أبحث عن موضوع

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

صائـــــــــــــــدُ الدَّعلَــــــــــــــــــــج( قصو قصيرة ) ...................بقلم :مجيد الزبيدي // العراق






تبادلتُ و صديقُ الطفولةِ وشرخِ الشبابِ ( حسين النشعة )بعضَ ذكرياتِنا الجميلةِ في قريتنا القديمةِ الرابضةِ على ضفافِ نهر دجلة . كدنا نختنق بضحكاتنا المجلجلةِ في صالون داري من دون تحفظٍ ، كلّما تذّكرنا موقفاً عشناه معاً ، ولِمَ التحفظ وكلانا بلغَ السبعين عاما من عمره ،وكانت تربطنا في شبابنا صداقةٌ متينةُ عززتها الكثيرُ من شقاواتنا الصبيانية مثل قيامنا بالسرقة اليومية للفواكه في البساتين المجاورة ،او عرانيص الذرة من حقولش الفلاحين ،كلّما اشتهينا أكلها،او السباحة في نهر دجلة طيلة أيام الصيف ، او لعبة ( الحاح) او ( الدعبل ) و ( المصاريع) و الذهاب معا لإيصال (سفرطاس) الطعام لأبوينا اللذين يعملان في معمل السمنت القريب من قريتنا ، وجلوسنا على منضدة واحدة ٍ في مدرستنا الأبتدائية ،التي ودّعها صديقي مبكراً ، ليتجه للعمل اليدوي ، وقد الصقنا باسمه اسمَ والدته (نشعة ) من بين أخويه الآخرين .كنت التقيتهٌ اليوم بالصّدفة بعد أكثر من أربعين عاماً على مغادرتنا قريتنا الجميلة إلى العاصمة ، تبعا لمتطلبات العمل الوظيفي بعد تخرجي في إحدى الكليات. وجدته فجأة أمامي بملابسه العربية خارجاً من (سوق الغزل)، واستجاب لإلحاحي لأصطحبه إلى داري لنتناول طعام الغداء معا ، واستذكار بعض ذكرياتنا . أعلمني بعد ذلك بسبب وجوده في هذا السوق . أنه اصطاد بالصدفةدعلجاً في البرية ،ونصحه البعض بالذهاب لبيعه بمبلغ كبير في هذا السوق المخصص لبيع الطيور وأسماك الزينة والحيّات ،وكلاب الصيد ، والعاديّة منها، وغير ذلك. كانت ذاكرة صديقي على ما يبدو ما زالت نشطة جداً ،وتحتفظ بالكثير من الذكريات ،و بأدقِّ التفاصيل التي يرويها لي ونحن نتناول الطعام ،ونشرب الشاي ،كعادة أكثر العراقيين الذين لايحلو لهم شربَ الشاي إلا بعد تناولِ الأطعمةِ الدسمةِ، وحتى غير الدسمة . فجأة خطر ببالي أن أسأله عن ابنة عمه ( مهدية ) يوم كاد يدخل السجنَ بسببها هو وأخوته و أبوه الحاج عبيد ، حين هاجموا دار المختار بأسلحتهم لخطبته ابنة عمه لأحد أبنائه ، وفرارهم في أعماق البساتين عندما جاءت الشرطة لاقتيادهم للمركز . أبتسم ، ثم علت وجهه سحابة ألم وأخبرني أنها وزوجها وبعض أبنائها قد لقوا حتفهم ، عندما إنهار سقفُ الدار فوقهم بفعل صاروخ طائرة امريكية أخطأتْ هدفَها على ما يبدو بضرب منصّة الصواريخ المحمولة على شاحنة كانت مركونةً قرب دارهم ، قد خبأها الجيشُ مع الكثير من الأسلحةِ بين دور المواطنين وأزقّةِ القريةِ، والبساتينِ المحيطةِ بها. اعتراني الألمُ لسماع هذا الخبر المحزن . قلت: لكن ابنة عمك ( مهدية ) تزوجها (عادل ) ابن المختار في النهاية؟. ضحك ضحكة خفيفية ، وقال: بعد أن شَحَنَنا الوالدُ يرحمه الله غيظاً على المرحوم عمنا و المختار، وجرى الذي تعرفه أنت . سألتُهُ بعد يومين من الحادث ، لمن سيزوج ( مهدية ) من بيننا نحن أبناءه . مسح على لحيته رحمه الله وقال :ولدي دعوا البنت تذهب لنصيبها ... حرام علنا إن نمنعها من ذلك ... تعجبتُ من تغيّر موقفه الصّلب الذي كان عليه قبل يومين ،وكيف كان يحثنا للهجوم على بيت المختار ،بسبب تقدمه لخطبة ابنة أخيه لولده . ظل هذا اللغزُ يحيّرني إلى أن أفضى بسره لي المختار نفسه بعد سنوات. حيث قال :تجرأتُ بعد يومين من حادثة (النهوة ) ، وجلستُ بجوارِ والدك في المقهى وجاذبته الحديث ، ودون أن ترى عيون رواد المقى دسستُ أربعة دنانير في جيب سترته، كانت كفيلة بكسب ودّه ورضاه. حالاً....ضحكنا بقوة ٍ حتى أدمعتْ عيوننا...
حين ودعته عصرَ ذلك اليوم ،شعرتُ أنني أودّعُ جزءا من ذكرياتي الجميلة في قرية الطفولة والشباب. الحّ عليَّ كثيراً بردِّ الزيارة في دارهم القديم الذي وسعوه ليسع ثلاث عوائل ، عائلته وعائلتي أخويه الآخَرَين ، أوعدته بزيارته في أقرب وقت ممكن . سنحت لي الفرصة للقيام بالزيارة بعد ثلاثة أشهر... ما أن دخلت وسطَ قريتي القديمة ، تملأني البهجة للقاءِ من بقي فيها من أصدقاء الطفولةِ ؛حتى تفاجأتُ بيافطةٍ سوداء تعلن رحيلَه الأبدي بسبب حادثٍ مؤسف. حين سألتُ أحدَ أخويه عن الحادث المؤسف ،همس بأذني: أخي المرحوم استهواه صيدُ الدعالج وبيعُها بأثمانٍ مغريةٍ ، فراح يقضي أكثر الليالي بحثاً عنها وصيدها في تلك التلالِ البعيدةِ ، وقد وجده أحدُ الرعاة قبل إسبوع ميتاً ومزرقّاً قربَ احدِ الجّحورِ بسببِ لدغةِ افعى.
-----------------------



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق