1- تمهيد
يمكننا القول و بشكل صريح انّ مفهوم الشعر قد تغيّر نحو توّسع في فكرة المجاز ، و دخل فيه و بقوة مصطلح الانزياح مع ما يحمله من تحرّر كبير . و لا بد من التأكيد أنّ فكرة الانزياح وسّعت النظرة الجمالية لخرق اللغة من العلاقة بين المفردات ، الى الخرق للعلاقة بين الجمل و الفقرات في النص .
ان ما يدفعنا للحديث عن فنية الشعر و عن نماذج تحقق الانزياح الشعري ، هو الابتعاد غير المبرر الذي نتج عن فكرة التأويلية ، و فتح الباب أمام التجاورية اللفظية المتجافية و الجافة التي تتجاوز حدود المسوّغ للتركيب .
ان التجاورية الجافة غير المبرّر تخلّ بجمالية العبارة ، حيث انّ الصدمة الحاصلة بالخرق اللغوي لا تنفذ الى العمق ان لم تكن لها مبرر من الألفية ، من دون ذلك لن تنفذ الصدمة الى العمق و تبقى شيئا سطحيا . و اللذة الشعرية في حقيقتها هي ما كانت تضرب في العمق ، و التي لا تذعن الا للطاقة التعبيرية الاضافية للتركيب و ليس مجرد خرق لمنطقية اللغة و ابتداع تجاورات و صور تحقق لاألفة عالية و تبقى في مجال الجفاء . بمعنى أخر ان اهم مميز للانزياح الشعري انه يفيد وظيفية تعبيرية و اضافة في طاقة اللغة ، و يشتمل على ثنائية تضادية تتمثل باللألفة التجاورية الظاهرية النصيّة و الألفة الفكرية العميقة القراءاتية ،وفي هذا ترسيخ و تأكيد لحقيقة ان الشعرية و الابداع تعتمد في جانب منها على القارئ و قراءته ، و يؤكد على ضرورة التداولية و الخطابية في النص الابداعي و تجعل التأويلية في زاوية الاشكال و التساؤل .
2- غاية المقال
الغاية من المقال التمييز بين الانزياح الشعري المحقق لصدمة و ادهاش عميقين ، و بين الانزياح غير المبرر المحقق لصدمة سطحية و جفاء ، و اعطاء فهم مميز للشعرية بانها تشتمل على ثنائية تضادية من اللالفة التجاورية النصية و الالفة الفكرية القراءاتية . كما ان تتبع تلك العناصر هو من ادوات النقد التعبيري العميق او نقد ( ما بعد الاسلوبية ) المتجاوز لاخفاقات النقد الاسلوبي المقتصر على النص ونظام اللغة.
3- النموذج
سنورد هنا نموذجا للانزياح الشعري المحقق لمتطلبات الفكرة المتقدمة ، يتمثل بقصيدة ( الوجه السابع ) للشاعرة العراقية ميادة العاني .
( الوجه السابع )
ميادة العاني
بين رحيلك وتقاطري
جملة اشتهاءاتٍ
سريعة الهرم
أتعرى حروفي
فتلبسني معاجم ارتقاء
أماجن الكلمات
أبيح لها الرقص
على مذبح الرغبة
مدينتي المنكوبة
بسرابيل التواري
اعزيها بقصيدة بائسة
أعيد توزيع العلامات
فوق خرائطي
ألاحق شرفات باسقات
ينتصبن كفحولة ليل عقيم
أعاقر السكرات
بموانئ ضامرة
العالم !
هيستيريا
والانتشاء !
خمرة معتقة لزمن بليد
انتصف
بينك .. وبينك
علُ هذياناً
يقد هلوستي
من قبل
وعند خط
ترسمه الشياطين
نعقد العزم
ننتظر المبادرة
لأمر لم يدبره ليل
فنلوذ بالوهن
لان العمر ولادة للفناء
ونحن !
لا زلنا .. غرباء
خيمتي !
رسائل
.... يتخطاها الفراغ
وسمائي !
شبح كبرياء
... يمطر حمماً جافة
الشبق !
مسلات اعتلاء
... محتقنة بالمكان
تلفظ أنفاسها
وتجيز لنا التجمل على أرصفة
يتراشقها الغرباء
بعيون تفرض تساؤلاتها
أ من وجود يفيض ؟
والعباب
يجثم على أنصاف الحلول ؟
كأنصاف أقطار
تدور !
في محاور الضباب
وكأي كائن منبوذ
اكسر وهما
لأخلق إيهاما
بقلق يمازج راحلتي
فالنرد !
له وجه سابع
يا لخيبتك
المكتنزة بالانزواء
لم اعد أطيق
سأسحب الفاجعة
..... من أذنيها
بوحشية محمومةٍ بالتشظي
ولن أسافر إلى حلم مهزوم
ترقد فيه
أموات الصدى
وسابكيك
بعيون معصوبة
مسها الفجر
عند وطن يلفظه النور
فما جدوى اتساع الحدقات ؟!
لموتى يطلقون سراح الحياة
ويمدون العروق
بالوهم
يتجلى فيهم التوحد
ويلكز خيول مخيلة ثرية
فتكتب نصا
لا يشبه
........ إلا نفسه
يمكننا القول و بشكل صريح انّ مفهوم الشعر قد تغيّر نحو توّسع في فكرة المجاز ، و دخل فيه و بقوة مصطلح الانزياح مع ما يحمله من تحرّر كبير . و لا بد من التأكيد أنّ فكرة الانزياح وسّعت النظرة الجمالية لخرق اللغة من العلاقة بين المفردات ، الى الخرق للعلاقة بين الجمل و الفقرات في النص .
ان ما يدفعنا للحديث عن فنية الشعر و عن نماذج تحقق الانزياح الشعري ، هو الابتعاد غير المبرر الذي نتج عن فكرة التأويلية ، و فتح الباب أمام التجاورية اللفظية المتجافية و الجافة التي تتجاوز حدود المسوّغ للتركيب .
ان التجاورية الجافة غير المبرّر تخلّ بجمالية العبارة ، حيث انّ الصدمة الحاصلة بالخرق اللغوي لا تنفذ الى العمق ان لم تكن لها مبرر من الألفية ، من دون ذلك لن تنفذ الصدمة الى العمق و تبقى شيئا سطحيا . و اللذة الشعرية في حقيقتها هي ما كانت تضرب في العمق ، و التي لا تذعن الا للطاقة التعبيرية الاضافية للتركيب و ليس مجرد خرق لمنطقية اللغة و ابتداع تجاورات و صور تحقق لاألفة عالية و تبقى في مجال الجفاء . بمعنى أخر ان اهم مميز للانزياح الشعري انه يفيد وظيفية تعبيرية و اضافة في طاقة اللغة ، و يشتمل على ثنائية تضادية تتمثل باللألفة التجاورية الظاهرية النصيّة و الألفة الفكرية العميقة القراءاتية ،وفي هذا ترسيخ و تأكيد لحقيقة ان الشعرية و الابداع تعتمد في جانب منها على القارئ و قراءته ، و يؤكد على ضرورة التداولية و الخطابية في النص الابداعي و تجعل التأويلية في زاوية الاشكال و التساؤل .
2- غاية المقال
الغاية من المقال التمييز بين الانزياح الشعري المحقق لصدمة و ادهاش عميقين ، و بين الانزياح غير المبرر المحقق لصدمة سطحية و جفاء ، و اعطاء فهم مميز للشعرية بانها تشتمل على ثنائية تضادية من اللالفة التجاورية النصية و الالفة الفكرية القراءاتية . كما ان تتبع تلك العناصر هو من ادوات النقد التعبيري العميق او نقد ( ما بعد الاسلوبية ) المتجاوز لاخفاقات النقد الاسلوبي المقتصر على النص ونظام اللغة.
3- النموذج
سنورد هنا نموذجا للانزياح الشعري المحقق لمتطلبات الفكرة المتقدمة ، يتمثل بقصيدة ( الوجه السابع ) للشاعرة العراقية ميادة العاني .
( الوجه السابع )
ميادة العاني
بين رحيلك وتقاطري
جملة اشتهاءاتٍ
سريعة الهرم
أتعرى حروفي
فتلبسني معاجم ارتقاء
أماجن الكلمات
أبيح لها الرقص
على مذبح الرغبة
مدينتي المنكوبة
بسرابيل التواري
اعزيها بقصيدة بائسة
أعيد توزيع العلامات
فوق خرائطي
ألاحق شرفات باسقات
ينتصبن كفحولة ليل عقيم
أعاقر السكرات
بموانئ ضامرة
العالم !
هيستيريا
والانتشاء !
خمرة معتقة لزمن بليد
انتصف
بينك .. وبينك
علُ هذياناً
يقد هلوستي
من قبل
وعند خط
ترسمه الشياطين
نعقد العزم
ننتظر المبادرة
لأمر لم يدبره ليل
فنلوذ بالوهن
لان العمر ولادة للفناء
ونحن !
لا زلنا .. غرباء
خيمتي !
رسائل
.... يتخطاها الفراغ
وسمائي !
شبح كبرياء
... يمطر حمماً جافة
الشبق !
مسلات اعتلاء
... محتقنة بالمكان
تلفظ أنفاسها
وتجيز لنا التجمل على أرصفة
يتراشقها الغرباء
بعيون تفرض تساؤلاتها
أ من وجود يفيض ؟
والعباب
يجثم على أنصاف الحلول ؟
كأنصاف أقطار
تدور !
في محاور الضباب
وكأي كائن منبوذ
اكسر وهما
لأخلق إيهاما
بقلق يمازج راحلتي
فالنرد !
له وجه سابع
يا لخيبتك
المكتنزة بالانزواء
لم اعد أطيق
سأسحب الفاجعة
..... من أذنيها
بوحشية محمومةٍ بالتشظي
ولن أسافر إلى حلم مهزوم
ترقد فيه
أموات الصدى
وسابكيك
بعيون معصوبة
مسها الفجر
عند وطن يلفظه النور
فما جدوى اتساع الحدقات ؟!
لموتى يطلقون سراح الحياة
ويمدون العروق
بالوهم
يتجلى فيهم التوحد
ويلكز خيول مخيلة ثرية
فتكتب نصا
لا يشبه
........ إلا نفسه
4- طريقة التحليل
هنا سنبحث ملامح الانزياح الشعري بخاصيتيه المتقدمتين التعبيرية و الثنائية التضادية بين الالفة و اللالفة ، و طريقتنا المعتادة بالتركيز على جزئية واحدة في لغة النص ، و الابتعاد عن الحكم الاجمالي او البحث الكلي لجميع النص ، وهذا منطلق من امرين الاول اننا نعتقد بعلوية الابداع و انه عمل غير عادية لذلك لا يمكن اختزاله في مقال ، بل كل نص تحتاج دراسته الى صفحات و جهات كثيرة ، وهذا نابع من باب الاعتزاز و التقدير للعمل الابداع ، كما انه يوجه اشكالا كبيرا على القراءة المتسرعة . و ثانيا انه من السعي لبلورة نظام افكار يخص نظرية الادب منطلقا من النصوص و الجزئي الخارجي ، فبعد تراكم تلك الابحاث الجزئي نستطيع حينها التوجه نحو بيان معالم نظرية ادبية و نقدية خاصة . و من المهم جدا التسليم بان الابداع ، اي ابداع يتسم بالتدرج ، و التنوع ، لذلك في اي بحث في موضوعة فنية معينة او عنصر جمالي معين ، لا بد ان يتلفت و بدقة الى درجات تجلي تلك الفكرة في النص ، و صورها التي تتمظهر بها ، بمعنى اخر ان اشكال تجلي الفكرة او درجات ذلك التجلي مهمة جماليا لاجل التوصل الى الملامح الدقيقة للعناصر الجمالية .
5- التحليل و القراءة
الانزياح الشعري في النص المتقدم يتجلى بصور مختلفة و درجات مختلفة سنتلمسها في كلماتنا القادمة . تقول الشاعرة ميادة العاني .
( بين رحيلك وتقاطري
جملة اشتهاءاتٍ
سريعة الهرم )
الانزياح هنا ليس اسناديا بين المفردات ، و انما كان بين النظام الجامع بينها ، اذ من الواضح الاختلاف الكبير بين حقل المعنى للرحيل و التقاطر و الاشتهاءات و الهرم ) ، فالانزياح هنا نظامي جملي بلاالفة نصية ظاهرة ، و حقول المعنى للمفردات متباعدة ، اذن نحن امام لاالفة نصية جملية متباعدة . التبرير المعنوي العميق للتركيب له عناصره هنا ، فكلمة ( بين ) اكدت الظرفية الزمانية الوجودية و الحدوثية للاشتهاءات ، فتجلى العام الحدوثي للاشتهاء في ظرف حدوثي ، كما ان الرحيل و ما يبعث من شوق و حنين ، يقابله الحنين و الشوق في الاشتهاءات ، و التقاطر ايضا ينثال منه الذوبان و الفناء لاجل المطلوب ، وهو يشتمل على الحنين و الشوق . اذن الوحدة التبريرة للمجاز الجملي هنا هو الالتقاء الانثيالي ، حيث ان تلك المفردات لا تلتقي في حقولها المعرفية و انما في انثيالاتها .
من هنا يتبين تجلي الخاصية الاولى للانزياح الشعري وهو الثنائية التضادية المعنوية ، و اما الخاصية الثانية وهو التعبيرية و توسيع طاقات اللغة ، فمن الواضح الارتقاء العالي للغة بهذا النظام الذي احدثته الشاعرة ، اذ لا ريب في تعاظم الابهار و الدلالة في الاستعارات الموجودة في التقاطر و الاشتهاءات و الهرم السريع . و بهذا فالتركيب مع تعالي انزياحاته فانه قدم بوحا عميقا و انساينا و اقترب من القصد القراءاتي ، و بذلك يقدم لنا لغة شعرية مدهشة و جمالية و هادفة و بناءة ، ترفع من مستوى اللغة و مستوى القراءة و تحقيق الجمال الشعري بكل منطقية و علو .و هذا الشكل نجده حاضرا ايضا في مقطع اخر للشاعرة تقول فيه
(الشبق !
مسلات اعتلاء
... محتقنة بالمكان
تلفظ أنفاسها )
فانا نجد التباعد المعنوي بين المفردات و ان التبريرات المعنوية و التحاطبية عميقة و انثيالية فهذا من الانزياح الجملي الانثيالي . وفي مقطع عالي الفنية أخر تقول الشاعرة
(أماجن الكلمات
أبيح لها الرقص
على مذبح الرغبة )
هنا الانزياح يقع بين المفردات و ضمن حقول معنوية متقاربة ، ليست كالصورة السابقة ، اذ الالتقاء هنا لا يحتاج الى التبرير الانثيالي ، و انما يحصل بذات البعد الحقلي للمعنى لكل مفردة .
فعبارة ( اماجن الكلمات ) من القريب جدا فهم الدلالة القريبة لكلمة اماجن بفعل الكتابة و الكلام ، فتكون استعارة تعبيرية قريبة تلتقي في حقل المعنى ، الا انها بطاقة تعبيرية اضافية واضحة ، فتتحقق الخاصيتين للانزياح الشعري هنا ، و كذا في عبارة ( ابيح لها الرقص على مذبح الرغبة ) بل ان التقارب في حقول المعنى هنا اوضح ، الا انه لا يصل الى حد الوضوح الكبير في غيرها من الانزياحات التوصيلية التي تتدخل حقول المعنى الى اقرب من ذلك . اذن لدينا هنا انزياح مفرداتي حقلي في قبال الانزياح السابق الذي كان انزياحا جمليا انثياليا . وكذا نجد هذه الخصائص في مقطع أخر للشاعرة تقول فيه :
(! ونحن
لا زلنا .. غرباء
خيمتي !
رسائل
.... يتخطاها الفراغ
وسمائي !
شبح كبرياء
... يمطر حمماً جافة )
اذ من البين ان الانزياحات هنا في تعابير هذا المقطع ترجع الى الانزياح المفرداتي الحقلي . و في مقطع اخر تقول الشاعرة
(سأسحب الفاجعة
..... من أذنيها
بوحشية محمومةٍ بالتشظي )
نلاحظ المجاز الاسنادي بين المفردات ، لكن التباعد الحقلي كبير بينها ، فلا يبرره الا الانثيالات ، بين الفاجعة و الاذن ، و الوحشية و التشظي ، فالانزياح هنا و ان كان مفرداتيا الا انه انثيالي . و كذا نجد هذه الخصائص في مقطع اخر للشاعر تقول فيه :
(ألاحق شرفات باسقات
ينتصبن كفحولة ليل عقيم
أعاقر السكرات
بموانئ ضامرة )
فمن الواضح الالفة النصية بين الملاحقة و الشرفات و في فحولة ليل عقيم و اعاقر السكرات و موانئ ضامرة . و في مقطع فذ تقول الشاعرة
( وعند خط
ترسمه الشياطين
نعقد العزم
ننتظر المبادرة
لأمر لم يدبره ليل
فنلوذ بالوهن
لان العمر ولادة للفناء )
من الواضح الانزياحات الجملية التوظيفية هنا ، كما ان الطاقة التعبيرية العالية متجلية .في خط ترسمه الشياطين ، و نلوذ بالوهن ) . كما انه من الظاهر التقارب الشديد بين حقول المعنى للمفردات ، بل انها تنتمي الى حقل معنوي واحد هو الارادة ، بل يمكن ارجاعها جميعا الى اجناس موحدة هي ارادة الانسانية و الجماعة و المدينة التي ذكرتها الشاعرة سابقا ، و الوهن و الضعف . اذن للعبارة دلالة واضحة بل وقاهرة توجه القارئ الى عالم و حقل معنوي و الاواصر المعنوية بين المفردات واضحة ، فهذا شكل للانزياح الشعري الجملي الحقلي ، تكون فيه اطراف نظام الانزياح من حقل معنوي واحد ، بل من جنس معنوي واحد ، اذن التبرير التخطابي شديد الوضوح ، وهذا ما يمكن ان نسميه بالانزياح الشعري قوي الأصرة . و هكذا الوصف و النظام في مقطع اخر للشاعر تقول فيه :
(وسابكيك
بعيون معصوبة
مسها الفجر
عند وطن يلفظه النور
فما جدوى اتساع الحدقات ؟!
لموتى يطلقون سراح الحياة
ويمدون العروق
بالوهم
يتجلى فيهم التوحد
ويلكز خيول مخيلة ثرية
فتكتب نصا
لا يشبه )
اذ من الواضح اشتمل هذا المقطع على الصفات المتقدمة فتكون عباراته من الانزياح الشعري شديد الاصرة .
6 النتيجة
يفيدنا النص المتقدم و ما خطته يد الشاعرة ميادة العاني ، ان للانزياح الشعري صور و درجات ، فمنه ما يكون اسناديا و منه ما يكون جمليا ، و منه ما يكون حقليا و منه ما يكون انثياليا ، فيكون لدينا اربعة اشكال بدرجات اربع :
الشكل الاول : الانزياح الحقلي المفرداتي
الشكل الثاني : الانزياح الحقلي الجملي
الشكل الثالث : الانزياح الانثيالي المفرداتي
الشكل الرابع : الانزياح النثيالي الجملي .
7- الخاتمة
لاجل الخروج من ازمة جفاء اللغة و الانغلاق و الترميز الموحش ، لا بد ان تشتمل اللغة الجميلة و التعبيرات الجمالية على تبريرات تخاطبية معنوية قريبة حقلية او بعيدة انثيالية ، لاجل النفوذ الى اعماق المتلقي و احداث الدهشة الجمالية العميقة التي تعرّف الشعر الحق و تميزه عن التجاورات البنائية الجافة و المتجافية .
هنا سنبحث ملامح الانزياح الشعري بخاصيتيه المتقدمتين التعبيرية و الثنائية التضادية بين الالفة و اللالفة ، و طريقتنا المعتادة بالتركيز على جزئية واحدة في لغة النص ، و الابتعاد عن الحكم الاجمالي او البحث الكلي لجميع النص ، وهذا منطلق من امرين الاول اننا نعتقد بعلوية الابداع و انه عمل غير عادية لذلك لا يمكن اختزاله في مقال ، بل كل نص تحتاج دراسته الى صفحات و جهات كثيرة ، وهذا نابع من باب الاعتزاز و التقدير للعمل الابداع ، كما انه يوجه اشكالا كبيرا على القراءة المتسرعة . و ثانيا انه من السعي لبلورة نظام افكار يخص نظرية الادب منطلقا من النصوص و الجزئي الخارجي ، فبعد تراكم تلك الابحاث الجزئي نستطيع حينها التوجه نحو بيان معالم نظرية ادبية و نقدية خاصة . و من المهم جدا التسليم بان الابداع ، اي ابداع يتسم بالتدرج ، و التنوع ، لذلك في اي بحث في موضوعة فنية معينة او عنصر جمالي معين ، لا بد ان يتلفت و بدقة الى درجات تجلي تلك الفكرة في النص ، و صورها التي تتمظهر بها ، بمعنى اخر ان اشكال تجلي الفكرة او درجات ذلك التجلي مهمة جماليا لاجل التوصل الى الملامح الدقيقة للعناصر الجمالية .
5- التحليل و القراءة
الانزياح الشعري في النص المتقدم يتجلى بصور مختلفة و درجات مختلفة سنتلمسها في كلماتنا القادمة . تقول الشاعرة ميادة العاني .
( بين رحيلك وتقاطري
جملة اشتهاءاتٍ
سريعة الهرم )
الانزياح هنا ليس اسناديا بين المفردات ، و انما كان بين النظام الجامع بينها ، اذ من الواضح الاختلاف الكبير بين حقل المعنى للرحيل و التقاطر و الاشتهاءات و الهرم ) ، فالانزياح هنا نظامي جملي بلاالفة نصية ظاهرة ، و حقول المعنى للمفردات متباعدة ، اذن نحن امام لاالفة نصية جملية متباعدة . التبرير المعنوي العميق للتركيب له عناصره هنا ، فكلمة ( بين ) اكدت الظرفية الزمانية الوجودية و الحدوثية للاشتهاءات ، فتجلى العام الحدوثي للاشتهاء في ظرف حدوثي ، كما ان الرحيل و ما يبعث من شوق و حنين ، يقابله الحنين و الشوق في الاشتهاءات ، و التقاطر ايضا ينثال منه الذوبان و الفناء لاجل المطلوب ، وهو يشتمل على الحنين و الشوق . اذن الوحدة التبريرة للمجاز الجملي هنا هو الالتقاء الانثيالي ، حيث ان تلك المفردات لا تلتقي في حقولها المعرفية و انما في انثيالاتها .
من هنا يتبين تجلي الخاصية الاولى للانزياح الشعري وهو الثنائية التضادية المعنوية ، و اما الخاصية الثانية وهو التعبيرية و توسيع طاقات اللغة ، فمن الواضح الارتقاء العالي للغة بهذا النظام الذي احدثته الشاعرة ، اذ لا ريب في تعاظم الابهار و الدلالة في الاستعارات الموجودة في التقاطر و الاشتهاءات و الهرم السريع . و بهذا فالتركيب مع تعالي انزياحاته فانه قدم بوحا عميقا و انساينا و اقترب من القصد القراءاتي ، و بذلك يقدم لنا لغة شعرية مدهشة و جمالية و هادفة و بناءة ، ترفع من مستوى اللغة و مستوى القراءة و تحقيق الجمال الشعري بكل منطقية و علو .و هذا الشكل نجده حاضرا ايضا في مقطع اخر للشاعرة تقول فيه
(الشبق !
مسلات اعتلاء
... محتقنة بالمكان
تلفظ أنفاسها )
فانا نجد التباعد المعنوي بين المفردات و ان التبريرات المعنوية و التحاطبية عميقة و انثيالية فهذا من الانزياح الجملي الانثيالي . وفي مقطع عالي الفنية أخر تقول الشاعرة
(أماجن الكلمات
أبيح لها الرقص
على مذبح الرغبة )
هنا الانزياح يقع بين المفردات و ضمن حقول معنوية متقاربة ، ليست كالصورة السابقة ، اذ الالتقاء هنا لا يحتاج الى التبرير الانثيالي ، و انما يحصل بذات البعد الحقلي للمعنى لكل مفردة .
فعبارة ( اماجن الكلمات ) من القريب جدا فهم الدلالة القريبة لكلمة اماجن بفعل الكتابة و الكلام ، فتكون استعارة تعبيرية قريبة تلتقي في حقل المعنى ، الا انها بطاقة تعبيرية اضافية واضحة ، فتتحقق الخاصيتين للانزياح الشعري هنا ، و كذا في عبارة ( ابيح لها الرقص على مذبح الرغبة ) بل ان التقارب في حقول المعنى هنا اوضح ، الا انه لا يصل الى حد الوضوح الكبير في غيرها من الانزياحات التوصيلية التي تتدخل حقول المعنى الى اقرب من ذلك . اذن لدينا هنا انزياح مفرداتي حقلي في قبال الانزياح السابق الذي كان انزياحا جمليا انثياليا . وكذا نجد هذه الخصائص في مقطع أخر للشاعرة تقول فيه :
(! ونحن
لا زلنا .. غرباء
خيمتي !
رسائل
.... يتخطاها الفراغ
وسمائي !
شبح كبرياء
... يمطر حمماً جافة )
اذ من البين ان الانزياحات هنا في تعابير هذا المقطع ترجع الى الانزياح المفرداتي الحقلي . و في مقطع اخر تقول الشاعرة
(سأسحب الفاجعة
..... من أذنيها
بوحشية محمومةٍ بالتشظي )
نلاحظ المجاز الاسنادي بين المفردات ، لكن التباعد الحقلي كبير بينها ، فلا يبرره الا الانثيالات ، بين الفاجعة و الاذن ، و الوحشية و التشظي ، فالانزياح هنا و ان كان مفرداتيا الا انه انثيالي . و كذا نجد هذه الخصائص في مقطع اخر للشاعر تقول فيه :
(ألاحق شرفات باسقات
ينتصبن كفحولة ليل عقيم
أعاقر السكرات
بموانئ ضامرة )
فمن الواضح الالفة النصية بين الملاحقة و الشرفات و في فحولة ليل عقيم و اعاقر السكرات و موانئ ضامرة . و في مقطع فذ تقول الشاعرة
( وعند خط
ترسمه الشياطين
نعقد العزم
ننتظر المبادرة
لأمر لم يدبره ليل
فنلوذ بالوهن
لان العمر ولادة للفناء )
من الواضح الانزياحات الجملية التوظيفية هنا ، كما ان الطاقة التعبيرية العالية متجلية .في خط ترسمه الشياطين ، و نلوذ بالوهن ) . كما انه من الظاهر التقارب الشديد بين حقول المعنى للمفردات ، بل انها تنتمي الى حقل معنوي واحد هو الارادة ، بل يمكن ارجاعها جميعا الى اجناس موحدة هي ارادة الانسانية و الجماعة و المدينة التي ذكرتها الشاعرة سابقا ، و الوهن و الضعف . اذن للعبارة دلالة واضحة بل وقاهرة توجه القارئ الى عالم و حقل معنوي و الاواصر المعنوية بين المفردات واضحة ، فهذا شكل للانزياح الشعري الجملي الحقلي ، تكون فيه اطراف نظام الانزياح من حقل معنوي واحد ، بل من جنس معنوي واحد ، اذن التبرير التخطابي شديد الوضوح ، وهذا ما يمكن ان نسميه بالانزياح الشعري قوي الأصرة . و هكذا الوصف و النظام في مقطع اخر للشاعر تقول فيه :
(وسابكيك
بعيون معصوبة
مسها الفجر
عند وطن يلفظه النور
فما جدوى اتساع الحدقات ؟!
لموتى يطلقون سراح الحياة
ويمدون العروق
بالوهم
يتجلى فيهم التوحد
ويلكز خيول مخيلة ثرية
فتكتب نصا
لا يشبه )
اذ من الواضح اشتمل هذا المقطع على الصفات المتقدمة فتكون عباراته من الانزياح الشعري شديد الاصرة .
6 النتيجة
يفيدنا النص المتقدم و ما خطته يد الشاعرة ميادة العاني ، ان للانزياح الشعري صور و درجات ، فمنه ما يكون اسناديا و منه ما يكون جمليا ، و منه ما يكون حقليا و منه ما يكون انثياليا ، فيكون لدينا اربعة اشكال بدرجات اربع :
الشكل الاول : الانزياح الحقلي المفرداتي
الشكل الثاني : الانزياح الحقلي الجملي
الشكل الثالث : الانزياح الانثيالي المفرداتي
الشكل الرابع : الانزياح النثيالي الجملي .
7- الخاتمة
لاجل الخروج من ازمة جفاء اللغة و الانغلاق و الترميز الموحش ، لا بد ان تشتمل اللغة الجميلة و التعبيرات الجمالية على تبريرات تخاطبية معنوية قريبة حقلية او بعيدة انثيالية ، لاجل النفوذ الى اعماق المتلقي و احداث الدهشة الجمالية العميقة التي تعرّف الشعر الحق و تميزه عن التجاورات البنائية الجافة و المتجافية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق