نص ( أمنيات جوّالة ) نص شعري مشترك بين الشاعرين العراقيين سعد غلام و أنور غني الموسوي ، و يعدّ تجربة غير مسبوقة ليس على المستوى العراقي المحلي بل و العربي في حدود معلوماتنا .
و الحديث عن نص ابداعي مشترك يكون في ثلاث جهات مهمة ، الاولى نظرية النص المشترك و النظرة النقدية له ، و الثانية الجهة العملية و التطبيق ، و الثالثة تحليل النص جماليا و هذه الجهة الأخيرة سنفرد لها مقالة خاصة .
الجهة الأولى : نظرية النص المشترك
لا ريب ان ّعمل نص مشترك بين مؤلفين ، يواجه مجموعة من التحديات التقنينية و الفكرية ، بل و الفلسفية ايضا ، و ما يهمنا من الامر ، امكانية الاضافة في هكذا عمل . و ربما يكون اهم غايات العمل المشترك هو تحدي الفرضيات التي لا تستند الى واقعية ، كالابحاث الثقافية و النفسية و الاجتماعية في النقد . ان النص المشترك هو اعلان حقيقي عن غروب أبدي لفرضيات النقد الخارجي غير المرتبط بلغة النص ، او ما يمكن ان نسميه النقد اللالغوي او البيئي بالمعنى الأعم ، كالنقد النفسي و الاجتماعي و الثقافي و نجوها و التي تبحث عن جوانب جمالية في خلفيات المؤلف و ظروفه و بيئته خارج لغة النص ، حيث ان التأليف المشترك يسقط جميع ادوات التحليل في تلك الجوانب .
من جهة أخرى وحدة النص العميقة تواجه النص المشترك كتحدّ ، و لا نقصد هنا الوحدة العضوية الشكلية لأنها سهلة المنال ، و انما نقصد الوحدة العميقة التي تتعلق بمجال اللغة و عالمها الفكري ، و المرتبط بالمفاهيم ، حيث انّ للنص تشكلا معنويا عميقا يتعلق بحقول المعنى و سبل الدلالة ، وهذا من الميزات الشخصية ، و التي من غير الواقعي القول تحقيق تقارب فيها ذاتيا ، و انما التقارب يكون في صورها و تجلياتها الخارجية وهذا امر غير ممتنع كما لا يخفى .
الجهة الثانية : تطبيق النص المشترك
النظر الى النص المشترك من جهة فكرة الكتابة ، و عملية انتاج النص ، و تعلق ذلك بالاعماق الشعورية و التعبيرية ، يكون في جانبين البعد الشعوري و العاطفي و الثاني البعد اللغوي و الاسلوبي .
فاما العاطفة و الشعور، فمع استقلال كل مؤلف بفكرته و نظرته تجاه الحياة و اشيائها ، و تباين الحماس و الاندفاع نحو الامور المختلفة ، و لاجل تحقيق عمل مشترك حقيقي لا بدّ من وجود نقاط رؤيوية و فهم للحياة و الاشياء مشتركة ، تكون منطلقا و تتمظهر في العمل الابداع بمادته التعبيرية ، وهذا امر ليس بالعسير ان لم يكن هو السائد بين الاشخاص الذين تجمعهم عوامل حياتية مشتركة .
و اما البعد اللغوي و وهو اصعب جانب في الانتاج ، و خصوصا مع تباين اللغتين . و التباين بين لغات الكتاب ، قد تكون من حيث الرؤية النوعية باعتماد شكل معين من الشعر ، او في الخيال و ادوات التعبير ، و لا بد من الاشتراك في الرؤية النوعية لأجل انتاج نص مشترك ، اذ لا مجال لانتاج قصيدة نثر مشتركة بين شاعرين أحدهما يعتمد الموزون او التفعيلة . اما الخيال و الادوات التعبير ، فلا بد ايضا من تقارب معين في مستويات الخيال و ، اسلوب التعبير و الصور الشعرية ، و فهم لغة الاخر للاقتراب منها ، و لحقيقة انّ الشاعرين سعد غلام و انور غني لهم رؤى و تطبيقات نقدية ، كان الفهم للغة الاخر متيسراً، و الاقتراب منها اكثر توفيقا ، كما ان المتتبع للغة الشاعرين ، يلحظ التقارب في سعة الخيال ، و طريقة انتاج الصورة الشعرية ، هذه العوامل كان لها الأثر في انتاج النص بشكل يخلو من القفز و الاخلال البنائي .
مما يعد مهما في التطبيق هو التوظيفات التعبيرية ، حيث انّ لكل كاتب اسلوب توظيفي لمواد التعبير ، و فهم خاص في طبيعة التعبير و مستواها من حيث القرب و البعد التعبيري ، و لا ريب انه اذا كان الاختلاف كبيرا في هذه الجهة فانه يتعذر تحقيق نص مشترك ، و اما اذا كان الفضاء العام من الرمزية حاضرا فانه يمكن الاقتراب من لغة تصويرية تعبيرية متوسطة .
و الجانب الآخر المهم الذي يعد تحديّا للنص المشترك هو الايقاعية ، اذ لكل كاتب ايقاع خاص لغوي ، و لا نقصد الايقاع الشكلي بالصوتيات و نحوها لانّه بسيط و سطحي ، و انما نقصد تدفق المادة التعبيرية و النبرة الروحية في القاء الخطاب الى المتلقي ، وهذا ايضا من الميزات الفردية ، وهذه الجهة في الواقع هي من اكثر الجهات التي تحتاج الى عمل و تقارب لاجل ان يظهر العمل انسيابيا و من دون قفزات او اخلالات تعبيرية ، و ان الانسيابية التي يتميّزا بها نص ( أمنيات جوّالة ) يشير الى عمل دؤوب وجهد كبير لأجل تحقيق التقارب الايقاعي و التعبيري .
النص
( أمنيات جوّالة )
نص مشترك بين الشاعرين
سعد غلام و أنور غني الموسوي
2\4\2015
الستائر بلونها المرير ، بقلبها المعجون بالعاج والزان ، تهدهد صوت بركة اللوتس البراق ، كنا حينها نعدّ أسنان المجرة ورموش عينيها الحالمتين ، نرسم حولية ذبول الكون الفسيح .
لقد أنهيتُ كلّ شئ ، خيمةَ ينبوع الخلود ، مزرعةَ الفراشات و رمادها الغامض ، حتى الصحون الفضية ، تركة اجدادي القدامى مع صندوقهم اللازوردي ، و نسماتهم المتخثرة في حدقات تحوم فوق غابات الأرز . كلّ ذلك بعثت به الى رجال الرمل وعسس السور البنّي كي يتدفؤوا به .
لقد أنهيت كل شيء فعلا ، فالحياة صبيّة لطيفة تستحمّ في بركة قزح القمر ، تحبّ أن تنام باكرا في معبد قديم .
عجبا ما كنت أتصور انّ الرغبة خيط من ريح ، و أنني سأحتفل يوما بكل هذا الضياع . لقد تقاعدت اﻻنسانية ، تتجوّل بدرّاجتها الهوائية و قبعتها السوداء ، كالتي يبيعها ذلك المتجوّل الباحث عن الظلّ ، لقد رأيتها و قد ماتت منذ زمن بعيد .
آه كم هي مسكينة المركبات التي تسحبها ثيران الحقول الباردة مثلنا ، لا أدري ربما شربت روح الصقيع ، و ربما ورثنا ذلك الشحوب من أشجار الصنوبر المجيدة ، كرعناها مع اليانسون والسوسن الجبلي ومسحوق البرق . ذلك ليس مهما بالمرة ، يكفي اننا تعاطيناه عبر السنين .
بلى ، لقد صدفت ، سأجمع حاجياتي ، الريح الشمالية ما عدنا بحاجة اليها، وخوابي اليقطين الممتلئة بعصير القصب ، حتى الديك الأحمر الحكيم الذي لطالما أهداني بوابات المصير ، وعالم مسحور تسكنه حشود الضباب وجنيّات أشجار الياقوت اليابسة ، وزهرة زرقاء ندية كأنها دمعة الفجر .
اجل البيت أجمل بالورد البري ، لكننا قبائل جوالة لدينا خيمة من جلود القنافذ ، ﻻ نجيد غير زراعة الخيزران واصطياد خيوط الهلل النائمة ، نستدل عليها من الشخير.
بيتنا أجمل بالزهور ، لكنّ حقول اللوتس بعيدة ؟ بيننا جدول الشيخوخة وذاكرة الثرى . أنا ﻻ أظنها ستأتي قريبا ، ربما علينا فتح حقيبة الأيام ، فقد سمعت جدي يقول أنّ في جيب الزمن الأيمن انهارا فضيّة من حليب وحكايات مؤجلة عن البجعة الاميرة التي لم يسعفها القدر.
إذن سينتهي فصل الرماد ، بعد حياة غارقة في نهر أصفر ، حينها سأرى في حديقتي أرنبا و سلحفاة وردية . حينها سيكون للصباح شكل أخر ، ليتها تأتي أرواحنا المهاجرة . لنلثم الصوت الأبيض لأرتال الثرى ، نلج أسوار الضوء ، ونركب أيائل الدخان في برك المساء اللازوردية ، هناك حيث قصور الشمس النائية .
* اللوحة من تصميم الفنان المبدع يعقوب احمد يعقوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق