أبحث عن موضوع

السبت، 27 فبراير 2016

(قدرية الحياة ومجهولية المصير ) مجموعة (هالات الأنجم العارشات) الشاعرة وفاء السعد ............ بقلم الناقد : عباس باني المالكي // العراق



أن بنيان النص الشعري على الإيقاع الهادئ والمتمسك بالانفعال التأملي يخلق صورة شعرية ذات أبعاد لغوية ضمن مخيلة الشاعر ، و يجعل هذه اللغة خارج منطقها الجاف والراكد ، و طبعا هذا يؤدي الى تركيب النصوص وفق أنساق الذات المفعمة بالحياة ، بكل اشتراطاتها الإنسانية الحية ونجد الشاعرة وفاء السعد في مجموعتها (
هالات الأنجم العارشات ) تأتي بكل ما هو يعطي الأبعاد في التأمل المنطقي بلغة النابضة بكل ما هو محسوس ومرئي، ضمن طاقتها الانفعالية التأملية لكي تبعد عن سكونية المفردات التي لا تعطي للنص إلا الجمود والتبعثر خارج حضورية الرمز الدلالي، الذي يقارب فهمها لكل نوامس الحياة ، والتي تشكل منها الشاعرة حركتها السسيولوجية في الفكرة التي تتبعها في أيصال صوتها الداخلي وضمن جملتها الشعرية ، لهذا نجد في نصوصها المقاربات الإيحائية في أستعارة الرمز الموحي بكل أنتباهاتها التأملية وفق انعكاسها على ذاتها من الداخل ، حيث تخلق فضاء دلالي واسع من التأويل المعنوي ضمن ثيماتها ، لكي تقارب الدالة الى مدلولها من أجل أن تحقق الابتعاد عن الغموض والأبهام في رموزها الشعرية ، وكذلك تحقق التكثيف والإيجاز في نصها الشعري ، فتصبح نصوصها طاقة تأملية تعطي الكثير من الدلالات الإنسانية وفق أنساقها التأويلية وبمختلف مراحل حياتها .
نص ( ضياع السنين) ص 7
(تمهل قاطر الدمع سيلاً/ على مشهد الصور /بذائب الحدقات شمعاً يوقد الحلم /حين انكفأت الغفوة /بحضن الذكريات /تسفّ الضفائر ... تدللاً /بعقد شرائطي ... /الموزرات بالفرار من حجر امي /الموشوم بالغنج /تتمرجح قهقهات الريح نشوى /باجنحة ثوبي المتطاير /مفترشاً جنح الفراشات ربيعاً/ يغازل عشق الجنابذ /اعاند الملل جري الروح /اسابق اليمام )
ونجد هنا في هذا المقطع بعد تأملي حيث تبدأ ( تمهل) لكي تجد تلك اللحظة التأملية لأخضاع ناموس الأشياء التي حولها، لأنها فقدت كل ما كانت تعيشه وتحلم به بمرور الحياة عليها وحتى أحلامها ، لم تعد كما كانت وقد تحول كل شيء الى ذكريات ، فهي تبكي تلك الأيام، لهذا تدعو كل هذا الدمع والحزن أن يتمهل (تمهل قاطر الدمع سيلاً/ على مشهد الصور /بذائب الحدقات شمعاً يوقد الحلم /حين انكفأت الغفوة /بحضن الذكريات /تسفّ الضفائر ... تدللاً /بعقد شرائطي ...) فالدلال والغنج والحنان الموصف بحجر أمها قد فقدته ، ولم تعد تجد من تلوذ به وتعيش تلك الحياة التي عاشتها ،فكل شيء فر منها ( الموزرات بالفرار من حجر امي /الموشوم بالغنج /تتمرجح قهقهات الريح نشوى ) حتى الضحكة والقهقه ذهبت ولم تأت مع الأيام، ولم تعد تجدها في أيامها الآن فهي قد فقدتها ولن تعود، لهذا تدعو (قطار الدمع) والحزن بالتهمل، لأنها لم تعد تتحمل كل هذا الفقد في ذكريات حياتها لأنها قد أبتعدت عنها بسبب الزمن ولا يمكن أن يعود لها (مفترشاً جنح الفراشات ربيعاً/ يغازل عشق الجنابذ /اعاند الملل جري الروح /اسابق اليمام ) فالزمن هو من أخذ كل شيء فلم تعد كما كانت، لأنها لم تعد تفترش جنح الفراشات لتسابق ملل الروح .و أنها فقدت طفولتها لم تعد تمتلك ذلك الغنج بحجر أمها بل أصبحت الآن خارج كل هذا ، لذلك على قطار الدمع أن يتمهل، لأنها لم تعد قادرة على التحمل المزيد من هذا الدمع ، حتى لم تعد تحلم كما كانت فكل شيء تحول الى مجرد ذكريات بعيدة عنها ...
نص روحٌ مُهَجَّرة ص(21)
(بِسطوةِ.. / أَعاصيرٍ مُبهمة .. / وَجدْتَني في اللّامكان ... /تَبتكِرُ الريحُ.. /صُنعَ ملامِحَ الأشباحِ /في عَيني .../شُبِّهْتُ بالقرونِ الأولى ... /مَنْ.. أَغرَقَني ......؟/بِهذا الشَطْرِ مِن الفَوضى .. /وَأَوقدَ كوابيساً تَسِلُّ سيوفَها ... /مَنْ رَمى بِيَ ..... ،في الخريفِ ؟ ،وأَنا طِفلَةَ الروح ِ...... /حَتّى الدُمُوع .. ،نَضُبَتْ في مَشهَدي.. /حينَ شَرِبَتها الرمال.. )
تستمر الشاعرة وفق طاقتها الأنفعالية التأملية، بطرح ما يؤثر فيها من رموز في الحياة ، لكي تعيد ترتيب وتموضع تلك المسميات من خلال رموزها الذاتية لتبين الفوضى في الحياة ، و تحاول أن ترمم وجودية أشلائها لتعيد لها المعنى في أنساقها متقاربة لهذه المسميات، لكي لا تفقد دلالاتها التي تعطي البعد المعنوي الذي يوحي إليها وفق أستعارة تأثيرها على الزمن الداخلي للشاعرة ، وهذا يكسبها الجملة الشعرية المتماسكه (بِسطوةِ.. / أَعاصيرٍ مُبهمة .. / وَجدْتَني في اللّامكان ... /تَبتكِرُ الريحُ.. /صُنعَ ملامِحَ الأشباحِ /في عَيني .../شُبِّهْتُ بالقرونِ الأولى ... /مَنْ.. أَغرَقَني ......؟/بِهذا الشَطْرِ مِن الفَوضى ..) وكل هذه الأشياء متباعدة في زمنكانيتها وفق البعد الأيحائي الذي يشكل التأويل المعنوي في مجهولية الإنسان والقوة المسيطرة عليه خارج أرادته، حيث السطوة وأعاصيرها المبهة ، التي لا يستطيع أن يرد قدريتها في حياتها، وهذا ما يجعل معنها يضيع في الأبعاد الوجودية التي تؤدي بها الى اللامكان ، لأنها تشعر أنها مدفوعة من قوى تسيطر عليها ، حيث الريح تبتكر وتصنع الأشباح في ذاكرتها وكأنها في حالة أستيلاب وفوضى ، وتعيش القرون الأولى ، حيث لا حضارة ولا توجد إلا قوة المبهمة التي تسيطر على قدرية الحياة، وهي من تحدد مصيرها في كل شيء و تجعلها تفقد عنونتها الحياتية، و تجعلها تبحث عن الأسئلة وسط هذه الفوضى، وعنوانها المبهم وسط قدرية لا تعرف معناها، حيث هي تعيش خارج المقايس الزمنية التي تحدد مراحل حياتها (وَأَوقدَ كوابيساً تَسِلُّ سيوفَها ... /مَنْ رَمى بِيَ ..... ،في الخريفِ ؟ ،وأَنا طِفلَةَ الروح ِ...... /حَتّى الدُمُوع .. ،نَضُبَتْ في مَشهَدي.. /حينَ شَرِبَتها الرمال.. ) حياتها تتحول الى كوابيس وأزمة دائمة في الوجود ، و يتحول كل شيء عكس ما تريده وما تعيشه، وما يجعل الطفلولة التي داخلها تعيش الخريف ، فلم تعد تمتلك حتى الدموع لتبكي مصيرها ، لأنها لا تعرف في أي زمن هي الآن ، والشاعرة هنا أستخدمت المعنى القابل للتأويل وفق الأستعارات والمجازات لكي تقرب الدلالة الى التخيل المعنوي التي تريد أن توصله الى المتلقي ...
نص (ترانيمُ حُلمٌ )ص (36)
)ذوائبُكَ ترانيمُ حُلمٍ /لَحْنٌ دَوزَنَ اللّيلَ /أَهدى مُتونَهُ /لِصَبٍّ بَينَ جَنبَيَّ /عُصفورٌ أَغفَلَ غُصنَهُ /في مَقاماتِ روحٍ /إسْتَكأنَ جُنحَهُ /يَرتَدي الشُرفَةَ .. إسْتَبرقاً /وارِفَ الدفءِ /تَغَشَّى بِكَفِ سَماءٍ /يُشَيّعُ خِدْري../ نَجمةً حَداها القمَر /سِراجٌ يَرتقَي ارتِعاشَ رِمشْي /تَنْسَلُّ فَوضى /تُعَرّي هَواجِسَ الضُلوعِ )
تستمر الشاعرة بكشف كل ما يتحكم بالحياة ومصيرها المجهول ، حيث نشعر أن كل شيء حول الإنسان لا يتحكم به هو بقدر ما يتحكم به ذلك القدر المبهم ، حيث يتحول النص لدى الشاعرة تأمل فكري كي تكشف المعنى الذي يحدد فكرها الباطني، من أجل أن تعيد تأويل الدلالة المخفية الى محسوس ومرئي ضمن طاقتها الأنفعالية في تأمل مصير حياتها الداخليه ضمن أزمة الوجود ورموزه التي تولد المعنى الدلالي المتقارب الى أزمتها التي تعيشها ()ذوائبُكَ ترانيمُ حُلمٍ /لَحْنٌ دَوزَنَ اللّيلَ /أَهدى مُتونَهُ /لِصَبٍّ بَينَ جَنبَيَّ /عُصفورٌ أَغفَلَ غُصنَهُ /في مَقاماتِ روحٍ /إسْتَكأنَ جُنحَهُ /يَرتَدي الشُرفَةَ .. إسْتَبرقاً /وارِفَ الدفءِ ) نلاحظ هنا حتى ترانيم الحلم،و حتى مصيرها الذي تعيش ليس هي من تصنعه بقدر ما يصنعه ذلك القدر المجهول ، و أنها تعيش الحالة التوصيفيه في تحكمات حياتها، فالحلم هو دوزن الليل هو من يهدي متونه، هو يتحكم بكل ما تريد ، هو من يصب جنبها عصفورا، لأنه فقده غصنه أي أن كل الأشياء التي تتحقق لها تحققها الصدفة في معنوية الحياة ، ما يجعل كل شيء حولها يتغييرفي مقامات الروح، وحتى الدفء الذي حولها، لأنها لا تشارك بصنعه ، بقدرما هي فاقدة الأرادة والتحكم في مصيرها، وحتى أحلامها ليس من تحكمها بقدر ما هي الأقدار التي تأتي بها إليها وهنا تشكل عبثية الحياة وصدفها التي تحكم كل شيء عندها(تَغَشَّى بِكَفِ سَماءٍ /يُشَيّعُ خِدْري../ نَجمةً حَداها القمَر /سِراجٌ يَرتقَي ارتِعاشَ رِمشْي /تَنْسَلُّ فَوضى /تُعَرّي هَواجِسَ الضُلوعِ ) أن الذي يتحكم بمصيرها هو الشيء الخارجي وليس هي ، ومع ذلك قد يأتي هذا الشيء في بعض الأحيان بأشياء تتلائم مع ما تريده في الحياة ، فالنجمة قد حداها القمر والسراج يرتقي رمشها ، وما يجعل الفوضى تتناسل لتعري هواجسها الداخلية، لأنها لا تعرف أي مصير يحكمها ، و أن كل شيء حولها هو من يتنامى ويزداد بصدفته ليحقق ما تريد أن تعيشه في بعض الأحيان ، وما عليها سوى الاستكانة والأنتظار لهذا المصير ..
نص (مَنْ يَكتَشِفُ ذاتي..؟ )ص 62
(مَنْ يلُهمُني رُؤيا أشْهد.. ؟ /قَلبَ الأُفقِ الأبيضِ /مَنْ يَتجلّى../ لأُمّ الحَواسِ بَينَ حَواسي ؟/ويَغزِلُ لي خَيطَاً /مِن ثَوبِ اللُّعبِ في حارَتِنا /ويَقتَبِسُ حَرفاً مِن قاموسي
لِتَتَسجى ../تَصاريفُ أَفعالي مَطراً /مَنْ يَصِلُ إلى جُزُرِ السِحرِ.. / في أَعماقي ؟/أينَ الهُدهدُ ؟ /يأتيني بِخاتَمي../ مِن أَنيابِ الماردِ!/ ألمُتغافي في جَوفِ الروحِ/المُتزائر مِن ريشِ نَعامٍ /يَهمِسُ في جَوفِ التُربِ/مَنْ يُشغِله ُ../ فَكَّ رُموزي؟)
والشاعرة هنا تلقي الأسئلة بعد ما كانت تدرك أن الذي يحكم مصيرها القدر المجهول ، ويتحكم بكل شيء حولها وما عليها سوى الأنتظار لهذا المصير ، وهي هنا تسأل من (مَنْ يلُهمُني رُؤيا أشْهد.. ؟ /قَلبَ الأُفقِ الأبيضِ /مَنْ يَتجلّى../ لأُمّ الحَواسِ بَينَ حَواسي ؟/ويَغزِلُ لي خَيطَاً /مِن ثَوبِ اللُّعبِ في حارَتِنا /ويَقتَبِسُ حَرفاً مِن قاموسي لِتَتَسجى ..) وهي تسأل من يلهمها الرؤيا ، لبيين لها ما تريد أن تصل إليه من أجل أن تحققه في حياتها ، وأنها فاقدة القدرة على التحكم بمصيرها، وهي تأتي بأفعال الرؤية الذهنية التأملية من أجل أن تحقق المعنى الدلالي في جملتها الشعرية ، لهذا تحاول أن تستخدم اللغة المتجاورة بمفرداتها لكي تحكم المعنى المقارب لدالته، التي تشير إليها من خلال الأستعارة الأنزياحية كي تقربها الى مدلولاتها، حيث تنمو وفق الأفق الأستعاري ، وأن المعنى عندها لا يتراكم بل ينمو كي يحقق المساحة الواسعة التأويلية والخاضعة لأنفعالها التأملي ، وهذا ما يجعل نصها أيقاعي ينمو وفق هذا الأنفعال في شيئية المسميات التي تقربها من رموزها التي تأخذ التموضع الذي تريده (رُؤيا أشْهد، الأُفقِ الأبيضِ ، لأُمّ الحَواسِ، خَيطَاً، مِن ثَوبِ اللُّعبِ، حَرفاً مِن قاموسي) فكل هذه الأشياء تسأل من يحققها لها وهي تعيش وسط مصيرها خارج زمنها المجهول ،و من أجل أن تتطابق مع مصيرها تحاول أن تستعيد طفولتها لأن الطفولة لا تعي مكامن القدر وتحكماته في الحياة ، لهذا تريد العودة الى طفولتها، من يغزل لها ثوبا من أثواب اللعب وتكون هناك في حارتها ، وهي تناظر مابين عبثية القدر في عمرها الحاضر وبين قدرية طفولتها ، وتحاول أن تلغي المساحة ما بين الوعي واللاوعي لكي تحقق الهروب من هواجسها التي تعيشها (تَصاريفُ أَفعالي مَطراً /مَنْ يَصِلُ إلى جُزُرِ السِحرِ.. / في أَعماقي ؟) وتبقى تبني أحلامها من خلال التمني كي يتغيير كل شيء حولها ، مع أنها تدرك أن كل هذه الأفعال ما هي إلا تصاريف مطر، لا توصلها الى جزر السحر والى حلمها الذي تنشده ، لهذا تبقى مغمورة هذه الأمنيات في أعماقها، وتدخل هنا المنطقة الحرجة من التأمل من خلال الأسئلة (أينَ الهُدهدُ ؟ /يأتيني بِخاتَمي../ مِن أَنيابِ الماردِ!) من كثرة ما تشعر أن الحياة مبهمة في قدريتها ومصيرها المجهول ، لهذا لم تعد تتمنى من الحياة شيئا وتبقى مستسلمة لكل هذا الى حد تسأل من يكتشف ذاتها لكي تحدد كيفية الوصول الى ما تريد، الى حد تسـأل أين الهدد ويأتيها بخاتمها من أنياب المارد ، وكأن الحياة لم تعد تعيش شروطها الحقيقية ، وأن حلمها أصبح مستحيل التحقيق وسط هذا العبث القدري في الحياة (ألمُتغافي في جَوفِ الروحِ/المُتزائر مِن ريشِ نَعامٍ /يَهمِسُ في جَوفِ التُربِ/مَنْ يُشغِله ُ../ فَكَّ رُموزي؟)فكل شيء يبقى داخلها لا تستطيع أن تعيشه إلا أنه مجرد حلم داخل روحها ، لهذا تتحول أحلامها الى تراب ، لأنها لا تستطيع أن تفك رموزها وقد أصبحت صعبة المنال ، ويتحول كل شيء الى سكون وغافي في جوف روحها، لأنها أصبحت عاجزة عن فعل أي شيء وحتى الأحلام لا تستطيع الوصول إليها . والشاعرة وفاء أستطاعت أن تحكم نصوصها بلغة تعطي الرموز لكي تقرب الأيحاء المعنوي من التأويل الدلالي من خلال التعامل القصدي مع المعاني الحياتيه ضمن نسق نمو الأفق الفهمي خارج اطر السكونية في قدرية الحياة ومصير الإنسان المجهول .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق