أبحث عن موضوع

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

موت و موت ( قصة قصيرة )........................ بقلم : .فاطمة سعدالله / تونس



البارحة متّ..متّ موْتاً عميقاً ..لم أسمعْ بكاءً..ولا عويلا..
سوى دمعتِك أنتِ..يا حبيبتي ..أحرقتني..أغرقتني حتى النخاع..على كتفي المخلوع ..وحدي..حملتُ نعشي..عرفتُ طريقي إلى قبري..بلا صخب..بلا ضجيج..بلا مشيّعين وحدي ..كتبتُ شاهدتي..الملَكان على يميني ..على شمالي..بالأحضان استقبلا قدومي..لم يسألاني..ربّتا على كتفي..قالا:نامي..نامي..متّ موتا عميقاً..
كنتُ أموتُ كل ليْلةٍ..لكني أنسى فأصحو صباحاً.. أنبعِثُ..أعود إلى مواجهة شبحي أمام المرآة السميكة..مرآتي ليست صديقتي..
إنها حريصةٌ على طمس الحقيقة..ترسُمُني بين طيات الوميض..ولا أشبهني..تكسو جمجمتي شعراً أملسَ..طويلا
تعيد الأسنان المهترئة إلى بياضها العاجي..تهيلُ على التجاعيد
كثبان النسيانِ والتخفّي..كلّ مساء..عند المغيب.. تتجمّع
الأرواحُ حول رمسي..تقيم "عكاظيّة الفرح"..يصّاعد صداها
إلى ذاك القمر اليتيم..الصامت..فترسُم على شفتيْه إشراقة البقاء..في الصباح ينسابُ الحضورُ أنهاراً من نورٍ..أحرُفاً
خضراء...عندما متُّ رأيْتُني محمولةً على عاتقِ الصمتِ..
والخطى نحو مقبرة القبيلة تحثّ الوصولَ..لا مرافقَ لي غير
دفاتري وألواني وطفلة كانت تسكنني حبلى بحلم لم يتحقّقْ..
تُرْبتي..تهيّأت..تزيّنتْ وساعةُ الرحيلِ تزفّني بفرحٍ طفوليّ بريء....الصخور المحاذية لشبح النهاية صفقت..هزجت..
تجاوبت أصداؤها..للدود أشباحٌ تتراقصُ على امتداد الطريق..للدود أنيابٌ مسنونةٌ شوقاً..وأنا الجثمانُ المسجّى
على حمّالة الوداع..كنتُ أسمعُني أقول:أنا وصلتُ..ضمّني
أيّها الحرفُ..أضئ ظلمة القبر ..أنالم أنْسَ قلمي وأوراقي..
وألواني..وفرشاتي..عصفور أشعاري سيزقزق عند شاهدتي
ستتناثرُ من منقاره بذور ضياء تجوب غاباتِ الصنوبر بحرّيّة ويهزّ جناحيْه ورودَ فرحٍ هازئا بدبيب الفناء ساخراً
من طقرس الموْت والغياب ...
ارتدّت صرختي تملأ الغرفة بياضاً جليديّا..ما إن اصطدمت
بذاك الحجاب السميك الذي يفصل بيني وبينها..ربْوة تعلو جسدها الممدّد..تغمره غمامة تهطل شرارات مكهربة..تغرق
الجثمان..يطفو طيفٌ أبيض..الأعرافُ فاصلة واصلة..بين هذه وتلك..يدٌ تمتدّ..تتمسك بالنور..صوت يصارع الخرس..
حنجرة تتحول إلى دهليز مظلم ..يردّد الصدى بحرفيّة ..
وأخرى شلّها الخدر..يشدّهما الثلج إليه..بين أنامل الشحوب
والوهن..تتسرّب الحياة منهما..في خيمة العزاء،قالت
إحدى النرجساتُ مخاطبة الجميع:ماتت سيدةُ البستان..
بل مات البستانُ كله..كنت أريد طمأنتها..كنت أتكلّم..صداي يرتدّ إليّ..كنت أسمعني أقول:لا تخفْنَ ..لا تحزنّ..التربة تحتاج إلى الرواء..كي يظل عهدنا مخضرّاً..لن تموت الزهور إذا عانقها الندى لن تُقتلع الجذورُإذاتمدّدت أكثر..
وأكثر..سأكون بينكنّ..تُرى هل بلغهنّ صوتي؟
تقاطعتْ ملامحُنا..أنا..وهي..لا فرقَ بيننا غير أنها تبدو شفافة..لاثقْلَ ولا كثافةَ..ترفرفُ حولي بفستانها الأبيض..
تراقص الجاذبيّةَ وتراوغها..حمامة على أهبةِ الرحيل..وأنا
الممدّدة هنا أكتفي بالملاحظة..أصوّت ولا أنطق..أتخبّط دون
حركة..أسمع ولا أقوى على الردّ..على أهبة العبور إلى الفضاء النورانيّ الساطع..لا شيء يفصلنا سوى هذه القناة المظلمة..ذاك البراحُ الساطعُ في نهايتها يراودني..أعبرالقناة
أو يعبرها إليّ؟
تقاطعت ملامحنا..خليط أرضي /سماويّ..وملامح كونية/ملائكية..لا شيء يفصل بينهما سوى هذا الموج الهادر
داخلها وذاك الصمت الذي يثقل الغرفة ببياض القبور..
بيننا برزخٌ يفصل بين بلسم نورانيّ وجرح رحيل مرّ أجاج..
وجهها صقيل..مرآة تملؤها ابتسامة شاسعة ..صاخبة ..تكتظّ
بالفرح..رأيتني مسجّاة..ووجوههم حولي..آذانهم تترصّد نفسي :شهقة/زفرة..أضحك من عجلتهم ولا تطاوعني شفتاي
حرارة الدمع تذكرني بوجنتيّ..ابنتي تبتهل وعيناها نرجستان لا تتوقفان عن الهطول..غيث نافع يغسلتي قبل الرحيل الأخير..
16/7/2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق