ألقى نظرة حزينة على زوجته المريضة ،
حرّك رأسه بأسى ملتفتاً صوب ابنته قائلا :
_اتفقتُ مع مكتب التشغيل لجلب خادمة تقضي حوائجنا ..كي تتفرغي للدراسة والتعليم
_فكرة جيدة يا أبي :
.قالتها واقتربت من من حافة سرير المريضة واردفت :
_لا تنس يا أبي ان تتفق مع المدرسة لاعطائي دروسا خصوصية ..عدّل من نظارته ونهض واقفا وهو يقول :
_نعم وجدتُ لك مدرّسة خبيرة لغة إنجليزية وخبيرة اقتصاد رائعة ..ستأتي اليوم إن شاء الله ..انحنى على زوجته وهمس لها بحنو :
_سأذهب الآن هل تحتاجين شيئا أجلبه لك من الخارج ؟..أغمضت عينيها الذابلتين ثم فتحتهما وهي تزدرد ريقها بصعوبة ..وهمست بصوت خفيض:
_لا أحتاج شيئا ..اذهب.. رافقتكَ السلامة .. خرج الرجل وأغلق الباب دونه ..نظرت إليه الفتاة من خلال النافذة المطلة على سيارة والدها وهي تخرج من الباب الرئيسي ..عادت إلى أمها وأمسكت بيدها وهي تنظر لها بحزن عميق فيما كانت المرأة تغمض عينيها وعلى وجهها شبح ألم خفي ..
ساعة جدار الصالة تشير إلى الساعة الرابعة مساء ..انتبهت الفتاة لصوت الجرس وهو يرن .. نهضت واتجهت مسرعة صوب غرفتها ..نظرت الى وجهها في المرآة ..ثم اتجهت صوب الباب الرئيس لتفتحه ..طالعها وجه امرأة اربيعينة أنيقة تعلو وجهها علائم صرامة وقسوة ..فتحت لها الباب وأشارت لها قائلة بترحاب :
_أهلا بكِ سيدتي ..تفضلي على الرحب والسعة ..دخلت المرأة دون ان تنبس بكلمة واكتفت بابتسامة باهتة ودلفت عبر الرواق الى الصالة ..حقيبتها اليدويةالكبيرة معلقة بكتفها الأيسر ..جلست على الأريكة وانتزعت الحقيبة من كتفها ووضعتها قريبا منها ..أسرعت البنت تجري نحو المطبخ وعادت بعد قليل حاملة بيديها " صينية" صغيرة وفيها قدح عصير وشطيرة كيك في صحن زجاجي فاخر ..وضعته امامها وقالت مبتسمة:
_أهلا وسهلا ..سوف لن اتعبكِ معي ..في الأسبوع مرتين فقط لحين الانتهاء من الامتحانات ..وضعت المرأة رجلا فوق رجل ...ومدت يدها بهدوء وشرعت تقضم قطعة الكيك ..وانشغلت تأكل وتحتسي من العصير تاركة القصبة جانبا ..انهت الصحن وأفرغت الكأس بأقل من دقيقة ..نظرت إليها البنت باستغراب والابتسامة لم تفارقها منذ دخول السيدة عليها ..قبل أن تنهي أخر رشفة من الكوب ..قالت لها :
_سأجلب لكِ شطيرة أخرى وعصير آخر ..لحظات فقط ..عن إذنك ..لم تفه المرأة بكلمة ..الفتاة اختفت بداخل المطبخ المقابل لباب الصالة ..أبدلت المرأة ساقيها والتفتت تنظر الى الجدران المزينة بالصور واللوحات الثمينة .. نهضت صوب لوحة معلقة قرب النافذة وأخذت تنظر إليها بامعان ..
_العصير والشطائر سيدتي ..انتبهت إلى الفتاة وهي تضع لها الشطائر وكوب العصير ..كان كوب العصير أكبر حجما من سابقه بمرتين ..تركت الفتاة "الصينية: فوق الطاولة الصغيرة واقتربت من المرأة وهي تقول لها :
_لوحة سريالية ثمينة ..تلك اللوحة لسلفادور دالي ..أبي معجب بالمدرسة السوريالية ..هزت المرأة رأسهابإيجاب وعادت لتجلس في مكانها ..أكملت احتساء كوب العصير والشطيرة بدقيقتين ثم انتزعت قطع" الكلينكس: من العلبه وهي تمسح فمها وأطراف أصابعها ..قالت المرأة وهي تلعق شفتيها بتلذذ :
_متى أبدأ العمل ؟
_على راحتك سيدتي ...أنا جاهزة
_وأنا أيضا جاهزة ..
_لحظات ..عن إذنك ..قالتها واندفعت صوب غرفتها المقابلة لغرفة أمها ..عادت حاملة بيدها كتبا مدرسية وبعض الأقلام ..وضعتها قرب "الصينية" الخاوية والكأس النظيف ..ثم سحبت طاولة كبيرة ووضعتها وسط الصالة ..جلبت كرسيين وضعتهما الواحد قبالة الثاني ثم حملت الكتب والأوراق ووضعتهم فوق الطاولة الكبيرة .
_ماذا سندرس اليوم .. في درس الاقتصاد ؟قالت الفتاة متسائلة :
_أنتِ على راحتك ..أريد أن أشاهد المطبخ ومحتوياته ..ألقت الفتاة بالاقلام جانبا فوق الطاولة ..وسارت معها وهي تزم على شفتيها تنظر إلى المرأة باستغراب دون ان تلحظ ذلك تلك السيدة ..وقفت وسط المطبخ وأخذت تتفحص مجتوياته قطعة قطعة ..رفعت رأسها نحو الفتاة وهي تسألها :
_حدّدي لي مواعيد تناولكم الوجبات الثلاث ..كي يتسنى لي تدبير أمري على أكمل وجه ..نظرت إليها الفتاة وابتسامة غريبة ترتسم فوق وجهها ثم قالت ضاحكة
_هل هذا ضمن درس الاقتصاد ياسيدتي ..دمكِ عسل تحبين المزاح ..تفضلي معي لنتهيأ للدرس ..سحبت المرأة يدها من قبضة الفتاة وتمتمت :
_لا أحتاج إلى درس أنا أفهم طبيعة عملي ..لي خبرة طويلة في هذا المضمار ..لمْ تخبريني أين غرفة نومي ؟..فغرت البنت فاها..وتراجعت خطوة إلى الخلف مصطدمة بحافة الطاولة الكبيرة وقالت :
_لم أفهم ... هل اتفقتِ مع أبي على المنام في بيتنا ؟
_طبعا ..من حقي أن تكون لي غرفة أنام فيها ..
_أليس لكِ
أولاد وبيت وزوج ؟أبي قال لي أنكِ مرتبطة بدوام يومي في كلية الاقتصاد ..
_أي كلية اقتصاد ؟
_ألستِ المدرّسة التي اتفقَ معها أبي للدروس الخصوصية ؟..ابتسمتْ المرأة وربتّت على كتف الفتاة قائلة :
_أنا لستُ مدّرسة ولا معلّمة .
_من أِنتِ إذاً........... أوه..يا لغبائي أنتِ الخادمة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق