قراءة اولية في .. معطف غوغول
( كلنا خرجنا من معطف غوغول )
فيودور ديستويفسكي
قرن مضى وانقضى من الآخر اكثر من نصفه ومعطف اكاكي اكاكيفيتش لم يبلَ ... ولم تخلُ جيوبه من الإنسانية المعبأ بها على مر تلك الحقبة من الأزمنة المتعاقبة
منذ ذلك الحين والإنسان يتوارث الظلم وتتعاقب على كاهله قلوب رثة مزقها حقد الإنسان على الإنسان والتعامل الفوقي والطبقي حتى أصبح صفة سائدة , سرعان ما أخذت في التفشي والانحدار نحو وديان من السواد الذي يملأ بني البشر .
هذا ما جسده الروائي والكاتب الكبير نيكولاي غوغول في روايته الشهيرة ( المعطف ) .
ان قراءة اولية لهذه القصة تفرض على القارئ نوعا من مشاعر الضيق والكبت وانعدام الحيلة إزاء ما يجري من أحداث تميل إلى الواقعية بكافة مفرداتها وتفصيلاتها لما تعكسه من متناقضات حسية تجري على نسق واحد في التضاد , فمرة نجدنا نركن الى العطف ازاء هذا الاكاكي الخاضع الخانع والذي لازمه بؤسه منذ الولادة وكأنما ولدت معه وختمت بالبائس على جبينه لدرجة ان عانى الاهل في ايجاد مسمى مناسب له الا ان الامور كانت تسير باتجاه مغاير لما يطمحون اليه فسمي على اسم ابيه اضطرارا .
ومرة تجد الإحساس يحذو نحو السخط إزاء سلبيته المفرطة تجاه ضغوطات الحياة ومجريات الامور لدرجة تمنحك الحق في التشفي الا ان طيبته كانسان وهدوءه يجبرك على التأني في الحكم .
توضح القصة مكامن القوة المتمثلة بالسلطوية العارمة للإفراد والخضوع التام غير المبرر للاغلبية , وتتمثل هذه السلطة .. وكما هو سائد حتى يومنا هذا .. بالإمساك بطرف العصا والسيطرة على دخل الفرد وذلك تكون أرجحة العصا حرة بيد من يمتلكها .
قبل التركيز على مفردات وتراكيب هذه القصة , نجد ان لهذا الكاتب ولهذه القصة بالذات معطفا تربى تحت كنفه جيلا من شخصيات الأدب الراقي الروسي منه والغربي أمثال ( هيجو .. ديستويفسكي ..تولستوي.. وغيرهم ) أسماء لمعت نجوما في سماء الفن والادب . لما تميزت به من فنية وحسية متكاملة قلمن نجدها بذات التوازن في مثيلاتها .. وتتميز بالتفرد والتنامي وكانها كتلة بشرية اجتمع فيها المجتمع الانساني برمته في مجموعة من الكلمات التي اختزلته بجزالتها .. ونجدها تتناسب مع كل العصور والازمنة وتحاكي القراء بشتى مستويات الوعي والادراك فيتذوقها القارئ العادي ويتعلم منها الاديب .
وهذا ماجسدته عبارة الروائي ديستويفسكس التي استهلت هذه القراءة ليختزل ويعطي صورة جلية عن خط البناء المتصاعد والحبكة المتراصة لهذه القصة ..
اضف الى ذلك ماتحمله هذه القصة من بعد انساني يترامى من خلال ما استطاع الكاتب ان يصفه بجدارة القادر على تحسس القلوب .. حين ركز على اختلاجات موظف الدرجة التاسعة ومدى فرحته بمعطفه الجديد الذي بدا بعيد المنال حتى عن سماء مخيلته .في قوله :
(( كان اكاكي اكاكيفيتش يسير في اشد مشاعره ابتهاجا واحتفالا . وكان يحس في كل ثانية من الدقيقة ان على كتفيه معطفه الجديد .. وضحك بسخرية عدة مرات خلسة , من فرط سروره الداخلي .. ففي الواقع فائدتان : الاولى كونه دافئا والاخرى كونه جيدا )) .
واستطاع ان يجعل القارئ يعيش في اجواء روحية مع اكاكي اكاكيفيتش ومع كل الفقراء على شاكلته والتي تحلم بالدفء ولقمة العيش .
وبنفس المستوى من التاثير يصور لنا هذه المشاعر ولكن بشكل مغاير حين يصف احباطات هذا الانسان حين تتم سرقة هذا المعطف ( الحلم ) :
((احس كيف نزع المعطف منه ..وجهت اليه ركلة وقع على اثرها في الثلج على ظهره ولم يحس بشئ اكثر من هذا .. وبعد بضع دقائق صحا على نفسه واستوى على قدميه. ولكن لم يعد احد موجودا لقد احس ان الجو بارد وان المعطف غير موجود فجفل يصرخ .. ولكن بدا ان الصوت لايبلغ اطراف الساحة فانهد يركض مستميتا دون ان يكف عن الصراخ ))
ولكونه من ذوي الحاجة الى اصحاب اليد الطولى .. ف۾ٿ¿ٿؽ۟ýٿڿًابا ماكان يجرؤ على المرور امامها حتى وصل الى تلك الشخصية الهامة ( الجنرال فارلامونيتش )الذي بدوره بدد له كل حلم باسترداد معطفه الذي مضغ جوعه صياما شهورا طويلة ليوفر جزءا من ثمنه الذي اضاف اليه كل ما ادخره ليتم ثمنا لحلم لم يدم اكثر من سويعات معدودة .
وليزرع خوفه وارتعابه في نفس تلك الشخصية الهامة الثمالة بفكرة ان كلمته تستطيع ان تجرد الانسان من حواسه .
هبط السلم وتلاشت عنه ذاكرته ووعيه ورمت به رياح بطرسبيرغ في فراش الموت الذي استدركه مسرعا ورمى به الى حتفه .. فدخل قبره دون ذنب جناه سوى انه انسان فقير .. كان له قبيل نهاية حياته ( حلم ).
مات الفقير ودفن كاي نكرة او حشرة في المجتمع . حتى دون ان يعلم بع زملاؤه في المديرية حيث كان يعمل .
هنا خرج الكاتب عن المالوف بشئ من الخيال حين جسد حالة التمرد في روح هذا الانسان التي بقيت غير مستقرة ومعلقة بذاك المعطف ..
والذي لم يستطع اكاكي فعله في حياته استطاعت روحه ان تنزع عنها خوفها وتزرعه في نفس الشخصية الهامة لتسلبه معطفه سالكة نفس الاسلوب الذي قاد اكاكي الى قبره ..
انه الانتقام المتجسد في البشر على حد سواء الهامة منها والمنزوية ليكون الاختلاف فقط في الاسلوب المتبع .
هي قصة تتكرر يوميا ليس فقط باحداثها بل في بعدها الانساني والحقوق المستلبة ورد الفعل تجاه كل تلك السوداوية .
هو معطف تنعطف معه المشاعر بشئ من الرقة والخوف والحرمان .. قد يشيع به الدفء وقد يكون مسلكا نحو برد لانهاية له .
( كلنا خرجنا من معطف غوغول )
فيودور ديستويفسكي
قرن مضى وانقضى من الآخر اكثر من نصفه ومعطف اكاكي اكاكيفيتش لم يبلَ ... ولم تخلُ جيوبه من الإنسانية المعبأ بها على مر تلك الحقبة من الأزمنة المتعاقبة
منذ ذلك الحين والإنسان يتوارث الظلم وتتعاقب على كاهله قلوب رثة مزقها حقد الإنسان على الإنسان والتعامل الفوقي والطبقي حتى أصبح صفة سائدة , سرعان ما أخذت في التفشي والانحدار نحو وديان من السواد الذي يملأ بني البشر .
هذا ما جسده الروائي والكاتب الكبير نيكولاي غوغول في روايته الشهيرة ( المعطف ) .
ان قراءة اولية لهذه القصة تفرض على القارئ نوعا من مشاعر الضيق والكبت وانعدام الحيلة إزاء ما يجري من أحداث تميل إلى الواقعية بكافة مفرداتها وتفصيلاتها لما تعكسه من متناقضات حسية تجري على نسق واحد في التضاد , فمرة نجدنا نركن الى العطف ازاء هذا الاكاكي الخاضع الخانع والذي لازمه بؤسه منذ الولادة وكأنما ولدت معه وختمت بالبائس على جبينه لدرجة ان عانى الاهل في ايجاد مسمى مناسب له الا ان الامور كانت تسير باتجاه مغاير لما يطمحون اليه فسمي على اسم ابيه اضطرارا .
ومرة تجد الإحساس يحذو نحو السخط إزاء سلبيته المفرطة تجاه ضغوطات الحياة ومجريات الامور لدرجة تمنحك الحق في التشفي الا ان طيبته كانسان وهدوءه يجبرك على التأني في الحكم .
توضح القصة مكامن القوة المتمثلة بالسلطوية العارمة للإفراد والخضوع التام غير المبرر للاغلبية , وتتمثل هذه السلطة .. وكما هو سائد حتى يومنا هذا .. بالإمساك بطرف العصا والسيطرة على دخل الفرد وذلك تكون أرجحة العصا حرة بيد من يمتلكها .
قبل التركيز على مفردات وتراكيب هذه القصة , نجد ان لهذا الكاتب ولهذه القصة بالذات معطفا تربى تحت كنفه جيلا من شخصيات الأدب الراقي الروسي منه والغربي أمثال ( هيجو .. ديستويفسكي ..تولستوي.. وغيرهم ) أسماء لمعت نجوما في سماء الفن والادب . لما تميزت به من فنية وحسية متكاملة قلمن نجدها بذات التوازن في مثيلاتها .. وتتميز بالتفرد والتنامي وكانها كتلة بشرية اجتمع فيها المجتمع الانساني برمته في مجموعة من الكلمات التي اختزلته بجزالتها .. ونجدها تتناسب مع كل العصور والازمنة وتحاكي القراء بشتى مستويات الوعي والادراك فيتذوقها القارئ العادي ويتعلم منها الاديب .
وهذا ماجسدته عبارة الروائي ديستويفسكس التي استهلت هذه القراءة ليختزل ويعطي صورة جلية عن خط البناء المتصاعد والحبكة المتراصة لهذه القصة ..
اضف الى ذلك ماتحمله هذه القصة من بعد انساني يترامى من خلال ما استطاع الكاتب ان يصفه بجدارة القادر على تحسس القلوب .. حين ركز على اختلاجات موظف الدرجة التاسعة ومدى فرحته بمعطفه الجديد الذي بدا بعيد المنال حتى عن سماء مخيلته .في قوله :
(( كان اكاكي اكاكيفيتش يسير في اشد مشاعره ابتهاجا واحتفالا . وكان يحس في كل ثانية من الدقيقة ان على كتفيه معطفه الجديد .. وضحك بسخرية عدة مرات خلسة , من فرط سروره الداخلي .. ففي الواقع فائدتان : الاولى كونه دافئا والاخرى كونه جيدا )) .
واستطاع ان يجعل القارئ يعيش في اجواء روحية مع اكاكي اكاكيفيتش ومع كل الفقراء على شاكلته والتي تحلم بالدفء ولقمة العيش .
وبنفس المستوى من التاثير يصور لنا هذه المشاعر ولكن بشكل مغاير حين يصف احباطات هذا الانسان حين تتم سرقة هذا المعطف ( الحلم ) :
((احس كيف نزع المعطف منه ..وجهت اليه ركلة وقع على اثرها في الثلج على ظهره ولم يحس بشئ اكثر من هذا .. وبعد بضع دقائق صحا على نفسه واستوى على قدميه. ولكن لم يعد احد موجودا لقد احس ان الجو بارد وان المعطف غير موجود فجفل يصرخ .. ولكن بدا ان الصوت لايبلغ اطراف الساحة فانهد يركض مستميتا دون ان يكف عن الصراخ ))
ولكونه من ذوي الحاجة الى اصحاب اليد الطولى .. ف۾ٿ¿ٿؽ۟ýٿڿًابا ماكان يجرؤ على المرور امامها حتى وصل الى تلك الشخصية الهامة ( الجنرال فارلامونيتش )الذي بدوره بدد له كل حلم باسترداد معطفه الذي مضغ جوعه صياما شهورا طويلة ليوفر جزءا من ثمنه الذي اضاف اليه كل ما ادخره ليتم ثمنا لحلم لم يدم اكثر من سويعات معدودة .
وليزرع خوفه وارتعابه في نفس تلك الشخصية الهامة الثمالة بفكرة ان كلمته تستطيع ان تجرد الانسان من حواسه .
هبط السلم وتلاشت عنه ذاكرته ووعيه ورمت به رياح بطرسبيرغ في فراش الموت الذي استدركه مسرعا ورمى به الى حتفه .. فدخل قبره دون ذنب جناه سوى انه انسان فقير .. كان له قبيل نهاية حياته ( حلم ).
مات الفقير ودفن كاي نكرة او حشرة في المجتمع . حتى دون ان يعلم بع زملاؤه في المديرية حيث كان يعمل .
هنا خرج الكاتب عن المالوف بشئ من الخيال حين جسد حالة التمرد في روح هذا الانسان التي بقيت غير مستقرة ومعلقة بذاك المعطف ..
والذي لم يستطع اكاكي فعله في حياته استطاعت روحه ان تنزع عنها خوفها وتزرعه في نفس الشخصية الهامة لتسلبه معطفه سالكة نفس الاسلوب الذي قاد اكاكي الى قبره ..
انه الانتقام المتجسد في البشر على حد سواء الهامة منها والمنزوية ليكون الاختلاف فقط في الاسلوب المتبع .
هي قصة تتكرر يوميا ليس فقط باحداثها بل في بعدها الانساني والحقوق المستلبة ورد الفعل تجاه كل تلك السوداوية .
هو معطف تنعطف معه المشاعر بشئ من الرقة والخوف والحرمان .. قد يشيع به الدفء وقد يكون مسلكا نحو برد لانهاية له .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق