أبحث عن موضوع

السبت، 28 فبراير 2015

قراءة نقدية (حين يهدأ الصمت ) للشاعر عباس باني المالكي ....................... بقلم : ماجد الحسن

حين يهدأ الصمت
أنا الشعر وحدود اللاتعيين
* ماجد الحسن
إن معظم إشكالات التجربة الشعرية، هي أن تفهم في ضوء لحظاتها، وأن فهم الشعر، هو فهم اللحظة التي تفترض مبدئياً مركباته، وهذه الرغبة هي الأكيدة لسمو التجربة، ما نؤكده إن الشعر يؤسس في لحظة ويقتحم العالم انطلاقاً منها، فهي لم تكن لحظة متعينة بل هي مفارقة للواقع ومتحررة من زمنه ومنتظمة في رؤى كونية ترفض الوثوق فيه والثبات، إذن هناك عقلية تنزع بالشعر على اعتبار إنه الجوهر الإنساني ويستمد خصائصه من هذا الجوهر المتحول الذي يرفض القولبة والتكرار .
إذن يتمركز الخطاب الشعري عند الشاعر عباس المالكي، والذي يدور بمجمله على الذات تكمن دلالته الشعرية في مزاج تأملي معتم . مما أتاح له أن يملأ خطابه صراعاً يشي هو الأخر بمقتضيات الذات التي تنقل الواقع كما هو، هذه التقنية الشعرية تدفع بالمفارقة إلى حدودها القصوى لتكشف بالتالي عن حيوية التقنية النصية ولكن يقتضي هذا الإسلوب تميزاً لغوياً يبعدها عن الترهل والتطويل، فضلاً عن ذلك فإن الإسلوب له القدرة بالإحاطة الكاملة بتشاكل الرؤيا التي تسهم هي الأخرى بإضافة رموز أو دلالات لها القدرة على كشف إشكالات الواقع .
اللافت للنظر على مستوى التقنية أعلاه، إنها تعتمد المزاوجة بين ماهو ذاتي وماهو واقعي ، والتي تسعى لتحريك النص على وفق وحدات جزئية تدور في اغلب الاحيان حول الوضوح ،بهذا التصور يمكن لنا قراءة المجموعة الشعرية (حين يهدأ الصمت ) للشاعر عباس باني المالكي ،ولكن فبل معاينة نصوص المجموعة علينا ان نلفت انتباه المتلقي ،ان هذه النصوص هي متشبثة بكل ما هو انساني وانها استنطاق للحظة الراهنة التي تستثير فينا حيوية المفاجأت واغراءت الكشف
الشتاء
عربة الفقراء
حصانها قضمت ظهره
قشة البرد
فنفق ضاحكا
من تخمة السلطان ص 9
يبدأ المقطع الشعري أعلاه بكل ما هو (متعين) – الفقراء – وينتهي (بمتعين) آخر – السلطان – في هذا يتعقب الشاعر الدلالات التي تأخذ حيز (التوقع) وبالتالي يقودنا سياقها إلى أقصى حدود الإشكالية الإنسانية، هذه الإشكالية الأزلية (الفقر والغنى)، وهي ثنائية تتمركز عند دلالة (الشتاء) . إذن العناصر الثلاث بصفتها اللغوية هي عناصر مشحونة باليأس الذي يحيلك إلى الذاكرة الشعبية ليؤسطرها الشاعر المالكي على إنها خطاب سيميائي تجره من المتعين إلى اللامتعين .
إذن هناك دمج واضح بين خزين الذاكرة ومعطيات الواقع وهي سيرة مشحونة بالتحول وتنبثق من مفارقة يمليها تصارع الأضداد، ففي نصه (طرق التعليم) .
أنا رجل تسرقه الأحلام
لا آخذ إلا ما مضى
وأمضي
وحين أبحث عن ما فيّ
أجد قد مضى
إلى حلمٍ ص13
هناك احتدام نوعي يبين كونه رجل (أحلام) والذي سيرحل سيرته إلى حلم آخر نكتشف الحالة الآنفة على أن الشاعر مهدد بوصفه له القدرة على كشف زيف الأشياء . وتنطوي هذه الحالة على إنها مشحونة بالبحث عن إيماءات الواقع وضبط رؤاه التي تتراكم عند منطقة الأحلام ، فالتوظيف الآنف يبدو مألوفاً ومكمن السياق الدلالي يحيلك إلى اللامألوف، وهي لعبة لا تبتعد كثيراً عن إثارة المفارقة التي تنقل المتلقي من حالة استقباله للأشياء الواضحة إلى الدخول في تشابكاتها ، فالشاعر كثيراً ما يتذكر ((الأحلام التي تركها تراقب روحه من النافذة)) والنافذة هي دلالة اتسمت بقدرتها على الإفصاح فهو الكوة التي يرى فيها الشاعر (ذاته) فلقد اتسمت تلك الرؤى بنسق سردي اعتمد (المراقبة) والتي وظفها الشاعر لغرض إثراء النص، فالتحول الشعري يتجلى في حدود (اللاتعيين) ، فكيان الأشياء التي يستدرجها الشاعر صارت كيانات هشة تبحث عن حضوردائم لها استثمرها الشاعر في لعبة الحلم .
إن مقاصد النص الشعري، هي جزء من بنيته وأحد العناصر في جلاء حقائقه وإن تسخير القصد لا يقف عند حدود متعينة تحد من سعته وتوقف حركته عند تعيينه بل يتضمن بوحاً يستثمر عوالم تمنحه الكثافة في النص، مفعمة بالتحول ويمكن إعادة خلقها، ولذلك لابد أن يتميز القصد بقابلية تفعيل النص الشعري، ورصد مجالاته باتخاذه منطلقاً معيارياً نعتمده في تحليل النص وتبرير المحاولات الإجرائية للوصول إلى معناه .
لا بد أجد النهاية
لأقشر بصلتها
وأرمي دموعي
إلى حائط الصمت
الحياة لم تعد تجيء
وأنا متوقف كعصفور
نسى ذاكرته
على أشجار الغروب ص27
إن مستويات الانحراف تندرج في هذا التوصيف، فتتولد على ذلك مقولات أزلية من شأنها أن تكسر قواعد اللعبة، فالنهاية هي (الصمت) المفتوحة بالحياة التي لا تأتي .
هنا نلمس تقنية لا تكف عن النمط السردي التي تتجاوز أصداء الانهيار النفسي . هذا النهج التعبيري المباشر يشفع له عناصر مفعمة بالحيوية تمتد وتتحول لتكون بالتالي ذات دلالة تختلف حولها القراءات ، يوظف الشاعر عدد من التقنيات التعبيرية ، إلا أن البعض ينحو منحى مباشر، من قبيل قوله :
* الموسيقى
الشيء الوحيد
الذي لا يخذل الروح ص10

* يطلبون مني أن أتعلم ص11
* عندما تبدأ الفصول دورتها ص26
* أقلع .. عن التدخين ! ص26
على أي حال، بإمكاننا التوقف عند عدد هائل من الصور الشعرية التي وظفت بشكل تمثل خطوة جريئة في التأمل الشعري والذي يجنح في بعض الأحيان إلى التجريد الذي هو بطبيعته انتقال من الذات إلى العالم وهو أغناء التحرك الذي يسعى إلى العمق، كما إن أعاده ترتيب يرمي إلى التنوع الذي لا يمكن أن يجد الشعر حقيقته إلا بهذا التحريك .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق