أبحث عن موضوع

السبت، 4 أبريل 2015

قراءة نقدية لمجموعة(تأخرت كثيرا أيها المطر ) للشاعرة بارقة أبو الشون ................. بقلم : عباس باني المالكي /// العراق



الترادف المعنوي التشبيهي في تكوين الجملة الشعرية
قراءة نقدية لمجموعة)تأخرت كثيرا أيها المطر ( للشاعرة بارقة أبو الشون

أن الارتقاء بالمكنون الداخلي الى مستوى التخيل الذهني يتطلب أدراك شعوري للغة التصور اللساني لكي تصبح اللغة مقاربة بشكل كبير الى طاقة التعبير و الإتيان بالمعنى وفق منهجية الاستعارة الصورية التي توحي بالرموز المنبثقة من مدارك الحس الوجداني الذي يعطي للجملة الشعرية أفق اختياري في أجاد المفردات اللغوية المناسبة التي توحي بالمعنى الذي يريد الشاعر أن يطرحه ضمن أنساق الجمل الشعرية , وطبعا كل هذا يعتمد كليا على الموضوع أو القضية المعبر عنها ضمن التصور المعرفي لهذا الشاعر نجد الشاعرة بارقة أبو الشون في مجموعتها (تأخرت كثيرا أيها المطر ) والصادرة عن دار الفارابي بيروت – لبنان قد مسكت اللغة وأسرارها الخفية لتعطي النص لديها منولوج داخلي يحكم الجملة الشعرية بنسق إيقاعي متغير الصوت مكثف المعنى لكي تحافظ على تماسك المفردة اللغوية ضمن طاقتها الصوتية بأبعاد سوسيولوجية البناء , لأن تحول الصوت الداخلي للمفردة اللغوية الى جمل شعرية مترابطة في موضعتها الانسيابية لكي تحكم المنولوج لهذا الجملة الشعرية . ونجد الشاعرة بارقة لديها القدرة على صياغة جملها وفق هذا النسق في معرفية المقاربات اللغوية التي تعطي امتداد كبير للمعنى رمز الإيجاز في فكرة النص الشعري...
نص تأخرت كثيرا أيها المطر ص 10(تأشيرة الحرب القادمة / تمضغ أنامل غيثها / وتهب أبناءها للعابرين / أيها الوطن البعيد / لاشيء يثمل القصيدة / سوى القصيدة / والنجمات / فلا الألوان لون ولا تيجان عرس / في باحات الطفوف / ولا الرقص على أرجوحة الغبار / التي ترمل / فلا خيار لي سوى النهار / أمسيت أستغيث وحزن الأنبياء / يئن من وجع / العراق / ياليتني صحراء / دامعة المغيب )
لكي توازي بين حركة الأشياء في البعد التصوري نجد الشاعرة تعطي الأشياء الراكدة فعل الحركة من خلال أسننتها وفق فعل الإيقاع للمقاربات اللغوية وهي تفعل هذا لكي يبقى إيقاع الجملة الشعورية يحتوي علي جرس الصوت الداخلي لهذه الجملة , لهذا تحاول أن تجاور المعنى الموحي للكلمة ومرة و تباعد هذا المعنى مرة أخرى لكي يحدث التوتر المشهدي في نسق الجمل الشعرية ضمن استمرار المعنى الكلي ضمن النص الواحد , نجدها في هذا النص الذي هو عنوان المجموعة تنادي المطر كأنه يسمع هذا النداء لكي تبني جملتها الشعرية وفق التحفيز الصوتي للمعنى الكامن في المفردة اللغوية لهذا يتحول عندها النص الى نص لساني متمحور على هذه الأصوات لكي تبقى ماسكة بالمعنى للمفرد اللغوية ضمن رؤيوية الفكرة المحفزة على الكتابة ومن خلال طاقتها اللاشعورية أي أن الشاعرة تستدرج اللغة بعفويتها المجازية التي تعطي للرمز مساحة بقدر فكرتها الشعورية الخاضعة لأنسقها السسيولوجي ((تأشيرة الحرب القادمة / تمضغ أنامل غيثها / وتهب أبناءها للعابرين / أيها الوطن البعيد / لاشيء يثمل القصيدة / سوى القصيدة / والنجمات / فلا الألوان لون ولا تيجان عرس / في باحات الطفوف / ولا الرقص على أرجوحة الغبار) واستطاعت الشاعرة هنا الاعتماد على بنيان الترادف المعنوي التشبيهي المتكون من التشابه المعنى بالإشارة لكي تتحول الجملة الشعرية الى صوت واحد يعطي قيمة الوطن المساحة الواسعة من التكوين المعنوي داخل الذات فرغم الحروب ورغم أنه يهب أبناءه للعابرين يبقى هو الوطن فلا يثمل القصيدة سوى القصيدة أي لن يكون هناك وطن حقيقي غير الوطن نفسه وهذا هو الترادف التشبيهي في معنوية الجملة الشعرية , برغم أننا نحلم بغير هذا الوطن يبقى وطننا هو الحلم الحقيقي في ذاتنا والمفهوم الحياتي المستقر داخلها لأننا قد نحلم بوطن نجد فيه كل ما نحلم به يبقى الوطن الأساس هو الوطن الحقيقي فلا يبقى لون للألوان ولا تيجان عرس لأن كل شيء يتحول الى رقص على أرجوحة الغبار , لهذا أصبح الوطن هو الصوت الدلالي في المعنى و الذي يجمع جميع الأصوات ليكون هو البؤرة المخفية للصوت الداخلي للقصيدة ..
نص على مقربة من صفحات الرهان ص 25(رأيت حلما شاردا / رايت النجمة الأخيرة تنزل بشرفات / تقتات الورد / وتعتصر القول / رأيت أمي ترتشف غدائر الأمسية / لتفيض / دمعا في آنية الغروب / و/ رأيتك وطنا عاري الشوارع)
وما النصوص في المجموعة ما هي إلا التمسك بالأمل أن يحدث التغير الإيجابي في الوطن
أي أن الوطن أصبح رمز البنيان النصي المتكون من حلمها ان تعاد الحياة الى وطنها هو مخاض الحي في كل مشاعرها الذهنية التي أخذت تبني التصور المشهدي لكل الأحداث من خلال عمق ذاتها المتشظية بقدر الوجع الذي يحدث فيه لم تعد ترى وطنا بل حلم شارد فكل شيء فيه سائر الى الأفول والتشظي حتى النجمات على الشرفات تقتات الورد أي أصبح الأمل فيه ضعيف في التغير القريب فلم يبق إلا اعتصارا للقول والتحصر على زمن أضاعت فيه كل الاختيارات ولم يبق فيه إلا أغادير الأماسي على غروب الوطن حتى الدمع لم يجدي نفعا فهي لم تجد إلا وطنا عاري حتى من الشوارع , لم تعد تحلم وكل شيء صار دمعا في آنية الغروب , و الشاعرة استطاعت أن تحقق الأنزياح باستعارة الرموز التي تعطي أزمتها الذاتية اتجاه الوطن المقاربات لكي تبعد جملتها الشعرية عن الغموض الغير مبرر رغم أن الأزمة التي تعيشها تمتلك الامتداد الأفقي الذي يؤثر على عمق وعيها الإنساني لهذا نجدها تعطي هذا الامتداد بعد ذاتي عميق في موضوعية الرمز الباطني من أجل أحكام الوعي الذاتي على قدر أزمتها المنعكسة من مخاضات الوطن على الشعور اللاوعي والمستنبط من تقارب رموزها الذاتيه مع أشارات الموحية الى الأزمة الخارجية أي الشاعرة استطاعت أن تحكم الامتداد الرمزي وفق استعارة المقاربات الحية للرموز الموحي بتشابك ازمتها الذاته مع أزمة وطنها .

اوزار مؤجلة ص 51 ( ألفت الموت في طرقاتك / عرفت المستحيل في ثغور الموانئ الراسية قبالة أبوابك / فقلد أحرقت كل الكتب القادمة الى دجلة / أتمم اغتيال اللغة وبقايا أفنان الريح / فليست النساء أكثر ثرثرة من تخوم الملوك / كما يقال / وأنت حجاب الألم المسفوح على بقايا الأضاحي الكثيرة هذا العام )
لم يعد في هذا الوطن إلا الموت في الطرقات الى أصبح الأمل مستحيل فالثغور الموانئ التي ترسوا عند أبواب هذا الوطن قد أحرقت وحتى أصبح نهر دجلة الذي هو رمز الحياة ورمز التاريخ فيه تم اغتياله فلم يعد يجدي كلام نفعا فاللغة أصبحت لغوا وليس مبرر أن نتحدث فيها فالأضاحي كثرت فيه أي أن الموت أصبح كل ما يعشه وما الأضاحي الى امتداد رمزي لعدد الموتى الذين يسقطون فيه فحين تكثر الأضاحي يكثر عدد القتلى فيه لأن الأضاحي تقدم في عيد الأضحى على عدد القتلى والأموات فلم يعد هناك إلا ثرثرة النساء وعويلهن , الشاعرة هنا حققت الاستعارة الرمزية بالإيحاء الدلالي المعنوي الذي يشير بطريقة فهمية الى نسق الاستعارة لكي تحدد عدد القتلى والأموات ليس بشكل مباشر لهذا أعطت رمزها المتكون من الإشارة المعنوية بالمقاربات الحية التي تشير وتقارب من فعل الإشارة المعنوي لكي تحافظ على النسق الدلالي ضمن امتداد النص فالشاعرة قاربت رموزها الصوتية من أجل الاحتفاظ بالإيقاع الباطني للصوت الشعوري , فيتحول النص لديها الى الصوت موحد مع اختلاف التوتر داخله ضمن تركيب المعنى الكلي للنص .

نص وشاح الغيمات ص 57 ( نفسي كقربان العراق / ومئزرة وخطبك واهب الرسل / وكبرت حيث يغمرني / كفاك فارغتان يا أملي / تقتات روحي سوسنة / منون عيش الملح والجهل / فاضت عيون الليل / أحجيتي / ورقي بصمت خوف مرتحل )
هنا ينعكس صوتها الى الداخل فتجعل من نفسها قربان للوطن لكي توازي امتدادها الذاتي فقد أصبح همها كبير فهي التي عاشت وتعيش في هذا الوطن فهو وطن الرسل فهو ومئزرة لهم وهذا للدلالة على أن الوطن كان يعيش السلام والأمن الدائم لكن الآن أصبح فارغ وأصبح القتل فيه هو السائد , وهذا ما جعلها تعيش الخوف واليأس وأنها لم تعد تستطيع أن أتعيش هذا فروحها سوسنة لكنها تعيش وسط هذا الجهل الى حد أصبح الليل هو الذي تراه في وطنها وكذلك هي لا تريده أن يستقر ويعيش الأمان من أجلها فقط مع أنها تريد أن تكون قربان له لأنها مها تكون فورقتها بصمت الخوف راحلة لكنها تريد أن ترى فيه الأمان والأمن لكي يكون كسابق عهده , والشاعرة استطاعت هنا أن تعطي الى رمز التضحية بعد سوسيولوجي فالتضحية ليس من أجل تحقيق أحلام شخصية الفرد بقدر ما هي التضحية من أجل كل الوطن وقد حددت هذا لأنها ترى الكل يسعى الى تحقيق أحلامه الفردية دون التفكير بهذا الوطن (كفاك فارغتان يا أملي ) فالكل يسعى من أجل خراب الوطن ولا أحد يسعى من أجله ..
نص من بقايا الظل المبعثر ص 76 ( ايتها الغيمة العابرة / أعيريني / ارتشاف الحروف ولون طرقاته / التي رسمتها / فلم تعد فرشاتي تقطر / غيثا / ايتها النجمة الوحيدة / في حافة الورد)
والشاعرة هنا وصلت الى اليأس التام الى حد أخذت تناشد الغيمة العابرة أن تعيرها ارتشاف ولون حروف وطرقات الوطن لأنها لا تستطيع أن تحقق شيئا مع أنها تحاول أن تصبر نفسها على ما يحدث في وطنها من فوضى وخراب ففرشاتها لم تعد تقطر غيثا , لهذا تتجه الى السماء والنجوم لأنها لا ترى غيثا على الأرض وهذه دلالة واسعة في أعطاء البعد المعنوي داخلها أفق أوسع بدل التمحور الشعوري اتجاه هاجس اليأس والقنوط الذي أخذ يترسخ داخلها , أي أنها تريد أن تخرج من الصراع الداخلي لهذا وسعت من أفق مناشدتها المعنوية في إضافة بعد معنوي دلالي لأزمتها , لأن الصراع الداخلي اتجاه الوطن وصلت الى مرحلة كبيرة في مشاعرها الصوتية التي تمحورت على المناشدة لكي تجد حل لهذه الأزمة , والشاعرة استطاعت أن تناقل رمز التطهير في خراب الوطن من المطر الى الغيمة العابرة بعد أن يئست حتى من المطر الذي تأخر كثيرا والانتقال بهذه الحالة من المطر الى الغيمة العبرة ما هو إلا أخفاق في أيجاد انفتاح وتغير في أزمة الوطن لأن الغيمة العابرة لا تعطي موضعية التطهير والتغير في الخراب بل هي مناشدة ضعيفة وهذه دالة واسعة الى القنوط واليأس , وبهذا حققت بؤرتها النصية داخل المجموعة من الرغبة بالتغير والتطهير الى رغبة يائسة بحدوث هذا , ما أعطى الى المجموعة بعد في الترادف المعنوي في المقاربات النفسية مع رموز الطبيعة العمودية لأنها لم تجد على أفقية الأرض ما يحل هذه الأزمة المستعصية على أرض وطنها , والتمحور هنا من التفاؤل الى التشاؤم , أي الشاعرة بنت جملتها الشعرية على تمتزج الإرهاصات النفسية المتشابكة مع رموز الطبيعة التي تدل على رمز التطير والتغير الى مناشدة ضعيفة يائسة , وهي مع هذا تبقى باب التغير مفتوح لأن الغيمة العبرة لم تتوقف حتى يأتي ما تريده من المناشدة لأن قدرية الحياة في وطنها جعل صوتها الداخلي الضعف والوهن, وكما أنها مع يأسها بقيت الأبواب مشرعة في محاولة التغير لكن دون تحديد لهذا التغير .
وما دعوتها الى المطر بعدم التأخير إلا صرخة دالة من أجل أن تعاد الحياة الى هذا الوطن الذي كثرت فيه المعاناة وأصبح ساحة لكل حالات الألم والوجع ولما يحدث فيه يوما من المأساة في القتل والتخريب لهذا تريد أن يأتي المطر والذي هو رمز الحياة والأمل بالتطهير من كل الأحداث التي تجري داخله فلم تعد هناك قدرة أو صبر على كل هذه الأحداث من الألم والفقد والتخريب المستمرة حدوثها داخل الوطن , ولهذا تشكل الدعوة بعدم تأخر المطر ما هي إلا الى التمسك بالأمل والانتظار أجل أن تعاد كل رموز الحياة الى وطنها , استطاعت الشاعرة بارقة أن تجعل البؤرة النصية وفق التنقل داخل حوارات الذات مع مشهدية الحدث داخل الوطن لكي تبين عمق الألم والفقد الذي يحدث , بهذا هي بنت دلالاتها الأنزياحية وفق التركيب البؤري المتنقل حول الحدث المشهدي والترابط الرمزي المكون من الإيحاء الى المخاض المنعكس داخل ذاتها المعنوية الى كل رموز المتركبة من رموز الوطن الذي أصبح الرمز الى كل ألامها وأحزانها أي ذاتها تمثل كل ساحة الوطن وكما استطاعت الشاعرة أن تبني جملها الشعرية وفق النسق اللغوي بالمفردات المتشابكة مع هاجسها الشعوري ورموزها الباطنية بلغة شفافة التي حققت المعنى المتجاور لكل مفاهيمها المعرفية في جعل المفردة اللغوية طاقة تخيليه تحدد بها فكرة الرؤيا التي تكون الجمل الشعرية , كما أنها استطاعت أن لا تكرر نفسها مع مركز الدلالي الواحد وهو الوطن أي أنها جعلت من البؤرة النصية حركة لغوية داعمة لإنضاج التصور الذهني الإدراكي والذي يتغير بتغير الصور الشعرية لكي تحقيق منعاها المتغير في الإيحاء والثابت في الدلالة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق