أبحث عن موضوع

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

هَمسُ المَرَايا. ............................ بقلم : جميلة بلطي عطوي / تونس




تلك المَرَاياَ المُعلّقة على صدر أبجديّات الزّمن المُتكلّس يُزعجها الغيمُ المُلتفّ حول صفحتها ، تَهزّ كتلتها المتعبة لتنفض الضّباب وتلمّع زجاجها المُغبرّ، تبذل قصارى جهدها لتستعيد البريق الهارب، تتلوّن، تداعب نسائم التّوق فيُزهر على صفحتها عالم ٌمنشود.

تفتح خزائنها ، سلسلة الحكايا ، قصّة البدْء تضخّ في الوريد همس رحلة ماتعة ، تُوشوش في عمق الرّوح نجْوى الرّاحلين والقادمين على حدّ سواء.

ترسمُ بقلمها الرّصاص لوحات متناسقة حينا ، متنافرة أخر والممحاة سيّدة اللّحظة ، تُثبّت، تُقصي ، تمدّ خيوط اللّقاء أو تعصف بالأمنية فترتمي في عُمق النّسيان.

تلك المرايا تطلّ منها سنديانة شامخة ، صامدة في وجه الأيّام ، على أدواحها المتآكلة تقفُ أسرابُ حلم مُعتّق ،على الفروع تهدلُ أصواتُ الزمن البعيد، صدى من جوف اللّهفة يعزف سيمفونيات مؤثّرة تخترق صمت المساء فينتشي، يمدُّ اليد ، يصافحُ سكّان المجرّة ، نجومٌ تفتح أحضانها للزّائر الغريب.

في الممرّات تنبهُر العينُ بلوحات مدهشة رغم إحساس الألفة الطّاغي على أشكالها، رسومٌ نُقشت على سديم شفّاف بين ثناياه تُلوِّح أيد، تبتسمُ وجوه والمرآة تُومضُ في الذهن ، تستجلي خفايا الروح المحلّقة ، تتثبّت ، تفغر فاها ثمّ تتمتمٌ : ملامحي تداعبُ كلّ الوجوه، تمرحُ في العمق فرحة عارمة : لستُ غريبة هنا، تعالَ أيّها الزّمن الهارب نفتكّ حضورا من دنيا الغياب.

بين الشّفتين تصدحُ الكلمات الصّامتة ، أغنية مُخزّنة يُحرّرها البيْن فتنبري على قيثار العَوْدِ إيقاعا مختلف الرّنين، بوْح فؤاد تحرّكه اللّحظة ويهزّ مشاعره وجد فؤاد.

يا لهذا الانفلات العجيب، طيرانٌ والقدم راسخة ، احتفاليّةٌ على مرمى الحنين ، همسٌ من الأعماق والمرآة عصا سحريّة تناغي الواقف تستحثّه : ابتسمْ ولا تُبالِ ، أنا هنا شاطئكَ الواعد ، أزرعُكَ في قلب الذكرى ناقوس حضور، أحضنكَ وأزمانكَ قي يمّ أفراحي، في حضوري تصفو أوقاتك ، تستجيب لأحلامك ، مصالحة لا أحد غيري يُتقن نسج خيوطها. ابتسمْ فالزّمن هنا كما تشتهيه، فُرشاتك والألوان ثم انطلقْ .

تلك المرايا وأنا، صمود الذّات ، نشوة التّجاوز ، عصارة الإحساس في فناجين البهجة والأنا للأنا أنس وبقاء.

تونس.....22 / 10 / 2018



...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق