يجلسان في الحديقة يتهامسان بحب تضع رأسها على كتفه، يتأملان الأطفال وهم يتجمعون كأكاليل الورد إستعدادا لللعب،تتوالى أسراب السحب فتخبئ خلفها بريق الشمس،أراقبهما ببطئ من بعيد ثم أقترب وأقترب أجلس بجوارهما على مقعد آخر؛كأنهما يعيشان في عالم في آخر فلم يشعرا بوجودي حتى،كانا مسنين تجاوزا السبعين،خطوط التجاعيد التي حفرها الزمن على وجهيهما تشع بالحب،مازال هو ينظر الى الاطفال بحسرة تلحقهم عيناه ترصد رقتهم تذوب حبا ببراءتهم، ينبهها للنظر اليهم ترقبهما هي الاخرى،ثم تنظر نحو زوجها بحزن فتضع يدها على يده إحتضنته بابتسامة حزينة،لم تململ شفتيها بل راحت عيناها تهون حزنه تواسيه صمتا؛لكنها لم تكن اقل منه حزنا كانا سارحين بعيدا لم يلتفتا وراءهما ولم يشعرا بوجودي للحظة،انظر اليهما بأسى ماتلك التنهدات وأمواج الحسرات التي تتلاطم في بحار عينيهما ياترى؟ ربما ضمأ نفسيهما لتلك الهبة التي ننعم نحن بحبها،انه الحرمان الذي عاشا يقاسيانه لاعوام...
أرادت ان تنقذه من بحر الحزن الذي يأخذه بعيدا فأشارت له نحو السماء لتلك السحابة التي اختبأت خلفها الشمس لقد اقتربت منهم كسقف من الدخان يحجب عنهم رؤية الشمس تبعتها سحب ثقيلة دفعت بها الى البعيد،عيناهما تحلق في الافق تترقب السحب، بددأت حبيبات المطر تتناثر فوقهما،نظر احدهما للاخر كإن عيناهما تستعدانهما للرحيل،طويا آخر صفحة من تأملاتهم،تناول الرجل قبعته الصوفية التي وضعها الى جانبه ،بدءا يسيران وقد إتكأ كل منهما على الاخر كأن الزمن قد حفر جسديهما ليتلائما في ذلك الاتكاء الذي يبدو انهما اعتادا عليه،كانا يسيران ببطء متبادل كأنهما يستمتعان بقطرات المطر التي تراقص صمت عشقهما وحزنهما في آن واحد،كان الاطفال يركضون هروبا من المطر واستعدادا للرحيل مرا بجانبهم وقفا قليلا؛رمقا الاطفال بنظرة لفها الحزن والاسى وعاد يتكئ بعضهما على الاخر ثم اختفا عن ناظري تحت بحر الرؤوس الذي كان يملأ الحديقة استعدادا للرحيل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق