهاية كلامه الرزين و القيم أعطى الكلمة لضيفه العزيز "آزار" ممثل إحدى الدول الصديقة فأخذ الكلمة وقال : "إنه لشرف عظيم أن نحضر بإستمرار لهذه المناسبة الماجدة التي نجدد فيها أواصر العلاقة المثينة بيننا، يعد بلدكم ذو تاريخ عريق و حضارة و تراث رائع، و نحن هنا لتجديد المعاهدة للحفاظ على قيم الإنسانية من تسامح و الحقوق الفردية و الجماعية، وتطوير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية و العسكرية في صالح مواطني البلدين"

نلاحظ بعيدا عن القبة رجل بلباس الأمن يهمس في أذن سيده حيث أفشى له سر استخباراتي خطير، حيث بدت علامات التوثر على وجههما و سقوط الهاتف من يده مرتبكا.

أعطيت الأوامر العليا لإخلاء المائدة من جميع الحلويات و المشروبات، وفي رمشة عين أحضرت أكياس من أحجام مختلفة، فبدأت عملية تنظيف المائدة الطويلة من طرف عمال النظافة لابسين في أيديهم القفازات، وضعت الأكياس في الدهليز المؤدي للباب الخارجي للحديقة.

أخذ رئيس الأمن الكلمة : " سيداتي ساداتي إنه يوم رائع لحضوركم الكريم و الدائم، و ان البلد يشهد تقدما في جميع المستويات رغم ما يحبك من الجهات الخلفية للنيل من استقرار الوطن و النيل من هبته و استراتجيته التقدمية، وبفضل التعاون الجماعي بين كل الغيورين على الوطن فقد تم التعرف على جميع الخونة و سيتم معاقبتهم على أفعالهم عما قريب، ضيوفنا الكرام الوفد الحاضر نعتذر لكم نيابة عن أعلى سلطة في البلد أن هذه السنة قد تغير البروتوكول فسوف نسبق العرض الموسيقي قبل جلسة الأكل والشرب لظروف خاصة ستعرفون الأسباب عبر السفراء و النواب خلال أوقات العرض لسرية الخبر و شكرا على تفهمكم"

ابتدأ الحفل الموسيقي بالشهب الإصطناعية و طلاقات المدفع إعلانا ببداية الحفل، بعد ذلك رددت الفرقة السيمفونية الأناشيد الوطنية للوفود الحاضرة، وبعد ذلك أغاني وطنية تتغنى بالأمجاد والحرية و الإستقلال و نهاية عهد العبودية و الظلامية و الإستبداد.

بينما العروض مستمرة بدأت لجن الأمن عبر خليات محكمة السرية لتسريب للنبأ الاستخباراتي بين الوفود دون إثارة الذعر والخوف و البلبلة، الكل توصل بالخبر اليقين بطريقة سرية أن جلسة الأكل والشرب ستقام في فنادق خارجية كل وفد على حدى دون حضور الآخرين وذلك لأسباب أمنية و للحفاظ على أمن وراحة الحضور.

بعد نهاية الحفل الموسيقي تناول الكلمة "يوغرتن " أعلى هيأة في البلد: " سيداتي ساداتي نشكركم كثيرا على حضوركم الراقي و تنظيمكم المحكم و تعاونكم المستمر و ننتظر حضوركم القادم بفارغ الصبر في سبيل تتبيث الدعائم الأساسية للحفاظ على المكتسبات في حقوق الإنسان و الحريات العامة و تدعيم استراتجيات الأمن و الدفاع شكرا لكم جميعا إلى السنة المقبلة "

تحت وابل من التصفيقات و التهليلات بدأت الوفود تغادر المكان عبر بعثات متفرقة تحت أوامر الأمن العام الذي أنجح الحفل بإبعاد أشد كارثة سوء إن وقعت ،ولكن بلطف رباني و الحكمة والحدس التي تتوفر عليه الفرقة الأمنية فقد تمكنت من إزالة أخطار الكارثة بسرعة بدون إثارة الإنتباه، أجل كانت الحلويات مسمومة بمادة قاتلة وسريعة لا ينفع معها علاج لذلك استعملت القفازات و فرقة علمية مرتدية ملابس عمال النظافة لإبعاد الشكوك.

بينما الوفود تغادر تباعا المكان بتنظيم محكم و ترتيبات جيدة و عقلانية عبر سيارات خاصة للإلتحاق بالفنادق قصد إتمام بروتوكول الطعام.

كل هذا يقع بسرية تامة لعدم إفشاء سر تسمم الحلويات، وعدم معرفة أسماء الخونة إلا للجنة الأمنية، وهذا ما حصل ليكونوا الوفد الأخير الذي سيغادر الحفل، وعند مغادرتهم ناولتهم اللجنة الأمنية أكياس الحلويات المسمومة.

قال لهم رئيس الأمن عند خروجهم :" نعتذر لكم هذه السنة لعدم إقامة جلسة الأكل والشرب لظروف خاصة و لكن نعطيكم هذه الحلويات و نتمنى لكم راحة أبدية "

عند خروجهم من الباب الخلفي للحديقة مسرورين فرحين بالحلويات المتنوعة، ألتقطت لهم صور للذكرى مع الحلويات تؤرخ عن مرورهم هنا ذات يوم...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق