أبحث عن موضوع

الجمعة، 19 فبراير 2016

رواء....................... بقلم : جميلة عطوي // تونس




شجرة ياسمين هي أو هكذا تعودت أن تُسمَى...
كانت كلَ صباح تسمع إسمها يتردَد على لسان العجوز وهي تنادي ابنتها الشَابَة ...رواء هل سقيت شجرة الياسمين؟؟ وتقبل نحوها الفتاة بخُطى متمايسة تحمل الإناء...تمدَ يدا غضَة تنتقي الزَُهيرات البيضاء وهي تتسابق إلى مرمى يدها علَها تنال شرف الأنفاس الزَكية...تطأطئ البنت فتسقي الأرض سلسبيلا زلالا يفعم الرَوح نشوة فتتمطَى لها الأغصان وتتطاول في عين الشَمس.
تعوَدت على هذا الإكسير الصَباحي يملأ رئتيها ويفيض على المكان من حولها وهي تتوسَد كتف النَافذة...
تطلَ على العجوز...تنفحها زخات تنتشي لها الصَحَة...تسقط عنها أحمال السَنين وينبري الشَباب بين حناياها مُهرا جميلا...صهيله يتحدَى العجز ويكسر حدود الزَمان.
ذاك بيتها ...وتلك أرضها ...
تسقيها الحنان في أبهى الحلل...تتوَجها عروس الدار بل عروس الدنيا بأسرها لكنَها اليوم تتوسَد رُكام النَافذة...تحاول أن تشرئبَ برأسها الثَقيلة فتعجز...دوار يغشَيها حدَ الإغماء وهذا الصَمت من حولها يخنق الأنفاس...لا شيء غير طنين دبَور تائه...لقد جفَ منها الحلق وارتخت المفاصل معلنة بداية النَهاية ...
لولا صبا خفيفة تربَت على الأغصان العليلة فتهتزَ ...تهمس في شوق ...رواء ...رواء....ويتردَد الصَدى ...
ولا ارتواء...
شجرة الياسمين كادت تُسجَى في أرض ضاع منها صدق العواطف والإنسانية فيها تُباع في أسواق النَخاسة بكل َ اشتهاء...
..شجرة الياسمين كادت تعلن البوار لولا غيمة شاردة دفعتها الرَياح ...توقَفت لاهثة فوق المكان ...
هزَها مشهد الدَمار يئد أغصان الياسمين المكدَسة....رقَ منها القلب ودمعت العين...سيل مدرار روَى العروق المتيبَسة...هناك تسلَلت من بين الحجارة المتناثرة فروع خضراء يانعة...تعاند الجدران المهدومة وتردد ...رواء ...رواء ...كل أجل بقضاء.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق