أبحث عن موضوع

الجمعة، 10 أبريل 2015

( الموعد ) .. قصة قصيرة....................... بقلم : عدلي شما /// فلسطين





عندما انتصف الليل ، كنت قد انتهيت من كتابة قصيدة طال مخاضها
كان الليل هادئا جدا الا من صوت فيروز الذي كان ينساب دافئا من المذياع الصغير القابع بجانب السرير

لا خضر الأسامي و لا لوزيات
لا كحلي بحري و لا شتويات
و لا لونن أزرق قديم ما بيعتق
و لا سود وساع و لا عسليات

رن جرس الهاتف ، انها هي لقد خصصت لها رنة فيروزية حانية
اسمعتها القصيدة على الهاتف وقلت لها ان هذه القصيدة كتبت خصيصا لها
لست شاعرة ولكن قصيدتك جعلتني احس بالدفء
تمنيت لها احلاما سعيدة واتفقنا ان نلتقي
في مساء اليوم الثاني كنا معا في الحديقة العامة وقد اخترنا مقعدا بعيدا عن الاعين
حدثتها عن لوركا الشاعر الوسيم وقرأت لها بعضا من قصائده
اعترفتْ انها لم تسمع به ووعدتني ان تقرأ له
حدثتني عن غسان كنفاني وعن روايته ( عائد الى حيفا ) وكيف انها قرأتها في ليلة واحدة
حدثتها عن ادونيس والسياب وفدوى طوقان
قالت انها تجد نفسها في الرواية اكثر من الشعر
قراءاتي للشعر قليلة ، قد يكون السبب جهلي ببحور الشعر
وعدتها ان اشرح لها في كل اسبوع بحرا من بحور الشعر حتى تصبح اشعر من لميعة عباس عمارة
قالت لي انها لا تعرف هذه المرأة
ابتسمتُ ولم ارد
حدثتني عن جيفارا
كم هو قريب من الانبياء ، لقد آمن بالانسان
حدثتني عن كافكا
قالت لو لم يكن يهوديا لاحببته اكثر
قلت لقد كان يهوديا وليس صهيونيا
قالت بانفعال كفى تلاعبا بالالفاظ ، لقد كان هيرتزل يهوديا قبل ان يصبح صهيونيا مؤسسا
حدثتني عن فيكتور هوجو وعن همنجوي
لا يمكن ان انسى رواية ( لمن تقرع الاجراس ) ، لقد قرأتها قبل سنتين
سالتها وماذا عن جارسيا ماركيز ، هل قرأت روايته ( مائة عام من العزلة )
قالت انها قرأتها ثلاث مرات وتفكر ان تقرأها مرة رابعة
اثنيت على ثقافتها العالية واختياراتها الجميلة للروايات وكم كنت اتمنى لو كانت تشاركني اهتماماتي الشعرية
هذا المساء كان باردا فقد كان الشتاء يتسلل الى الابواب منتظرا الدخول بعد ان ودعنا الخريف مسقطا اوراق الشجر ، لذا اخترت طاولة في زاوية المقهى بعيدا عن الشبابيك التي كانت تتسلل منها البرودة
كنت ادندن بصوت خافت اغنية فيروز

ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك
ذكرني ورقو ذهب مشغول ذكرني فيك
رجع أيلول و أنت بعيد
بغيمة حزينة قمرها وحيد

قالت بانها ستاتي الساعة الثامنة مساء لذا اتيت قبل ذلك بساعة كي استمتع بلذة الانتظار
طلبت قهوة مرة ثم سألت النادل ان كان يملك اشرطة لفيروز
قال بلى
اكون شاكرا لو اسمعتني بعضا منه
ركض النادل الى المسجل ومن هناك انساب صوت فيروز الملائكي

ما في حدا لا تندهي ما في حدا
عتم و طريق و طير طاير عالهدا
بابن مسكر و العشب غطى الدراج
شو قولكن صاروا صدى

كان عقربا الساعة يشيران الى الثامنة تماما عندما تسمرت عيناي على باب المقهي
شعرت بالفرح يملأ قلبي عندما تخليتها وقد دلفت الى المقهى كعصفورة جميلة
تمنيت لو انها كانت تلبس ذلك الفستان الازرق الذي يذكرني بزرقة البحر وزرقة السماء او ذاك الاخضر الذي يذكرني بحديقة منزلها
تمنيت لو انها كانت تلبس الاسود الذي يذكرني بليل طويل سهرته لاكتب اشعارا اهديها اياها في الصباح
شعرت بالنشوة وانا استعرض في مخيلتي فساتينها وقمصانها
لكنها لم تأت وقد مر على موعدها نصف ساعة
ساعة
ساعتان
ثلاثة
لم تأت
بدأ رواد المقهى بمغادرته فيما راح النادل يطفئ الاضواء واحدا واحدا ويستعد للمغادرة
غادرت وقد استبد بي القلق
اتصلت بها مرارا الا ان هاتفها كان مغلقا
منذ الساعة الثامنة وانا اتصل بها وهاتفها مغلق
مشيت في الشارع البارد وانا اخبئ عنقي بياقة قميصي
بدا الشارع فارغا الا من بعض السهارى الذين غادروا السينما وبعض باعة الحلوى والجرائد
اختطفت جريدة مسائية ومسحت عناوينها على عجل
غامت عيناي عندما قرأت اسمها من بين اسماء عشرين طالبا وطالبة اعتقلوا في الليلة الماضية

- انتهت -
( عدلي شما ) 10-4-2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق