أبحث عن موضوع

الجمعة، 18 ديسمبر 2015

التوظيف الرمزي في تحقيق التأويل الدلالي نص (هل هذه الأرض هي حقّاً أمّنا) للشاعرعلي مولود الطالبي............. بقلم : عباس باني المالكي // العراق



 (هل هذه الأرض هي حقّاً أمّنا)

***
" بريدٌ إلى أخي درويش "
"أنا يوسفُ" يا إخوتي مَن يعلنُ موتي لأبي ؟
و السيّارةُ يبيعونَ الغيمَ و يحصدونَ الماءَ
أبي يـــا أبي ضعتُ ؛ و ضيّعتني المدائن
صارَ بيتُنا للغريبِ مأوى ...
كلُّ العالم بيتنا يــا صديقي
أنجبتُ سهاداً ممّا تعطيني الصبايا
بنيّتُ بيتاً كالعنكبوت .....
يمدُّ خيطَهُ مِن شمالِ الوهمِ إلى جنوبِ الغواية
على الآهِ أنجبتُ ذكوراً و فتحتُ عواصماً و تزوّجتُ حوراً
صرتُ شهريارَ الحكايةِ
أختي الوحيدة يا أمّنا الموكولة للضياعِ
لَم تنم حذو الريح بلّ صارتْ هديّة للرّيح
و النبيذُ صار يهواها و يعرّش في كفّ أخي كالدالية
يا أبي كنّا عائلةً صغيرةً تحترفُ المحبةَ
صرنا عالماً مفتوحاً على الهباء
لَم يعد للبيتِ باباً واحداً ...
صار بيتُنا يُفتحُ على كلّ أبواب المدينة
و الحضارةُ يا أبي وحدنا صرنا ذنبَها
مَن يخلّصني مني و يتركُ فتحةً في القلبِ فقط كي تمرّ الرّيح
صارَ للفجرِ وجوهٌ مِن رخام الجوع
و الرخام صارَ جسدُكَ أيّها العابر في الزّحامِ
كيفَ تدعو للخرابِ و تقتلُ في العشّ حمامةٍ
حرٌّ أنا و أدعو للحرّيةِ
إكسروا أغلالَ يدي
سأصيرُ أنا ...
أرفعُ هامتي فوقَ السّحابِ و أغني للتّرابِ الذهبيّ
للعاملِ المنسيّ في الضبابِ
للصبيّةِ تعصرُ الرّيحَ و تحلبُ الأمنيات
سأنادي ..... 
يا إخوةَ يوسف إتركوا يدي وقيدها
لَنْ أصيرَ عبداً " للدولار " ...
و لا رقماً في سوقِ النحاسةِ !
سأكونُ حتماً أنا
مهما نصبتُم على حريّتي عسساً و حراسة
سأبقى حرّاً .....
و أفتحُ أبوابي جميعها على ضفةِ السّماء
تعبرُ الأيامُ جرحَكَ يا أنّيَ 
و الرغيفُ يصبحُ خنجراً أو سيفاً أو قذيفة !
تنامُ الصبيةُ مثلَ وردةٍ ،
تصحو مثلَ خريفٍ بلا أمنيات
كَم مضى على الحلمِ وهو يلهثُ في المدى
و الصبيةُ ترسمُ وجهاً صغيراً يقطرُ سمرةً و بهاءً
كطواحين الهواءِ السعيدةِ بالحصادِ 
تقطفُ الأيامُ زهرَنا ...
ما ضرّها لو تمهّل الموتُ قليلاً
سنغني للألوانِ البهية 
كلّنا ...
و نفتحُ كلّ أبواب الحياة
أنتَ فوق سقف الأرضِ
ستصيرُ نبضَها ذات يومٍ
سيصيرُ النهرُ مهرجاناً للرعاةِ 
و الرعاةُ يقطعون وهم الأرض ...
والقصائدُ مثل الأغنيات الحزينة
لا تنتهي مدّة صلاحيتها
هل هذه الأرض هي حقّاً أمّنا ؟!
كما صرتَ عاقّاً يا فتى الأيام القادمات
والارضُ تفتحُ جرحَها للندى
و تغنّي سأصيرُ يوماً أمّكم
فمتى ؟؟؟؟
شعر : علي مولود الطالبي
أن البحث عن المعنى الذي يريد أن يوصله الشاعر ، من خلال رؤيته  التي تحكم  التكوين اللغوي  هو الذي  يؤدي  إلى تبيان الدلالات  الموحية   ضمن النص  , لأن الدلالات  تقربها  اختيار  المفردات اللغوية   التي توضح علامات الإشارة   الموحية   ،بمقاربة التأويل الدلالي  ضمن الفهم الكامل لأي نص . والشاعر على مولود  الطالبي  أعتمد  على رمزية  المفردة التي توحي بالمشهد الحسي  لوجودية  الإنسان في حياته  وما تؤدي إليه من خلق  المعاني  التي تتمحور عليها حياته ،لأن التأمل في فكرية التجاذب  الذهني لكل النزعات  التي تؤول  الدلالة  إلى مرئية من  سلسلة  المحسوسات في معاناة  الإنسان المتوحد مع ذاته ، الذي يكشف القيم  في المجتمع ، من خلال المفارقات في كل العلاقات  التي يعيشها أفراد هذا المجتمع .  والشاعر هنا يحاول  أن  يجعل  من التصور الذهني لهذه  الحالات خارج النسق الإدراكي  المجرد ،   لكي لا يتحول  النص  خارج أسلوب  الصورة الشعرية  البصرية  غير  المدركة   لكل الدلالات  التي يريد الشاعر أن يوصلها  إلى المتلقي  . والشاعر بدا من مفارقة المعنى في  التأويل  الديني لكي يحقق  الترابط ضمن الرؤيا الموحدة  والتي تعطي هذا المعنى في نسق البنية  اللسانية للفكرة ....
 أنا يوسفُ" يا إخوتي مَن يعلنُ موتي لأبي ؟
و السيّارةُ يبيعونَ الغيمَ و يحصدونَ الماءَ
أبي يـــا أبي ضعتُ ؛ و ضيّعتني المدائن
صارَ بيتُنا للغريبِ مأوى ...
كلُّ العالم بيتنا يــا صديقي
أنجبتُ سهاداً ممّا تعطيني الصبايا
بنيّتُ بيتاً كالعنكبوت .....
نجد هنا الاستعارة  التي تقارب الطرح الكامن في الرؤيا  ،التي تؤشر لدى الشاعر  حجم المعاناة التي أراد أن يوصلها ، فأستخدم استعارة المفارقة أو المعارضة  من أجل أن يخلق التضاد في جملة  المعنى  . أي أن الشاعر  أراد الاستدلال  على الفكرة  التي كونت النص  من خلال الإشارة الموحية  ولكن بالطريقة  العكسية للحدث الديني في قصة يوسف وأخوته . وكلنا  نعرف أن الذي رمى يوسف في البئر هو أخوته  فكيف يطلب منهم الآن أن يخبروا والده ؟ أراد الشاعر هنا أن يعيد صياغة هذا  الحدث الديني وفق  تغير أنساق الانتماء لهذا الرمز  لأن لا يمكن  أن يخبروا أباه بموته وهم السبب  فيه ، و أراد  أن يوحي إلى  الحقيقة  دائما التي تكون عكس ما يحدث في الظاهر ، فكل الأسرار دائما تبقى مخفية خلف ظاهر الفعل ، ولهذا أراد أن  يقول أن الكثير من الناس  دائما تخفي  أسرارها  خلف ظاهرها ،وأن الانتماء   ليس بالظاهر بقدر ما هو تطابق ما بين الظاهر والكامن في داخل النفس ، لكي تصبح حركة الحياة  في فعلها الحقيقي ، من خلال انعكاس الباطن على الظواهر  الخارجية لأن في حالة  عدم  حدوث هذا  تصبح الحياة خالية من المعنى ،  وتكون مجرد علامات للخداع  فالسيارة  يبيعون  الغيم ويحصدون  الماء  أي يبيعون الأوهام وعدم  حقيقة   الحياة حولنا ( أنا يوسفُ" يا إخوتي مَن يعلنُ موتي لأبي ؟ /و السيّارةُ يبيعونَ الغيمَ و يحصدونَ الماءَ ) وهذا ما يجعل   حياتنا  التي نعيشها  تضيع بالخداع والكذب  ويجعل الغرباء  يسكنون بيننا ، لأننا لا نمتلك الحقيقة التي ندرك  بها قيمة حياتنا  بسبب  الفوضى في الانتماء وهذا ما يجعل  الوطن   كبيت  العنكبوت وهو أوهن البيوت  وهذا يحدث  من خلال  عدم إدراكنا  لأهمية  الانتماء (أبي يـــا أبي ضعتُ ؛ و ضيّعتني المدائن /صارَ بيتُنا للغريبِ مأوى ... /كلُّ العالم بيتنا يــا صديقي /أنجبتُ سهاداً ممّا تعطيني الصبايا /بنيّتُ بيتاً كالعنكبوت .....)  مع أن العالم هو بيتنا  لكن يبقى الوطن هو البيت الأساسي في حياتنا  لهذا تصبح كل البيوت وحتى العالم يصبح كبيت  العنكبوت ،  لأن  الارتباط به  واهن لانعدام  الانتماء والأيمان .  والشاعر يريد أن يبين  أن البيوت أو  الوطن لا يمكن أن يحقق فعل الحياة  الحقيقي  دون  الانتماء الحقيقي وقد أستطاع أن يؤشر ما يحدث في الوطن من حالات الفرقة  بين  المكونات في المجتمع  ...
أختي الوحيدة يا أمّنا الموكولة للضياعِ
لَم تنم حذو الريح بلّ صارتْ هديّة للرّيح
و النبيذُ صار يهواها و يعرّش في كفّ أخي كالدالية
يا أبي كنّا عائلةً صغيرةً تحترفُ المحبةَ
صرنا عالماً مفتوحاً على الهباء
لَم يعد للبيتِ باباً واحداً ...
ويستمر الشاعر بالتأكيد على هذه الحالة  ، إلى حد سرد الأسباب  التي تسبب  أنعدم المحبة  في العائلة  ،وما يجعل هذه العائلة في مهب الريح  لعدم وجود انتماء حقيقي  داخلها , لأن انعدام الارتباط  الحقيقي  يجعل هذه العائلة أو الوطن تتفرق وتصبح في حالة ضياع  وهدية للريح ،  حيث كل واحد ينتمي  إلى عالمه الخاص به  بعيدا عن عائلته (أختي الوحيدة يا أمّنا الموكولة للضياعِ/لَم تنم حذو الريح بلّ صارتْ هديّة للرّيح /و النبيذُ صار يهواها و يعرّش في كفّ أخي كالدالية ) مع أن هذه  العائلة صغيرة ، وكل واحد صار  يعيش عالمه  لانعدام المحبة بينها وهذا ما يؤدي  بهم الى أن  يصبحوا عالما  مفتوحا على الهباء . ولم يعد هناك بابا مفتوحا بينهم  بسبب انعدام  المحبة   التي تربطهم والشاعر أستطاع أن يحقق فعل الإشارة الاستبدالي  في قصة يوسف   ،والسبب الحقيقي  الذي جعل  اخوته يرمونه في البئر   وهو عدم وجود المحبة بينهم  ، و هنا حقق  التعبير الدلالي في النسيج الأستعاري  في الحدث الديني مع ما يحدث ضمن عائلته أو الوطن ، من بنيان المفارقة الدلالية لكي يحقق  المساحة الأوسع في التشخيص الدلالي  (يا أبي كنّا عائلةً صغيرةً تحترفُ المحبةَ /صرنا عالماً مفتوحاً على الهباء /لَم يعد للبيتِ باباً واحداً ...) وعندما تنعدم المحبة بين الناس  تنغلق  جميع الأبواب بينهم لأن  أساس العلاقات  ما هي إلا  المحبة  التي  تربطهم .. 

 و الحضارةُ يا أبي وحدنا صرنا ذنبَها
مَن يخلّصني مني و يتركُ فتحةً في القلبِ فقط كي تمرّ الرّيح
صارَ للفجرِ وجوهٌ مِن رخام الجوع
و الرخام صارَ جسدُكَ أيّها العابر في الزّحامِ
كيفَ تدعو للخرابِ و تقتلُ في العشّ حمامةٍ
حرٌّ أنا و أدعو للحرّيةِ
اكسروا أغلالَ يدي
سأصيرُ أنا ...
والشاعر هنا في هذا المقطع حدد أن السبب في فقد المحبة  قد تكون  الحضارة التي أوجدت  كل هذا  الخراب في انعدام المحبة  ، حيث تتحول الوجوه إلى  رخام  خالية من الحياة ، وتتحول الحضارة  إلى ذنب  .هذا يؤكد ضياع القيم التي تربط الناس مع بعضها ، حيث تحولت القلوب إلى ثقب في الريح  . وهنا الشاعر أستطاع أن يعطي  الرمز  بعد توظيفي   في  التأويل الدلالي ، من خلال أحداث فتحة في القلب  لتمر الريح ليحقق  الإشارة   أن القلب الذي لا يمتلك المحبة  يصير خوار للريح  ،وهذا  ما يؤدي إلى جعل حتى الفجر وجوه من الرخام ،وهذه  دلالة على أن التغير لا يحدث لأن الفجر دائما موحي بداية جديدة  
 (و الحضارةُ يا أبي وحدنا صرنا ذنبَها /مَن يخلّصني مني و يتركُ فتحةً في القلبِ فقط كي تمرّ الرّيح/صارَ للفجرِ وجوهٌ مِن رخام الجوع /و الرخام صارَ جسدُكَ أيّها العابر في الزّحامِ )والشاعر يبين في كل هذا  الإيحاء المعنوي ما يمثل عمق الارتباط في الوطن ، وما الأرض إلا هي الوطن ،  لهذا حين تنعدم المحبة ينعدم الارتباط به   .  و يحدث  الخراب فيه و وتنعدم   المحبة  من خلال أن الأخر يفرض عليك ما يؤمن به ،  مع أن الإنسان حر في اختيار أيمانه في الحياة ، مما يؤدي إلى حدوث شرخ  داخل  الوطن  الذي يسير إلى الخراب ، مع أن  الأمان  والسلام لا يحدث إلا  إذا  تحققت الحرية داخل الوطن ، ويعيش الإنسان ما يعتقد دون ضغط الآخرين  على تغيير اعتقاده  (و الرخام صارَ جسدُكَ أيّها العابر في الزّحامِ /كيفَ تدعو للخرابِ و تقتلُ في العشّ حمامةٍ /حرٌّ أنا و أدعو للحرّيةِ /اكسروا أغلالَ يدي /سأصيرُ أنا ...)  وتكون المحبة هي القاسم المشترك لكل  الذين يسكنون  أرض  الوطن ، بالمحبة والارتباط  يتحقق  السلام والأمان وكل فرد يعيش مع اعتقاده الذي ينتمي  إليه ... 

 و نفتحُ كلّ أبواب الحياة
أنتَ فوق سقف الأرضِ
ستصيرُ نبضَها ذات يومٍ
سيصيرُ النهرُ مهرجاناً للرعاةِ 
و الرعاةُ يقطعون وهم الأرض ...
والقصائدُ مثل الأغنيات الحزينة
لا تنتهي مدّة صلاحيتها
هل هذه الأرض هي حقّاً أمّنا ؟!
كما صرتَ عاقّاً يا فتى الأيام القادمات
والأرض تفتحُ جرحَها للندى
و تغنّي سأصيرُ يوماً أمّكم
فمتى ؟؟؟؟
يستمر الشاعر بالفكرة الإيحائية ، لكي يعمق المعنى  في  الرؤيا التي تعطي هدفيه الحياة ومعناها داخل الوطن (و نفتحُ كلّ أبواب الحياة /أنتَ فوق سقف الأرضِ /ستصيرُ نبضَها ذات يومٍ /سيصيرُ النهرُ مهرجاناً للرعاةِ  /و الرعاةُ يقطعون وهم الأرض ) بهذا ستنفتح  أبواب الحياة ويمتلك كل شيء  النبض والحياة ،  ويصير كل شيء أخضر  على الأرض ،وسيحتفي الرعاة بهذا ويقطعون  الوهم  أن  الأرض ليس فيها بور ، بل هي أرض خضراء ،  وهذا ما  يجعل الارتباط بها ارتباطا حقيقيا لأنها هي الحياة التي يجب أن تعيشها ، أي أن السبب في انعدام  الارتباط ليس الأرض فالأرض خضراء وهي رمز الأم التي تعطي دون أن تفرق بين ابنائها  (والقصائدُ مثل الأغنيات الحزينة /لا تنتهي مدّة صلاحيتها /هل هذه الأرض هي حقّاً أمّنا ؟! /كما صرتَ عاقّاً يا فتى الأيام القادمات /والأرض تفتحُ جرحَها للندى /و تغنّي سأصيرُ يوماً أمّكم /فمتى ؟؟؟؟) وتصبح هذه الأرض هي الأم ، لأنها تضم الجميع دون تفرقة  بينهم ، لأن الأم عادلة في عطائها ورغم وجود هذا الحزن وهذا الجرح يبقى الأمل موجودا  أن هذه الأرض ستكون الأم لجميع  أبنائها ،  وسوف هذا اليوم ليتحقق  الحب والسلام في ربوع أرض  هذا الوطن ...
 وأعتمد الشاعر على لسانية الفكرة التي تحقق  الإيحاء  الدلالي  من خلال  الاستعارة الموحية بفكرة النص ، لكي يقارب ما بين المعنى وهذه الاستعارة و من أجل أن يبتعد  عن الغموض ويبتعد عن التأويل الدلالي   في التقارب  لصيغة المعنى الذي أراده  من خلال هذا النص , ونجد هنا أن اللغة حققت  أتساعا في المعنى وفق نسق  التناسل الجوهري في وجدانية النص ،  وما جعل النص يخضع لإيقاع   سمعي بصري في الصورة الشعرية   التي حققها  ،من خلال إضاءة النص من الداخل  وفق الفعالية  المتحققة لمفردات اللغة . وقد  أستطاع الشاعر أن يحقق نصا متوازنا من خلال المعنى الدلالي واللغة  المتجاورة في إيقاعها المتقارب في الصوت  الداخلي  لهذا النص .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق