من عالمي العميق حيث أدفن فيه بعض الاسرار المتهرئة كثياب عتيقة غادرتها الالوان وبهتت نقوشها وماعادت تغادر مخبئها ..أقبع معها متناسية الحاضر ومافيه .
"لقد أضعتِ فرصتكِ". هكذا قال لي عندما تركني ,هو من احببت يوما ما.
صدى صوته من حولي يخرج من اعماقي ليجعلني انتفض وأتساءل :يا إلهي هل كنت متمردة عليه ؟
اسرار لم أبح بها لأحد , وهاهي توشك ان تدمر الباقي من حياتي.
في هذه الليلة علا صراخ زوجي في وجهي معلنا أنني لا أستحقه وعليَّ مغادرة منزله بلا حقوق وبلا ابناء, وخرجت بعد أن اتهمته بكل مايكره الرجال سماعه من إمرأة.
تذكرت في زاوية قلبي المعتم وجه الرجل الذي احببت وتلقفه الزمن مني ليكون خارجه , وردعت خاطري بأن يتذكر لقائي بمن تزوجت وكيف قبلته وأنا أعلم بقسوته وبخله وقبحه, لقد دخلت عالما رهيبا معه .
كنت أسير متوجهة الى بيت أبي وكل حياتي تسير معي فعن يميني كل الماضي وعن يساري هو فقط, كنت المحظوظة في العائلة حين تزوجته وليلة عرسي حديث الجميع, وبخور أمي تخنقني لخوفها من أثر الحاسدين.
كان حبي لزوجي قلقا او ربما وهماً فقد كان تافها مغمورا رغم كثرة أمواله, يا لوجهه المجعد وتصرفاته السيئة , أشعر بالتعاسة وبأن حياتي قد دُمرت وما عادت تنفع .
لا ..لا.. يا لكذبتي الكبيرة وخيانتي ,كيف اتحدث عنه هكذا إني استحق اللعنة!
وصلت الدار حيث أبي الوحيد وبقايا من آثار تركتها أمي , وهاهي غرفتي كما هي حين غادرت معه وسط زغاريد امي .
جلست انتظر ماسيقوله أبي, لكني بقيت لوحدي لم يقترب مني ليسألني عن عودتي هكذا ! كانت ليلتي هنا طويلة وهادئة الى حد مخيف نظرت من نافذتي الى السماء كانت النجوم مضيئة بلا تألق , والقمر غاب خلف بضعة من غيوم صيفية.
يالها من ليلة كئيبة ,أظن أنه على حق أن طردني ..لقد أحالني قلبي الى امرأة معتوهة ,أعيش دوامة حب مفقود فما وجوده في حياتي الا كشبح من اسراري البالية ..كيف اترك نفسي افكر فيه وهو مَن تركني وخذلني؟ كيف أعيش مع رجل وفكري يقودني الى آخر؟ وما أريد مما أفعل ؟
يالسذاجتي أي وفاء لحب تآكل في واحة الاسرار المدفونة تحت تراب الايام والسنين ؟!
كيف أُنكر جرحي لزوجي وهو الحقيقة الوحيدة التي اعيشها ؟ ليت أبي يحدثني بشيء ,ماهذا السكون الرهيب الممتد ؟
جاء طرق على الباب !قد يكون هو؟
ركضت بسرعة متجاوزة أبي وفتحتها , كان هو فعلا بنظرته الحادة ووجهه المتجهم ,لكنني احتاجه فهو عالمي الوحيد.أطرقت رأسي قليلا ثم رفعته محاولة ان أخفي غصة الفقدان لكل الحياة في اعماقي.
جاء صوت أبي : تفضل بالدخول.
دخل وجلس مقابلا لابي ثم قال: أدركتُ اني مخطئ بطردها . كان يجب أن أرافقها حتى تكون عندك .
قال أبي: لابأس , ومافعلتْ حتى استحقتْ الطرد؟
الزوج: أشياء كثيرة انها لا تحاول ان تتعرف على ما أريد مع كل هذه الايام التي قضتها معي.
كنت انظر اليه وأرتعش وكأنني وسط عاصفة ثلجية.
قلت: لم لاتحاسب نفسك قليلا ..قد اكون مخطئة في شيء ما احسه لكن انت السبب .
صرخ الاب: اصمتي ودعيني اسمع منه .
الزوج: هكذا أنا و سأبقى . وانتِ من عليها ان تتغير وتتقبل وإلا فلكِ حريتكِ.
قلتُ: هي مشاكل شخصية ودعنا نهدأ ونحلها معا ..اعطني فرصة اخرى.
تغير وجهه فجأة وغاب القبح عنه, وقال : لابأس سأمنحك فرصة اخرى..استعدي للعودة معي الان.
الاب: الامر مرهون بكما .فليكن بينكما فقط وليحتمل احدكما الاخر.
قلت: انني خائفة .
اقترب مني وامسك بيدي وقال: لاتخشي شيئا سيحالفنا الحظ.
شعرت بلمسة حنان منه , ولم أتذكر صخب الاشباح المركونة في اعماقي لتأخذني بعيدا عنه, ومشيت معه ونظراتي تبتعد عن والدي وكأنني اراه للمرة الاخيرة .
دخلت البيت وكان الاطفال قد ناموا.
جاءني صوته : سأنتظرك في الغرفة لنتحدث فأريد ليوم غد صبح جديد.
وهكذا كنت معه من جديد وهو ينظر الي وكأنه يراني لأول مرة..ابتسم وأمسك برأسي ليطبع قبلة على جبهتي ويهمس لي بانه يحبني.
ومات صدى الاسرار .
....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق