لم يكن العدوان الأول فالإعتداءات تتكرر هنا وهناك، يجتمع الأهالي لتقديم العزاء ومواساة بعضهم ، يتبرعون بالمال والأشجار والجهد . يغرسون أشجارا عوضا عن الأشجار التي هدرت وخلعت من جذورها ويبنون عوَضا عن البيوت المُهدّمة .
تعود شيماء للعمل في مكتبها الذي اعتادت عليه وبسمتها غائرة في ثنايا الوجه والدمع يبلل الجفون ، تكاد لا تهدأ النفس وتنحب بين الفينة والأخرى .
صورة العَمّ ماثلة أمام العين ومشهد الجرحى لم يفارق المقل . تسترجع صورة أشجار الزيتون التي قلعت من جذورها
وصيحات الأطفال التي كانت تعلو المكان ،
لم تنس صوت أزيز الرصاص وعجلات الجرافات التي تهتز من تحتها الأرض .
يحاول الأصدقاء تهدئة الروْع وتخفيف المصاب .
عائد باهت الوجه ، شاحب النظرات ، متقطع القلب عاجزا ، ماذا يفعل؟ وكيف يواسيها؟
حبيبته غارقة في الألم ، ولا نسيم يستطيع أن يكفكف الدمع ،
يقترب منها فتسبقه الدمعات .
تأتي مناسبة الأربعين وتنتهي وتمر الذكريات ، يتهيأ الجميع للبسمة لكن سرعان ما تغادر المباسم وتتغلف الوجوه بالعبوس .
في الذكرى يجتمع الأصدقاء ويحملون باقات الورود والأكاليل ،
يتوجهون إلى المكان الذي في ثراه عبق الشهداء من أبناء القرية والذكريات ، يجيئون لإخبار الأرض أنهم لن ينسوا أحبتهم وأنهم على عهدهم باقون .
يعود عائد ليخبر أمه عن همّه . يتبادلان الحكايات ، تسأله عن شيماء ، عن حالتها النفسية وهل تجاوزت المحنة؟ هل ما زال الحزن مرسومة عبَراته على الوجه ،
يرد عائد متجاهلا الكثير من الشجون التي تجهض البسمة . يردُّ على أمه قائلا: الوضع غاية في الصعوبة الناس تجاوزت حد الصبر من ساعات الإنتظار .
تنفث التنهدات من صدر أم عائد نيرانا مختزنة
من مخلفات السنين وأطياف الماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق