(أنسنة الأشياء في الحدث الشعري)
مجموعة (رفات شاعر) للشاعر قاسم وداي
أن الشاعر الذي يجعل من مركزية الأنا الشعرية مركز المشهد الشعري ، وفق تقلبات الذات وانفراجها على المكان ، كدلالة تؤدي الى تماسك رؤياه في النسيج الشعري ضمن فكرته المتخيلة ، لأنه يحول كل مسميات المكان الى طاقة انفعالية تعطيه الدفق الشعوري في وعيه المتخيل الذي يغير معاني التأويلية في الدلالات الانعكاسية على ذاته ، وهذا يعطيه التصور الوجداني الانفعالي الشعري ، ما يجعل من جملته الشعرية ذات توهج وجداني عالي الإشعاع ، والتي بدروها تؤثر على تخيل المتلقي وتستفز المعاني لدية حول هذه الأماكن و رموزها . نجد الشاعر قاسم وداي في مجموعته الشعرية ( رفات شاعر ) أعطي المنحنى الرؤيوي وفق التذكر ضمن ذاكرته التخيلية لأبعاده الإنسانية ، وقام بأنسنة الأشياء ضمن دلالاتها ، و فعل هذا من أجل أن يحركها من جمودها المكاني ، ويعطيها حركة حرة و متغيرة حسب تأثير دلالته الوجدانية المقاربة إليها ، ما حولها الى رموز استعارية يستفاد منها لكي يعطي الى جملته الشعرية صور رؤيويه في سريالية التغير وحسب طاقته الانفعالية التخيلية الشعرية .....
نص (منْ يشتري وجهي في سوقِ البالات ) ص 2
(11)
بعض الجدران تراقب خطواتي
النور الخارج من خلف الستائر
يرسم ظلي
أشعرُ بحارس الحي
يرمقني بدهشةٍ
فلماذا لا تضعيني بين الضفائر
كي يصمت الخوف
الشاعر هنا يأخذ الصورة الذهنية البصرية ويعيد تشكيلها وفق أنعكاس أشياء المكان على تخيله الشعري ، لأنها تعطيه أبعاد مرئية وبصرية محسوسة ، ويعيد ترتيب هذه الأشياء وموضعتها ضمن المشهد المكاني ، أي أنه يجعل من الأشياء التي حولة مركز التخيل ، كي يصوغ رموزه التي تعطي جملته الشعرية أبعاد الانزياح الدلالي ، لكي يبتعد عن الحدث الشعري المباشر، وأستطاع أن يحول المسميات التي حوله الى رموز مترابطة مع الدلالة التي توحي بها ،و نجد أن هذه المسميات ( البالات ، الجدران ، الستائر ) وفق التقارب الدلالي الذي يوحي بالأنزياح الأستعاري ، بأفق متناظر مع حسه الداخلي الذي يحدد من خلاله الفعل الداخلي ،وحركته الخارجية في الحياة (بعض الجدران تراقب خطواتي /النور الخارج من خلف الستائر /يرسم ظلي ) أي يتخذ من الأشياء الحسية اليومية في بناء بنيوية رؤياه ؛ التي تكون نسق في الترتيب المعنوي لجملته الشعرية ، لهذا نرى أن هذه الأشياء هو الذي يحدد حركتها ، فهي ما بين مراقبتها لخطواته ورسمها لظله ، أي أنه يحاول أن ينسج لتخيله الشعري ، أبعاد داخلية تعكسها هذه الأشياء وفق زمن تأويلها لحركته ، يحاول أن يخرج من هذا الحيز الذي يشعر أنه يضيق عليه ، الى الخارج وكأنه يخرج من داخله ، كي يرى الحياة في الخارج بعد أن شعر أزدحام حركته ضمن الغرفة، وما الغرفة إلا حدودية مشاعره الداخلية التي يعيشها ضمنها ، لهذا يحاول أن يحدث أنفراج كامل لهذه الحالة، فيحاول أن يخرج من داخلة الى الخارج لكي يحدث الأنفراج لإحساسه ومشاعرة التي تشعره بالضيق وقد يكون سبب تكرارالمكان في حسية المشهدية المكانية، وهذا ما أدى أنعكاس على أحساسه الداخلي ، جعله يحاول أن يقارب التناظر ما بين ضيق مشاعره المكانية وحركة الحياة الخارجية ، لكي لا تكون هناك فجوة في الترتيب المعنوي ، ويحدث التباعد الدلالي داخل النص (أشعرُ بحارس الحي /يرمقني بدهشةٍ /فلماذا لا تضعيني بين الضفائر /كي يصمت الخوف )وينتقل خارج المكان كي يعيد التوزان المعنوي لأشارة الحركة حوله، و أستطاع أن ينتقل من الحالة المكانية المحدودة للفعل المنعكس على ذاته ، الى خارج هذا الحيز الضيق ، حيث ينفرج الموقف لينتهي من الحزن ، وما حارس الحي إلا الصوت الخارجي الذي يعطيه الدهشة بأكتشاف الجديد لصوره المكانية ، حيث تحسسه في وجوده الحي في حياته ، لهذا يخرج من الخوف والصمت الذي حوله ...
نص (ما قاله المجنون )ص 10
(1)
لا ترد السلام
وأنا ضريح العصافير
يمضي بي الليل في أزمنةِ البلوى
أحداقي مكتظة بعبور الأبراج الحجرية
أحمل معي دوي المذابح
وقميص يوسف وعربات العويل
كانت تقول : أن بغداد مسبحة العشاق
تعالى نبني عشنا في باطن الأرض
سراجنا تنور جائع
يلتهم الجمر ويفترش المواقد
لا ترد السلام
استأجرت قلب ينبض بالحصى
ولسان وبعض رصاصات
يستمر الشاعر بأنسنة الأشياء لكي تلائم الحدث الشعري لديه ، والذي يعكس الفعل الأستعاري الذي يعطيه الى البعد المكاني ، لكي يتسع حسب الأنزياح الوجودي لهذا المكان ، من أجل أن يحقق الفعل المتحول ضمن الحياة حوله (لا ترد السلام /وأنا ضريح العصافير /يمضي بي الليل في أزمنةِ البلوى ) ويتخذ هنا مشاهد البصرية،التي تتبع التسلسل الزمني في ضائقته ، التي يعيشها ضمن أماكن تخيله، و يحاول أن يعطي للأنزياح أبعاد الرؤية البصرية الأستبدالة، كي يبادل المعنى وفق هاجسه الذاتي ، الذي يعطية الطاقة الأنفعالية الرؤيوية التي تكوين نسيجه الشعري ، حيث يقارب المعنى الدلالي المتوتر التبدالي في عملية التأويل الفهمي لأختياراته اللغوية ، والتي تخلق صياغات شعرية متناوبه في الصعود و النزول المتوتر بالأيقاع داخل النص الواحد ، نلاحظ هنا جملته الأعتراضية (لا ترد السلام ) مع أنه ضريح العصافير أي أنه يمتلك الطيبة والسلام من الداخل ممتلئ بها ، وهذه الطيبة تؤدي به الى أزمنة البلوى (يمضي بي الليل في أزمنةِ البلوى ) وهذا هو سر أرتكازه في توصيل المعنى الى الدلالته ، التي تحكم المدلول ، بتأويل الفهمي الأدراكي لمشاعره البصرية ،التي ترى الأشياء ضمن مساحاته الوجدانية ، وقد أعتمد على لغة شعرية صادمة وحسب طاقته الأنفعالية التي تجعل نصه يتسلسل بالأيقاع الموسيقى ، فهو لا يتعمد على الجملة الحسية ، بقدر ما يعتمد على الجملة تأميلية في وجودية تناظر الأشياء مع مشاعره الداخلية (أحداقي مكتظة بعبور الأبراج الحجرية /أحمل معي دوي المذابح /وقميص يوسف وعربات العويل /كانت تقول : أن بغداد مسبحة العشاق/تعالى نبني عشنا في باطن الأرض ) و هو أستطاع أن يمازج بين هذه الأشياء والأشياء المعنوية التي يحدثها التخيل الشعري عنده، ما يعطيه القدرة على أيجاد ذاته في نسيجه الشعري ، لأن النص لديه ليس ذاتي بل هو ثنائي ما بين الأشياء و أنعكاس معناها على ذاته الداخلية ، ومقدار ارتقائها الى مستوى الرمز الذي يرى فيه التأويل الدلالي الذي يسعى إليه ضمن نصوصه الشعرية ، ونجد هذا في هذه الأشياء( الأبراج الحجرية ، دوي المذابح ، باطن الأرض) وكل هذه تشكل له الثيمة المعنوية التي يتحرك ضمنها والتي تمثل البؤرة للحركة الشعرية التي يجد فيها كل ما يسعى إليه في تصوره الذهني الرؤيوي ، أي أن النص لديه هو التشكيل الذي به يطاوع الرموز لهذه الأشياء التي تستنهض رمزه الذاتي وتطابقه مع رؤياه نحو المعنى الذي يريد ...
نص (جداريه عراقية ) ص 31
( 2 )
ما لي لا أرى وجهها بين الحضور
لم تعد تطرق أوردتي كما العصفور البري
حين يتنفس القش
كانت إذا استلقى الليل نثرت أشرعتها
وعصفت بخلجاني المتوترة دوما
ربما رحلت .. أسمع صدى صوتها في الأناضول
يردد أغان عراقية
حيث السكون يعم العالم
والشاعر أستطاع أن يكشف أرتباط الإنسان بالطبيعة وأشيائها التي تمده بعنصر التصور الشعري حيث تشكل له البنية النصية تتحرك ضمن بصرية المكان ، ويستمد مقوماتها من اللغة وأصواتها وكلماتها في تركيب خطابه الشعري ، وقد أستطاع أن يمازج ما بين رموزه الوجدانية ورموز الطبيعة ( أوردتي ، العصفورالبري) ، وهذا ما شكل مركز تجاذب فعلي في رسم خطوطه المعنوية في أيصال فكرته ، التي تحقق رؤيوية النظرة الوجدانية لكل تفاصيل الأبعاد الأستبداليه بين الطبيعة وذاته ، بعدها يخرج من كل هذا ليرى هذه الأبعاد ضمن المعنى الخارجي (يتنفس القش ) أي أن نصه هو التحول من المعنى الذاتي الى معنى الطبيعة ، وهذا ما يجعل نصه مركب بفضاء بنيوي الذي يكون بنيته الشعرية في أيقاع تصاعدي ، اي أنها تأخذ مظهرا ناميا لوجودية الطبيعة ورموزه الذاتيه في حسية فكرته . والشاعر في نصوصه دائما يحدث الأتفراج عنده من المكان المحدد الى الى المكان الواسع بلغة متقاربه في الأيقاع الصوتي (كانت إذا استلقى الليل نثرت أشرعتها /وعصفت بخلجاني المتوترة دوما /ربما رحلت .. أسمع صدى صوتها في الأناضول /يردد أغان عراقية /حيث السكون يعم العالم )و دائما يوسع الفضاء المكاني لخلق حالة من تبادل المعنى ما بين ذاته و الطبيعة ( كانت إذا استلقى الليل نثرت أشرعتها /وعصفت بخلجاني المتوترة دوما ) حيث هنا نجد ( الليل ) و ( بخلجاني ) وكما قلت سابقا أنه يبني نصه هكذا لكي يوسع الأنفراج الدلالي، لكي يعطي أتساع المعنى وفكرته التصاعدية وما الأناضول إلا فكرة الجذب المعنوي نحو الأبعاد المرتبة على تصوره الفكري في ذهنية الصورة الشعرية لديه ، أي يأخذ المكان الأبعد لكي يحقق الأنفراج التام ، حيث السكون يعم العالم . أي تتلاشى أزمته الداخلية وتصمت من خلال الصمت حيث يحدث السكون في العالم ، لكي يستمع ( يردد اغاني عراقية) الى أزمة العراق ؛ والشاعر يريد أن يقول أن العالم لا يمكن أن يحدث فيه السكون إلا بأحتضان العراق والنظر الى أزمته وما يحدث فيه ، لأن العراق كما يريد أن يقوله ، أن العالم لا يمكن يحقق ما يريد من السلام والأمان إلا بأحدث التغير الذي يريده الإنسان العراقي ..
نص ( أرواح تتنفس الغبار ) ص 74
__________________
في قارعة الدروب الغارقة بالارتباك
يخدش الحياء بوابات الرخام
لم تعرف زراعة الفرح منتصف الجزع
يملكها سوط النقنقة المعتم برزايا معلبة
ما عاد الفضاء يستوعب أجنحة الغبار المركون بقبعة
حيث الصدور شجرة يابسة في خلجان الانتظار
وأنا أهبط في قيعان تنتظر الحلم من ساقية خجلا
أكتب أسماء حول سجني المذعور بالطاعون
أحلم ببكاء في بوابات عشتار المسروقة زمن النقيق
حاصرها المخاض في بابل فولدت صمت البوم
وطني .. أيها النبض المعلق بأوردتي
كلما زاد العويل شممت ثراك
ويستمر الشاعر في بنيوية رؤياه وفق الدلالا ت التي تؤشرها الأشياء ومقدار ما تحدث من تأثير في التصور الذاتي، حيث يتأخذ منها رموز داخلية تلبي ما يبحث عنه في الرمز الدلالي والذي يؤشر فكرته الشعرية، لكي يحدد مقدار تقاربها مع تأويلة الرمزي الذي يتخذ منه البعد الأستعاري وفي بنية بصرية ومكانية ، وحسب ما يعطية المساحة الكبيرة في الفكرة التكوينية لرؤيا النص ، أي لا يشير الى المدلول مباشرة وحسب دالته ، من أجل أن يعطي التأمل التأويلي مساحة واسعة من أخضاع الرموز الى الأنسنة ، كي يتخذ منها بؤرة متحركة داخل النص (في قارعة الدروب الغارقة بالارتباك /يخدش الحياء بوابات الرخام / لم تعرف زراعة الفرح منتصف الجزع / يملكها سوط النقنقة المعتم برزايا معلبة )
فهو هنا يطرح حالة الوطن عندما كان في زمن الدروب غارقة بالأرتباك، تخدش حتى بوابات الرخام حيث كان زمن الطاغية (يملكها سوط النقنقةالمعتم برزيا معلبه ) هنا يحدث الأشارة بفعها االتنظيري، وما كان يحدث في زمن الطاغية بسوط النقنقة ، لكن لا يقابلها إلا الصمت المعتم برزيا معلبة ، أي أن الصمت المطلق خوفا من بطش الطاغية وما يفعله بحق شعبه (ما عاد الفضاء يستوعب أجنحة الغبار المركون بقبعة /حيث الصدور شجرة يابسة في خلجان الانتظار /وأنا أهبط في قيعان تنتظر الحلم من ساقية خجلا )وقد وصلت المرحلة الى حالة لا يمكن أن تستمر لأن صبر الشعب وصل الى نهايته ،فقد صارت أجنحة الغباروصدور الشجر قد تيبس كل شيء ولم تعد هناك حياة في زمن الطاغية ، لهذا ننتظر الحلم بأن يحدث التغير من أجل حياة أفضل ، لكن هذا الحلم وصل الى ساقية الخجل أي لم يحدث التغير الذي نريده (أكتب أسماء حول سجني المذعور بالطاعون /أحلم ببكاء في بوابات عشتار المسروقة زمن النقيق /حاصرها المخاض في بابل فولدت صمت البوم /وطني .. أيها النبض المعلق بأوردتي /كلما زاد العويل شممت ثراك ) بل حدث ما كنا لا نتوقعه بعد تغير النظام، بل تحول الوطن الى سجن مذعور بالطاعون ، حدث عكس ما نريد ، بل أصبح أسوء ما كان نحلم به ، وكأن كتب على الوطن المعاناةوالألم ، لهذا يحاول أن يهرب من الحاضر ليبكي على بوابات المسروقة من زمن الحكايات ( زمن النقيق)لكنها تبقى مجرد أحلام على أبواب بابل ويبقى زمن البوم هو السائد في حياة الوطن، ومع هذا يبقى الوطن هو المحرك للحياة داخله ( النبض المعلق بأوردتي ) أي يبقى الوطن هو أساس الحياة رغم ما يحدث فيه من أشياء لا تحقق أحلامة في الحياة ،لهذا يتحول الوطن الى زمن العويل والأنتكاسة ، أي زمن الحزن والألم المستمر في حياته (كلما زاد العويل شممت ثراك ) وأستطاع الشاعر أن يحدث الأستعارة الرمزية من خلال تسلسل زمن الأشياء داخل مساحة ذاته ، الذي يحفزها المخاض الداخلي ، والذي يحدثه ما يجري في الوطن ، أي انه أستطاع أن يبني تراكم تأثير الأشياء ووجوديتها و ترميزها وفق أحساسه، الذي يعطي إليها بعد نفسي بستمولوجي ضمن نظرية ، التي تحرك هذه الأشياء وحسب ما تعني من حركة الحياة، هو لا ينظر أليها كحالة جامدة بل هي حركة الحياة رغم ألتساقها المكاني ، حيث يتأخذ منها التمازج المعنوي للحياة ، التي يحركها خارج سكونها، كي يجعلها الأيقاع الصوتي في بصرية رؤياه الشعرية، و يحاول أن يمتزج مسميات الأشياء مع بعضها، لكي يعطيها الأيحاء الدلالي لأكثر من بعد تأويلي ، حيث يحقق الصورة السريالية بطريقة النتاظر ما بين مجساته الداخلية وأبعاد الأشياء الخارجية، التي تتحول وفق نظرته البصرية الى تشعبات رؤيوية ، تعطيه مساحات كبيرة كي يجعل رموزها المتحركة ،أي أن الشاعر يعرف كيف ستنهض المعنى من ركام الأشياء وجمودها الحياتي، لكي يصعد الرؤية البصرية داخل نصه الشعري من خلال اعادة صياغةالدالة، وفق ما توحي به هذه المسميات من معاني أتجاه أزمته الداخلية أتجاه أزمة الوطن ، حيث يحدد أيقاعية الصوت الداخلي للنص،والشاعر يعطي الزمن المتغير الزمر المخفي وفق تغيريه ،لأنه هنا يطرح أزمة الوطن في زمنين مختلفين، فهو يبدأ من الفضاء ليؤشر أزمة الوطن ويتدرج بالمعنى حتى يصل الى فك شفرتها من خلال أعطاء توهجه الذاتي الشعوري ، لكي يحدث التقارب ما بين أزمة الوطن وأزمته التي يعيشها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق