أبحث عن موضوع

الخميس، 28 مايو 2015

الغوص في عمق اللؤلؤة ......................... بقلم القاص : ابراهيم خليل ياسين /// العراق




كالمعتاد اتخذ بعض الحاشية وفي صباح يوم شتوي قارص البرد من شرفة القصر المطلة على نهر المدينة مكانا لجلوسهم ، فيما ظل الوالي يتوسطهم للتشاور في اخر ما استجد من احداث ومدى تأثيرها على ( الولاية ) ! ، وبعد اجتماعه بهم بضعة ساعات طوال ، انصرف كما في كل مرة الى خلوته ، يتامل زرقة صفحات المياه الأخاذة وهبوط اسراب النوارس فوق إمتدادها الواسع ، ثم طيرانها مجددا على نحو متناسق في عمق السماء الزرقاء المترامية الاطراف ، الوالي مابرح مستمتعا في تأمله بالرغم من إنهماكه في التفكير بمايدور في الولاية ، وفي مابلغته من رقي لدرجة اصبحت مثار إهتمام اغلب الولايات المجاورة الاخرى ، وربما يرتفي آشعاعها الحضاري بحيث سيمتد إشراقه على انحاء الكون برمته
وفي ظل إنشداد الوالي الى المنظر هذا ظل ينخر ذاكرته ولا يتيح له مجالا لالتقاط انفاسه ويشعر أزاءه بالضعف ما اصاب مأمور الخزينة من مرض غامض عجز عن إدراكه أمهر وأكفأ الحكماء !! ولطالما حاول إنقاذه مما هو فيه ، لكنه اخفق تماما ، وسوف يبقى على عهده في بذل المزيد من اجل احتواء مرضه الغامض ، واثناء إستغراقه في التفكير إسترعى إنتباهه من حيث لم يحتسب ثمة رجل يتقدم سباحة من الضفة المقابلة لصوبهم ، كان يشق مياه النهر بصدره العريض وذراعيه ، ركز الوالي بصره نحوه بأستغراب وذهول ، ان ما أثاره فيه سرعته وقوته الفائقة ، والاكثر إثارة في جو قارص وشديد البرد دون ان يأبه لشيء ، مما إقتضى بالوالي التفكير باستدعاءه ، فأوعز لبعض حمايته المدججين بالأسلحة باحضاره فورا ! ، وفي غضون أقل من ساعة جاءوا به مقيد اليدين ،بعد ان اذن لحمايته بأشارة منه بفك قيده ، وعند إستغراقه معه في حديث طويل استقصى عنه عن شاردة وواردة ، أنذاك ادرك إسمه ، سكنه ،عنوانه ، واي عمل كان يشغل ؟ وإلى اية مدينة ينحدر ؟ ، وفي اي زقاق ؟وكيف هاجر مع اسرته في ضروف غامضة الى احدى الجزر، ثم عودته مؤخرا بعد أن إستتب الهدوء والأمن في الولاية ! ثم ركز الوالي في أسئلته عن اهتماماته ؟ فالم بتفاصيل اخرى لم يكن يعلم بها من ذي قبل والان اصبح شخصا واضحا ، بعدها تيقن منه مدى إهتمامه وعمق معرفته بالقانون والاقتصاد وفي الشؤون الهندسية !! ، وقد نال على حد زعمه شهادات توثق تفوقه في ذلك فضلا عن إتقانه كافة المهن والاعمال ذات الصلة بالتجارة ، فقال الولي مستطردا في
حديثه مع الرجل (السباخ)
- لقد نلت إعجابي يارجل ،لكن ما اغضبني فيك
عبورك النهر بين الحين والاخر ، وفي جوشديد البرد
بينما الجسر كما تراه امامك يتسع لعبور مئات المشاة
وجد الرجل ( السباح) الضرورة تحتم عليه ان يكون صريحا ويكشف النقاب عن سرعبور النهر في جو كهذا لكي
- معذرة يامولاي ، قد اقول شيئا يسبب لحضرتك الحرج

أشار له بقول ماشاء شريطة ان يكون إمينا في قوله ، فلم يتأخر الرجل السباح
- يا مولاي فانا اخشى على نفسي من الجسر
قاطعه اوالي والحزن بدا واضحا على وجهه
- لم افهم ماتقول !!
همس الرجل (السباح)في اذن الوالي ، استشف منه ان الجسر القائم هذا تم إنشاءه باموال سحت وغير نزيهه قبل ان يتبوأ الحكم ،
- وكيف عرفت هذا ؟
- من الناس يامولاي !
واورد الرجل بأثباتات يؤكد على حد قوله صواب وصحة أقواله ، واستمر الوالي في الشد والجذب مع الرجل حتى إستطاع إقناعه ، ولم يكتف فضل ان يستشيره في كل مايخص امور الولاية !! ثم عرض عليه مبلغا باهضا مكافئة له على جرأته وصراحته وصدقة فيما اورده من اسرار ، لكن الرجل اصرعلى رفض أي مبلغ من المال ثمنا لواجب كهذا ، وفي محاولة لنيل رضا الرجل وتعويضا على ما أسداه من خدمة عرض عليه تولي وظيفة في إحدى الملحقيات الحكومية ، لكن الرجل شكر الوالي رافضا طلبه الاخر عادا ذلك إستخفافا بشخصه ، وابدى الوالي محاولات اخر تغريه في قبول عروض اخر ، رفضها جميعا بذريعة بانه مكتف بما قدره الله له ، وقبل ان يخرج ساله الوالي عن عنوانه ، في أي منتدي يلتقي ؟ اوفي مقهي اومجلس يمضي اوقاته ، فرد الرجل بانه يفضل المكوث في البيت عن الاماكن الاخرى تجنبا لأحاديث وحكايات تشوبها النميمة ازاء هذا وذاك من الناس
وفي مساء يوم شاحب حزين فوجئ الوالي بخبر موت ( مأمور خزينة الولاية) ، ظل حزينا معتكفا لأيام طوال ، لايخرج الى هذا لمكان اوذاك متفقدا كما إعتاد عليه طيلة فترة حكمه ، وفي غمرة الفراغ الذي تركه الرجل فكر الوالي في الاسابيع اللاحقة يبحث عمن يسد الفراغ الذي خلفه موت مأمور الخزينة !! ، وفي زحمة استغراقه ليال طوال وهو يفكر في مخدعه ، جفل فرحا بالعثور عمن يسد الفراغ ، فهب من مكانه مغتبطا ، فرحا ، فامر بحضور رجال حاشيته وابلغهم حال جلوسهم في قصره ، بمن هو الجدير بتولي منصب مهم كهذا ، لابل الاكثر اهمية بعد الوالي
- نعم ياسيدي
- لم اجد الرجل الجدبر بتولي المنصب اكثر من
الرجل السباح ،فقد جربته بحضوركم ووجدته
حريصا على الولاية وممتلكاته ، حالما أطمئن الى حاشيته والى موافقتهم في إتخاذ القرار امر الوالي بعض رجاله وحراسه باحضار الرجل السباح فورا ، فهم الرجال بالاستجابة لأوامر الوالي ، حالا واحضروه في زهاء ساعات ، للوهلة الاولى رفض الرجل السباح عرض الوالي ، وبعد اصراره الشديد ثم محذرا رفض الطلب انتهاكا لحرمة الولاية ، قبل الرجل تسلم المتصب الجديد ، واستمر يمارس عمله وفقا لمقتضيات الولاية ولمتطلبات الوالي ، مما ترك سرورا وسعادة لدى الجميع ،بدءا من الوالي وإنتهاء بأدنى موظف في الولاية ،وليس هذا فحسب ،انما وجد العمل يسير على نحو متماسك ودقيق وفي عصر يوم احد الايام وكما إعتاد عليه الوالي بتفقد جميع الاماكن والدوائر التابعة للولاية ، وعند حلول وقت الغروب ومن ضمن تلك الاماكن فضل ألمرور بادارة الخزينة وتوجيه الشكر للرجل الذي امضى في منصبه نحو ثلاثة اشهر ، وفي الممر المفضي الى الخزينة اصيب الوالي بالفزع الى حد تعذر عليه تماسك اعصابه ، كمن ذهل حين رأى ابواب الخزنة الحديدية مشرعة الابواب على مصارعها من دون حدوث كسر اوحتى ثمة خدش ، ونظر الى اعماقها ذات الاروقة الواسعة ، رأها خاوية تماما من الحد الادني من الاموال المقدرة بارقام هائلة من الصعوبة احصائها ، وفي الطريق المبلط بالموزائيك وجد اثار أقدام تتجه مهرولة نحو باب الخروج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق