تململت في دارها ، عامان من المكوث في البيت ، نبذت ذاتها و شخصها ، سمحت لجسدها بالتمرد ، لبست بنطلون الجينز الضيق ، رتبت الكنزة حد الخصر ، شدت الخمار على شعرها ، تتدلى زخارفه قليلا كعرف ديكٍ بري ، قيدت جسدها بحقيبة طويلة العنق ، شربت نبيذ الضياع ، سلكت شارع المتمردين المشهور مساءً ، بعد ثلاث خطوات تعثرت وسط الأحجار المتناثرة هنا و هناك ، مالت حتى كادت تسقط ، تأففت معلنة سواد حظها :
-أفٍ ..قيدني هذا الكعب الملعون ..أم أن حظي العاثر يلعب بأعصابي ؟.
رتبت نفسها قليلاً ، أكملت طريقها بتفاؤلٍ ، فربما وجدت ضالا أوقعته هذا المساء رهن صورتها الماثلة المشعة أنوثةً ، غمزت لنفسها يبدو أن القدر فتح مصراعيه تهليلا لها ، أضحى طيفا ساكنا يلمحها ذاك الذي اعتقدت أنه أعجب بها ، و أُدمي هوساً بجسدها ، نفضت أملها بأسىً و هي تراه يادر مكانه بعدَ تردد أيمضي إليها أم يغار لكنه أبى إلا أن يودع صورتها بشبح اشمئزازٍ و رحل .
لم تيأس ، ركضت خلفه ، لم تقطع خيط آمالها يجب أن يخضع لها ، حاصرته من الجهة المقابلة ، تقدمت أكثر بهدوء أنثى الربيع زين انعكاس صورتها تساقط رذاذ الثلوج ، اقتربت أكثر ، حاصرت هدوءه ، قطعت أنفاسه ، أغمض عينيه ، استغفر ربه في ثنايا نفسه ، همست له:
- أتهرب من سقام الشتاء ؟..أم ..و أكملت تلوي فمها بدلالٍ فاتنٍ :
-أم أنك لم تقاوم سحري الطاغي.
أشفق على جنونها و رد بسخريةٍ واضحة بنبرة صوته و ألمٌ يحيك نسيج كلماته:
-هلا تبرعتِ بزمرة دمك المتعجرفة لأخي انه يموت على الطريق القريب من هنا ؟!.
لملمت خجلها ، طوقت نفسها جيداً بحبل حقيبتها ، مسحت قطرات عرقٍ لمعت على جبينها بطرف كفها ، مشى و تبعته ، إنها حالة إنسانية ، أخاه يموت كما قال!..
مشى و تبعته بخفة يعتريها الإحراج ، قامت بواجبها في أحد المستشفيات ، بينما انشغلت وضع شيئا ما في حقيبتها خلسة و اختفى دون أن يشكرها.
همت بالخروج ، يجب أن تختفي ، لا تريد أن تراه ، موقفها معه جعلها تخجل طيفه ، في طريقها رن هاتفها ، أخذته و بين أصابعها تعلقت ورقة صغيرة مكتوبة بخط اليد ، فتحتها بلهفةٍ :
-مررت بذلك الشارع كأنني أُساق لأجمل بنات حواء ، لم أستطع أن أكبح تبعثر عيني ، ازداد جمالك و رذاذ الثلج يتساقط على ملامحك ، نفضت شبحك بعد تردد ، تذكرت ما جئت لأجله كنت قاصدا صديقي طلبا للمساعدة عله يتناسب و زمرة أخي ، هربت أمامك لكنك ظهرت مرة أخرى ، غضبت كان لجمالك أن يكون أكثر سترا من ذئاب الليل المظلم ، طرقت ذهني فكرة حينها لماذا لا تستطيعين المساعدة فزمرُ الجميلات تحمل الحب و الرقةِ ، و أخيرا شكرا على نبلك و أخلاقك ، ثم لو لم أشهد كيدها لاخترتك زوجة ثانية .
ابتسمت برقة ، سقطت آخر دمعات التمرد على خدها الناعم ، عاهدت نفسها على الثبات و مضت تعلن التوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق