أبحث عن موضوع

الخميس، 7 يناير 2016

التوازن الدلالي في أنساق الرؤيا نص(شكوى الإله) للشاعر فلاح البهادر.................. بقلم : عباس باني المالكي // العراق




شكوى الإله
...................
لو قدر لي ان أعمل ... إلها
لحررت كتبي
بإسمي المئة
فأُمضي لنمرود فعلتهُ
سلام النارِ
حرابُ الماءِ
أحرق كل رسلي
أُقيلكم عبادتي
ثم اتلو كتبي
لَأَني .. بئس ماسرني ..
مازال هبلُ متاجراَ
وذاك العجلُ بإسمي يُعبدُ معمماَ
مازلت اشتري بيتي مستأجراَ
انسانُ يلوك انسانهُ
مآذنه تكبر مقاتلَ
لا يدخل الجنةُ
جائعُ تلاشى رسمهُ
حتى يُطْعَمَ الماعون
متخمُ لمتخمِ ؟!..
يا عبادي الذين تعَبَدوني بما لا أُعبدُ
قد أغْلَقْتُ جهنمَ
لكم الجنةَ رياسةَ
سأعيد النظرَ بسجدةِ ادمِ
سأترك
الكونَ للكونِ
سأرحلُ بناقتي
لا صالحَ لكم
للشيطانِ
حديثُ جبلِ عقيمِ
عقرَ ميقاتهُ ..
متعبُ انا ..مني
كلي ضائع ببعضي
ان اكونَ ربي
فالامر .. رهقُ
ان اكون عبدي
الظن .. قَلَقْ ..
سألملمُ خطيئتي الاخيرةِ
فأجُلدُ توبتي
لأعودَ إليَ
مغادرا عني
احملُ قبري
كافرُ رباني

أن الشاعر الذي يبني نصه الشعري وفق البؤرة المركزية التي تحددها تضخيم دالة الذات الى حد أرتداء قناع المدلول بأتجاه التأويل المتحرك ، ضمن الإطار الفكري الذي يعيشه ، يكون ذا طابع تأملي في تكوين النسيج الشعري الخاص به . وكذلك نجد الأستعارة الوجودية التي تعطي كل المسميات التي تخضع لذائقته الذهنية الوجدانية رموزا تحدد حجم الترادف التأملي في وجدانية الحس لديه ،و يتحول هذا النص الى نص حواري مع متخيله الترابطي الوجداني ، الذي يصبح مركز التحسس لديه أتجاه الحركة الخارجية التي تحرك الطاقة الأنفعالية داخل ذاته ، أي تضاء الحدوسات الوجدانية وحسب انعكاس هاجس الحياة وقلقها الوجودي ضمن الوعي الذي يخترق سطح المسميات بروح التأمل الفكري ، و يحدث التنافر الداخلي مع كل المظاهر الذي تحيط به ، وهنا نجد الشاعر فلاح البهادر بنصه (شكوى الإله ) أستطاع أن يجنب ذاته الأنزلاقات المبهمة و الغامضة للفكرة ، التي يريد أن يوصلها من خلال فكره الأستعاري ، لكي لا يتهم بالتشظي غير المبرر أتجاه أحساساته الإنسانية في وجودية أنتمائه ، أي أنه حافظ على موضوعية فكرته دون أن يحدث التشوش في الفكرة النصية عنده ويزيدها ضبابية ، و أستطاع أن يحصر ثنائية التضاد ، لكي يؤدي الى التصاعد الهرمي في هرمونية الجملة الشعرية وفق رؤياه التي تعمق التوظيف الشعري للنص ....

لو قدر لي ان أعمل ... إلها
لحررت كتبي
بإسمي المئة
فأُمضي لنمرود فعلتهُ
سلام النارِ
حرابُ الماءِ
أحرق كل رسلي
أُقيلكم عبادتي
ثم اتلو كتبي
لَأَني .. بئس ماسرني
حين يصل القلق الوجودي أتجاه كل نواميس الحياة والمتغيرات التي تحدث فيها ، بعيدا عن ما يريد الإنسان أن يراه في الحياة من سلام دائم وخلاق كبيرة وحياة يملؤها الأمن والأمان ، يتمنى الى تغير كل شيء واعادة بناء عالم جديد ، وكما قال أناتول فرانس ( يجب أعادة بناء مجمل هذا العالم ، أو لابد من خلق أخلاقية جديدة وجمالية جديدة وأيمان جديد وبشرية جديدة ) ، والشاعر هنا يحدد كل هذا من خلال تمنيه بتغير كل شيء ( لو قدر لي أن أعمل ) مع أن هذه الرغبة بالتغير يريدها أن تحدث من خلال الصورة الأستعارية الأستبدالية التي يستعيض بها عن فكرة التغير الذي يجب أن يحدث في الكون ،أي أنه يبني فكره التخيلي على الأتيان بالتصور المتغير ، فهو يريد أن يغير كل شيء في الحياة وأعادة بنائه من جديد ، وحتى الرسل والأنبياء يراهم وفق تحريك هاجسه الذاتي ، وأن يرى هذا التجديد وأعادة البناء من بداية الخلق ، لأنه يرى كل شي لم يتغير أو تغير بأتجاه الخطأ رغم نزول الرسالات والأنبياء ، وهذا ما يجعل هذا التمنى يرتكز على الأثر المجازي والتوغل الخيالي ليحقق ما يريد أن يحققه وبأرتداء قناع التغير ، الذي يحكم أحداث التغير المنشود ، لأن لا يمكن أن يبني التصور من خلال التصور الذهني وفق أحساسته الداخليه ، لهذا هو يحاول يبني تخيله على الفكرة التأملية الباطنية التي تحدد ظواهر كل نوامس الحياة من حد الأعلى الى الأدنى التي لا تلبي طموحاته في الحياة ما يريد أن يراه ، يحاول أن يبدأ من الهرم الذي يحدد كل هذه القيم ،ويحدد مصائرنا في الحياة (الإله) ما هوإلا حدود القيم المصرية التي تحكم الإنسان في كل مراحل حياته ، فهو بنى هرمية الفكرة عنده بعمودية النص ، لكي يبدأ من الأعلى يوضح رغبته بتغير وجه هذا العالم ومجهولية المصير فيه ، مع أنه جعل من دلالة النص دلالة التمني (لو قدر لي ان أعمل ... إلها /لحررت كتبي /بإسمي المئة /فأُمضي لنمرود فعلتهُ/سلام النارِ/حرابُ الماءِ /أحرق كل رسلي / أُقيلكم عبادتي /ثم اتلو كتبي /لَأَني .. بئس ماسرني ), والشاعر أستخدم اللغة الرؤيوية الصوفية لكي تحدث المقاربة الكبيرة بين ما يراه وما يتمناه في الحياة ، وكأنه يقول رغم كل الرسل والأنبياء لم يحدث التغير الحقيقي في الحياة البشرية بل بقى كل شيء على حالة إذا لم يزداد سوءا .
مازال هبلُ متاجراَ
وذاك العجلُ بإسمي يُعبدُ معمماَ
مازلت اشتري بيتي مستأجراَ
انسانُ يلوك انسانهُ
مآذنه تكبر مقاتلَ
لا يدخل الجنةُ
جائعُ تلاشى رسمهُ
حتى يُطْعَمَ الماعون
متخمُ لمتخمِ ؟!..
يا عبادي الذين تعَبَدوني بما لا أُعبدُ
ويستمر الشاعر بتحديد الأسباب التي جعلته يتمنى بأعادة بناء الحياة وحسب ما ثبته من رؤياه الفكرية و تصوره الصوفي الحدثي ومن خلال الفعل العقلي الواعي ، الذي يبين أن كل ما حدث من تغير هو مجرد تغير سطحي لم يمس جوهر الحياة التي يجب أن يحدث فيها التغير من أجل الإنسان ، قد أخذ من الرموز التاريخية رموز استبدالية في الحياة ، والممتدة من ذلك الزمن الى الزمن الحالي فالرموز (هبل ، والعجل ) ما هي إلا رموز تاريخية كانت مقدسة في زمن الجاهلية ، وحاول الأنبياء أن يغيروها ويأتون برموز تمثل الإنسان وأهدافه النبيلة في الحياة ، رغم التغير الظاهري الذي حدث بتغيرها فهي مازالت تتحكم و تعبد، وأن الرسل والأنبياء قد جاءوا من أجل القضاء على هذه الرموز لكنها باقية وقد تكون بأشكال ونماذج أخرى لها (مازال هبلُ متاجراَ /وذاك العجلُ بإسمي يُعبدُ معمماَ /مازلت اشتري بيتي مستأجرا /انسانُ يلوك انسانه /مآذنه تكبر مقاتلَ ) فهو ينظر الى الكون من الأعلي لكي يوسع المساحة التي يراها في قدرية الكون الإنساني ، و قد أصبح كل شيء عكس ما جاء به الأنبياء والرسل ، حيث أصبحت رسالاتهم غير ما جاءوا به من أجل الإنسان بل أصبحت هي المبرر لأضطهاده ،و الأنسان مازال يلوك انسانه وأصبحت المآذن هي من تدعو للقتل أي عكس رسالتها من أجل خير الإنسان ، (لا يدخل الجنةُ/جائعُ تلاشى رسمهُ/حتى يُطْعَمَ الماعون /متخمُ لمتخمِ ؟ /يا عبادي الذين تعَبَدوني بما لا أُعبدُ ) ويستمر بتشريح الحالة المغايرة لمبادئ الرسالات السماوية ، فمازال الجشع ومازال الكثير ينام متخما والكثير هم الجياع ، أي لم تحقق العدالة التي أرادتها السماء من خلال أنبيائها ، وحتى العبادات أصبحت للاشخاص وليس للمثل والقيم الحقيقية التي تنادي بها السماء ، أي أصبحت العبادات هي عبودية أتجاه الأشخاص ، وهي الأزمة الحقيقة التي حرك بها الشاعر دالته من أجل الوصول الى المدلول الأوسع في الحياة ، أي جعل الدالة هي المرتكز الذي يجذب المدلول الحقيقي في الحياة لبين عمق الهوة التي يعيشها الإنسان في أزمته في الوجود البشري والكوني ...
قد أغْلَقْتُ جهنمَ
لكم الجنةَ رياسةَ
سأعيد النظرَ بسجدةِ ادمِ
سأترك
الكونَ للكونِ
سأرحلُ بناقتي
لا صالحَ لكم
للشيطانِ
حديثُ جبلِ عقيمِ
عقرَ ميقاتهُ ..
متعبُ انا ..مني
كلي ضائع ببعضي
ان اكونَ ربي
فالامر .. رهقُ
ان اكون عبدي
الظن .. قَلَقْ ..
سألملمُ خطيئتي الاخيرةِ
فأجُلدُ توبتي
لأعودَ إليَ
مغادرا عني
احملُ قبري
كافرُ رباني
ويستمر الشاعر في تبيان الموازين التي حدث فيها الأنقلاب عكس أرداة السماء ، ويحاول أن يأخذ من الرموز الدينية ومنطقيتها في الكون ، لكي يبين حجم الضرر الذي لحق بالإنسان من خلال عدم الأستفادة من هذه الرموز وأهدافها الحقيقية (الجحيم ، الجنة ، والنبي صالح ، الشيطان ) وهو يحاول أن يكشف ما خلف القناع لكي يحدد الأشياء ورموزها التي أضرت بالإنسان ، أي أنه يحاول أن يمر من خلف القناع ليعيد التوازن الدلالي ضمن نسق رؤياه حول الحياة والكون ، محاولا أن يعطي الأبعاد الكونية في تسلسل الحدث البنيوي التي حاولات الرسالات السماوية أن يحدث التصحيح في كل هذه المسميات وفق حاجة الإنسان الى الأيمان بها والتصالح معها ، لهذا يحاول أن يعيد النظر بكل شيء من سجدة آدم ، من خلال التعضيد المعنوي أتجاه هذه الأشياء ورمزها الظاهرة في تاريخ البشرية ، فناقة صالح قد عقرت والشيطان أخذ الكثير من حياة البشرية ، لهذا يريد أن يخرج من هذا القناع(الإلة ) لأنه وصل الى حالة العجز أن يرى التغير بفعله الحقيقي، وهنا يريد أن يثبت أن التغير لم يحدث وحتى (الإله ) لم يستطع أن يغير في الإنسان في الزمن الكوني الدينوي ، لهذا تبقى الجنة والنار هي الأختيار الأخير الى الإنسان ، وقد تاهة فكرته ، فهو ضائع ببعضه لأن الهم الوجودي أصبح فوق طاقته أن يرى التغير قد حدث فعلا ، لهذا أعاد الى نفسه البشرية وعاد الى ربه ، وقد أستطاع أن يخلق مساحة واسعة من الفكرة الأستبدالية في رؤياه الكونه ، وقد أعترف بعبوديته الى الله كأرتبط معنوي حياتي و أيماني حقيقي ، لهذا سيلملم خطيئته التي تصورها ، من خلال تصوره الأدراكي الأستعاري الى الدالة المقاربة لمدلولها (قد أغْلَقْتُ جهنم/لكم الجنةَ رياسةَ/سأعيد النظرَ بسجدةِ ادمِ/سأترك /الكونَ للكونِ/سأرحلُ بناقتي /لا صالحَ لكم /للشيطانِ /حديثُ جبل /عقرَ ميقاتهُ/متعبُ انا ..مني /كلي ضائع ببعضي /ان اكونَ ربي /فالامر .. رهقُ /ان اكون عبدي /الظن .. قَلَقْ/ سألملمُ خطيئتي الاخيرةِ ) وقد أستطاع في النهاية أن يمزق القناع من خلال الوعي الوجودي ببشرية الإنسان ، لكي لبين أنتمائه البشري ، ويعلن توبته لكي يحدد أن البشرية رغم ما أرسل الله من الرسل والأنبياء من أجل أن يغير في الأنماط الأخلاقية لديهم لم يستطع لأنه جعل الإنسان حرة في أختياره العقلي ، لهذا جعل النار والجنة هي الفارق في أختيارتهم الأخيرة (فأجُلدُ توبتي /لأعودَ إليَ /مغادرا عني /احملُ قبري /كافرُ رباني ) و الشاعر أستطاع أن يبني نص شعري متماسك يتطور وفق الدلالة التي تعطي البعد الوجودي في حياة البشرية ، لهذا كانت البؤرة للنص تتصاعد في المقاربات الوجودانية ضمن الفكرة الرؤيوية الأدراكية وضمن أنساقها الكونية والحياتية ، وما أرتداء القناع الأستبدالي لكي يجعل الجمل اشعرية مترابطة ومتجاورة في أنساق المعنى ، لكي يعطي في النهاية نسق واحد  متشابك بالنسيج الشعري ، كما أم
نه أستخدم فضاء لغوي متحرك بأتجاه ما أراد أن يوصله الى المتلقي ومن خلال الحركة التصويرية ضمن علاقتها الكونية في حركة الحياة البشرية .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق