هذا اللّيل المتثائب على كتف السّهاد يشاكسُ الخواطر الحيرَى ، يلجُ دنياها الصّامتة فيزعج ركونها ، يستحثّها فتستجيب ، تنفض غبار السّكون وتمتطي موجه، معًا يرسمان رحلة غير عاديّة.
في قارب الفضول يرصّفان أشواقا متأجّجة ، يؤمّنان زاد السّفر، يعلّقان القناديل ، شموع ُتغري اللّيل بإماطة لثامه الأسود ، يتقدّمان بحذر وبؤرة الزّمن تستهوي العقل والخاطر لكنّ اللّيل يعيش حالا من التّردّد ، يتساءل كيف يسمح لهذه الجامحة أن تقود خطاه نحو المجهول؟ كيف يتيح لها أن تسرق عزّه فتكسر خطّ السّير؟ كيف؟ ثمّ كيف وهو اللّيل سيّد اللّحظة . أيعقل أن تغويه وتدفعه إلى رحلة ينتصر فيها البياض فيغرق سواده في يمّ النّور.
هزّ عطفه متباهيا ، قال مدندنا : دورتي وحقّي وأنا على عرش الكون أتربّع ، سوادي انتصار وسكون الأحياء في رحابي مكسب
حاول التخلّص منها غير أنّها تمسّكت بتلابيبه ، صفّقتْ بين حناياه فارتخى ، راجع موقفه ليعلن أنّ حصة أنس لا تفسد للودّ قضيّة . جارى الحركة فدلفا مِنْ كوّة عجيبة ، دخلا عالما سرمدا كُسِرتْ فيه الفواصل، لحظات تعانقتْ فيها الأزمنة وانصهرتْ لتتحوّل شريان حياة مغايرة . هنا لبس اللّيل وشاح النّهار و تزيّى النّهار بدثار اللّيل ، خلطة سحريّة أنتجت لوحة فريدة علّقها الزّائران على منصّة الوئام الواعد . خضمّ من المشاعر حرّك ساكنة الكون فزغردت على شاطئه قوافل البهجة ، أشرعة ومجاديف ، قوارب تزدانُ سواريها بالنّجوم والدّورة الزمنيّة ترصّع صدرها بقلادة عجيبة ، حباّتها سنوات متعاقبة ترصّف سيرورة حضارة ثابتة لا تهزّها عاصفة ولا يهدّدها طغيان.
مغامرة تكسر ظهر الشّرّ واللّيل على كتف السّهاد يهذي : يا لَعَتَمَتي الغائرة في بهرج الضّوء هذا الفجر الجسور كَمْ أعشق تضاريسه ، كَمْ تُنعشُ أنفاسه رَمَقي المتهالك ، أحبّكَ أيّها الفجر رغم أنّ زوالي رهين وجودك.
تونس.....17 / 10 / 2018
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق