انتظرحتى منتصف الليل، وعمَّ الهدوء ؛تسوَّر الحائط َالطيني ،وتسلل منزوياً قرب بابِ الحجرةِ الوحيدة نصفِ المفتوح.جال بنظره،ضوء المصباح النفطي الصغير أظهرهما نائمين على سرير من سعف النخيل.زمَّ شفتيه .حان وقت تسوية الحساب. لقد وجدهما أخيرا منذ اختفائهما قبل أربعة أعوام. بعد أن أقعد العارُ والدَها العجوزفي داره لا يبرحها مثلما كان يقضي سحابةَ نهاره في مقهى قريتهم . هو ترك دكانته بعهدة شقيقه الصغير ، ومضى يتنقل بين المدن البعيدة و النواحي والقرى ، يتقصى أثرهما أشهرا طويلة .هاهوأخيرا يهتدى إلى مكانهما في هذه القرية النائية، وبهذا الدار الطيني الصغير،بعدأن شاهد اليوم بالصدفة (دهش)يحمل دجاجتين ليبيعهما في سوق القرية. ظل يتبعه من بعيد حتى عودته إلى مكان سكنه؛لينتقم منهما معا. هاهما الآن تحت نظره غارقان بنومهما. لم يرغب بإيقاظهما قبل الإقتصاص منهما معا، بل صوَّب مسدسه إلى رأسيهما .فجأة علا صوت أحد الصغيرين الراقدين فوق بساط على الأرض.نزلتْ إليه بتثاقل. هدهدته،بكاؤه لم ينقطع،حتى القمته ثّديها .همّت بالعودة إلى سريرها.تململ الطفل الثاني ، سوت فوقه غطاءه،وانطرحتْ على فراشها.بدت له هزيلة ، متعبة .عض ّعلى شفته بقوة. كانت أعز شقيقاته. لكن حقده عليها الآن لا حد له،بما سببته لهم من عار،بهروبها مع من رفضوه زوجا لها.اعتمل حقده وغضبه أكثر وهو يراها الآن جنب (دهش) جارهم الجنب الذي أختارت معه هذه المعيشة البئيسة ... دوَّتْ من مسدسه طلقتان باتجاه رأسيهما . منظر قتلهما في فراشهما أزاح عن صدره جبلا من الهم... لكن صراخ الطفلين في هدأة الليل البهيم وخز ضميره بقوة.ترى من لهما بعد موت أبويهما في هذه الغربة؟من سيتكفل بمعيشتهما؟من.؟..من؟...شعر بألم يعتصر قلبه حين تذكر أنه خالهما شاءأم أبى،في لحظة الألم هذه تذكر تفانيها في خدمته أيام عزوبته ، وكيف كانت تستقبله بدوع الفرح حين يعود بإجازته أيام خدمته العسكرية ، وكيف كانت تصنع له ( الكليجة ) ليأخذها معه عند عودته لوحدته . وحتى بعد زواجه ، كم خدمت أطفاله الصغار.لهذا كان يعزّها،ويحترمها كثيرا... مرّ أمام عينيه منظر توسلات عينيها، حين رفضوا كلَّ من تقدم لها وآخرهم (دهش) ابن جارهم البستاني الفقير.ألم تفصح له عن رغبتها به عبر زوجته؟. لكنه أصرّ، ووالده على الرفض. تسآءل مع نفسه:ترى من كان ينتظراه ليتقدم لها أفضل ممن تقدّم ؟. لاأحد بكل تأكيد .كانا هما السبب في كل ما جرى...ضرب رأسه بقوة بحافة الحائط الطيني... انتبه !! ...آه ... هي لحظة أغفاءة ، ما زال مسدسه بيده باردا. داهمه شعور غريب، وبشيء يسري كالماء البارد في جميع مفاصله. في هذه اللحظة بدا له غضبه ،وغيظه قد هبطت درجة غليانهما كثيرا . كأنه يبحث عن ذريعة أخرى لتراجعه ،تساءل ،ماذا لو تركها الآن لتعيش حياتها كما رغبتْ بعيدة في غربتها هذه،سيما بعد أن تنوسي أمرُها عند الناس ، ولم يعد يذكرها أحد،حتى من أقربائه؟...سيريح ضميره على الأقل... من دون تردد،وبهدوء سحب نظره من المكان، استدار بسرعة، وتسوَّر الحائط خارجا ،ودموعٌ باردةٌ تملأ عينيه.
أبحث عن موضوع
الاثنين، 9 يناير 2017
دموعٌ باردةٌ ( قصة قصيرة ).................... بقلم : مجيد الزبيدي // العراق
انتظرحتى منتصف الليل، وعمَّ الهدوء ؛تسوَّر الحائط َالطيني ،وتسلل منزوياً قرب بابِ الحجرةِ الوحيدة نصفِ المفتوح.جال بنظره،ضوء المصباح النفطي الصغير أظهرهما نائمين على سرير من سعف النخيل.زمَّ شفتيه .حان وقت تسوية الحساب. لقد وجدهما أخيرا منذ اختفائهما قبل أربعة أعوام. بعد أن أقعد العارُ والدَها العجوزفي داره لا يبرحها مثلما كان يقضي سحابةَ نهاره في مقهى قريتهم . هو ترك دكانته بعهدة شقيقه الصغير ، ومضى يتنقل بين المدن البعيدة و النواحي والقرى ، يتقصى أثرهما أشهرا طويلة .هاهوأخيرا يهتدى إلى مكانهما في هذه القرية النائية، وبهذا الدار الطيني الصغير،بعدأن شاهد اليوم بالصدفة (دهش)يحمل دجاجتين ليبيعهما في سوق القرية. ظل يتبعه من بعيد حتى عودته إلى مكان سكنه؛لينتقم منهما معا. هاهما الآن تحت نظره غارقان بنومهما. لم يرغب بإيقاظهما قبل الإقتصاص منهما معا، بل صوَّب مسدسه إلى رأسيهما .فجأة علا صوت أحد الصغيرين الراقدين فوق بساط على الأرض.نزلتْ إليه بتثاقل. هدهدته،بكاؤه لم ينقطع،حتى القمته ثّديها .همّت بالعودة إلى سريرها.تململ الطفل الثاني ، سوت فوقه غطاءه،وانطرحتْ على فراشها.بدت له هزيلة ، متعبة .عض ّعلى شفته بقوة. كانت أعز شقيقاته. لكن حقده عليها الآن لا حد له،بما سببته لهم من عار،بهروبها مع من رفضوه زوجا لها.اعتمل حقده وغضبه أكثر وهو يراها الآن جنب (دهش) جارهم الجنب الذي أختارت معه هذه المعيشة البئيسة ... دوَّتْ من مسدسه طلقتان باتجاه رأسيهما . منظر قتلهما في فراشهما أزاح عن صدره جبلا من الهم... لكن صراخ الطفلين في هدأة الليل البهيم وخز ضميره بقوة.ترى من لهما بعد موت أبويهما في هذه الغربة؟من سيتكفل بمعيشتهما؟من.؟..من؟...شعر بألم يعتصر قلبه حين تذكر أنه خالهما شاءأم أبى،في لحظة الألم هذه تذكر تفانيها في خدمته أيام عزوبته ، وكيف كانت تستقبله بدوع الفرح حين يعود بإجازته أيام خدمته العسكرية ، وكيف كانت تصنع له ( الكليجة ) ليأخذها معه عند عودته لوحدته . وحتى بعد زواجه ، كم خدمت أطفاله الصغار.لهذا كان يعزّها،ويحترمها كثيرا... مرّ أمام عينيه منظر توسلات عينيها، حين رفضوا كلَّ من تقدم لها وآخرهم (دهش) ابن جارهم البستاني الفقير.ألم تفصح له عن رغبتها به عبر زوجته؟. لكنه أصرّ، ووالده على الرفض. تسآءل مع نفسه:ترى من كان ينتظراه ليتقدم لها أفضل ممن تقدّم ؟. لاأحد بكل تأكيد .كانا هما السبب في كل ما جرى...ضرب رأسه بقوة بحافة الحائط الطيني... انتبه !! ...آه ... هي لحظة أغفاءة ، ما زال مسدسه بيده باردا. داهمه شعور غريب، وبشيء يسري كالماء البارد في جميع مفاصله. في هذه اللحظة بدا له غضبه ،وغيظه قد هبطت درجة غليانهما كثيرا . كأنه يبحث عن ذريعة أخرى لتراجعه ،تساءل ،ماذا لو تركها الآن لتعيش حياتها كما رغبتْ بعيدة في غربتها هذه،سيما بعد أن تنوسي أمرُها عند الناس ، ولم يعد يذكرها أحد،حتى من أقربائه؟...سيريح ضميره على الأقل... من دون تردد،وبهدوء سحب نظره من المكان، استدار بسرعة، وتسوَّر الحائط خارجا ،ودموعٌ باردةٌ تملأ عينيه.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق