تعتبر ظاهرة التسول من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا في العالم وقلما يوجد مجتمع يخلو منها بسبب قدرتها على التخفي بإشكال متعددة فهي نتاج الحضارة الإنسانية ومن نتائج الفوارق الطبقية حسب الفترات التي مر بها العالم وتقسيماته إلى دول غنية ودول فقيرة إذ نمت هذه الظاهرة مع النمو الحضاري بشكل متواز وحسب طبيعة كل مجتمع وكذلك حسب الفترات الزمنية التي يمر بها وقد أتاح لها ذلك وضعا مألوفا ومقبولا من قبل الآخرين فسح المجال لها للنمو والاستمرار بعيدا عن كل رادع . إن الدخول في عالم التسول أمر صعب لضبابيته وصعوبة الحصول على المعلومات اللازمة و الإحصائيات الدقيقة للوصول إلى الفضاء الواسع لهذه الظاهرة، توجد صعوبة في الإحاطة بهذا العالم الغريب، متمثلة في الجانب الاقتصادي ومؤثراته من فقر وبطالة والتشغيل ومستوى دخل الفرد، والتفكك العائلي ثم التسرب المدرسي، وضعف الوعي الديني والعوق والمخدرات والقوانين والتقييم الاجتماعي والانحراف كظاهرة ملازمة للتسول خصوصا بالنسبة للأطفال الذين يقعون فريسة سهلة من خلال ممارسة التسول لضعف بنيتهم ومستوى إدراكهم ،وبأشكاله المختلفة كممارسة السرقة أو في توزيع المخدرات وغيرها مسببين خطرا داهما للمجتمع . ولصعوبة مراقبتهم وتنشئة جيل غير سوي مستقبلا . استقطبت ظاهرة التسول كل فئات الأعمار سواء الشباب والكهول والنساء والأطفال وقد شكل انخراط الأطفال في هذه العملية خطورة فادحة تستوجب الانتباه وتوقي الحذر منها باعتبار الأطفال هم دعامة المستقبل التي يعتمد عليها في بناء التنمية الوطنية وأن تعرضهم لمشقة هذه الظاهرة وحرمانهم من كل حقوقهم كالصحة والتعليم يعتبر عمل غير أخلاقي ولا أنساني تنهى عنه كل المبادئ والتشريع الدولي والعامل الأسري يلعب دورا أساسيا في دعم ظاهرة التسول وخصوصا عند الأطفال فعادة الطفل يتماشى مع البيئة التي يحيا في وسطها،ولغياب عامل المقارنة مع الغير بسبب ضعف مستوى الإدراك لديه يصبح الواقع الذي يعيشه مقبولا وفي بعض الأحيان حتى مثاليا، وبذلك يعد الطفل إعدادا كاملا ليحتل المكان المناسب له ضمن وضع العائلة، إذا كانت العائلة تمتهن التسول بكاملها، ففي السنوات الأولى من عمره يمارس التسول برفقة أحد أفراد العائلة ( الأب او الام او كليهما) او يعمل بمفرده ولكن لصالح الأسرة، وبعد سن العاشرة يكون الأمر محرجا للطفل فيصعب عليه ممارسة التسول باعتباره أصبح يافعا ويمكنه الاعتماد على نفسه فلا يلقي تجاوبا من الآخرين في مساعدته فيضطر للعمل، ألا أن ما يحصل عليه من أجر لا يمكن مقارنته بما كان يحصل عليه من التسول، في هذه المرحلة يكون طريق الانحراف أمرا واقعا ليحصل من خلاله على المردود المقبول، وسبل الانحراف تكون ميسرة ومغرية أمام الطفل ويعتبر المال عامل جذب للإيقاع به تلبية لرغبته والأسرة،ومن أهم أنواع الانحراف هو الانحراف الجنسي والسرقة وتوزيع المخدرات والتي تتناسب مع وضع الطفل . ومن أجل تسليط الضوء على المؤثرات المباشرة في توضيح ظاهرة التسول والتي تشمل المؤثرات الاقتصادية والمؤثرات الاجتماعية والمؤثرات السيكولوجية ومدى تداخلها في تعزيز ظاهرة التسول باعتبارها آصرة واحدة لا يمكن معالجة واحدة دون أخرى، ولكن دراستها بشكل منفصل يساعدنا على مدى نسبة التأثير لكل عامل على هذه الظاهرة. تستمد الأسرة استقرارها أساسا من توفر الحاجات المنزلية وباقي متطلبات الحياة المعيشية ضمن وضعها المادي وفترة الزمن المعاشة، مما يصعب إسقاط أي برنامج تربوي على أسرة تعاني من خلل مادي وإمكانية خلق استقرارا يؤدي إلى علاقات أسرية سليمة،وهو القادر على منحها الحيز الاجتماعي الذي يمكن أن تشغله وتقدم عطائها،فالاسر ذات الدخل المرتفع يختلف انفاقها عن الاسر ذات الدخل الواطئ وفق طبيعة احتياجات كل منهما،فقد تبين أن المجتمعات المتحضرة تتأثر بصورة أكبر في سعة الأنفاق مما هي عليه في المجتمعات المتخلفة المتجذرة فيها قيم السلف والعادات التي تقف حائلا في الرغبة في تغيير الواقع المادي أو المعنوي. إن بعض السمات الاجتماعية،الاقتصادية، والسيكولوجية، المترابطة والمقترنة ببعض المعتقدات والقيم تفضي إلى منظومة ثقافية يتميز بها الفقراء، وأن هذه المنظومة تعمل على إحباط الدافع إلى العمل والتغيير إنها تنتقل في المجتمع وتبقى عبر الأجيال، أما المناهضون لهذا الرأي فيقولوا أن الفقراء لديهم الدافع وهم في واقع الأمر يحاولون تحسين أوضاعهم، وأن تفسير الفقر يكمن في غياب الفرصة وغياب البيئة المساعدة للأسر الفقيرة ذات الدخل المنخفض والتي تعاني من شحه في المورد وصعوبة في الإنفاق والتي يعتبر البعض خطأ أن المتسولين جزء منهم،تؤثر فيه أي نسبة من الزيادة في المورد لتصحيح وضعهم المعيشي ولكن بشكل نسبي كما ذكرت سابقا إلا أن الوضع يختلف بالنسبة للمتسولين،ففي الوقت الذي يهدف فيه المتسول للحصول على أعلى المردودات إلا انه يندر أن ينفق منها شيئا لتحسن حاله،فالأمر المستهدف لدي المتسول هو الحصول على أفضل الإيرادات ولكن ليس لإنفاقها وإنما لخزنها وهذا ما يميز وضع المتسول عن الفقير . وأن المضامين الاقتصادية المؤثرة في التسول كالفقر والبطالة والتشغيل ومستوى الدخل . يعتبر الفقر من المشاكل المعقدة وذات التأثير المتعدد الجوانب الذي يصيب الفرد أو المجتمع،فنادرا ما يخلو مجتمع من هذه الظاهرة بسبب تعدد أشكالها وأسلوبها مما يصعب معالجتها بالصورة المرضية،ولصعوبة الاتفاق على تعريف محدد لها بسبب اختلاف مستوى الوضع المعيشي لكل مجتمع عن الآخر،إلا أن التعريف الذي يكاد أن يكون مقبولا من الجميع هو عجز الفرد أو الأسرة عن توفير الموارد الكافية لتلبية الاحتياجات الأساسية لتحديد مستوى الفقر في أي مجتمع يعتمد على حساب خط الفقر الذي يمثل الحد الأقصى لمستوى المعيشة والتي بعدها يعتبر الفرد فقيرا ويمكن حسابه بالفرد الذي لا يحصل على أقل من نصف حصة الفرد من الدخل القومي وهو مؤشر عام عن مستوى المعيشة لبلد ما مقارنة بمستوى معيشة بلد آخر، وان الفقر بجميع انواعه سببه البطالة المقنعة وتعد من أسوء أنواع البطالة لانتشارها بشكل واسع خصوصا بين الدول النامية ، والتي تعني صرف الوقت في أعمال قليلة الإنتاج ( البطالة آفة اقتصادية اجتماعية تنخر في المجتمع فتحيله إلى طاقات مفككة غير قادرة على العطاء اقتصاديا ومحبطة اجتماعيا،تفتقد إلى الاستقرار والتفاؤل نحو المستقبل،فتؤثر في نواة الأسرة ثم ليمتد تأثيرها نحو المجتمع ككل . إن إحدى المعالجات الرئيسية لظاهرة الفقر تعتمد على توفير المورد المادي لإطفاء الحاجات الأساسية وانتشالها من وضعها البائس للعيش بمستوى لائق و بعيدا عن العوز،إلا إن ذلك يصعب تطبيقه في معالجة حالة التسول والتي نادرا ما تتأثر بالتحسن المادي فمع كل المردودات المرتفعة التي يحصل عليها الكثير من الفقراء من التسول فهي لا تعكس أي تغيير على مستوى معيشتهم مما يدللان على أن ظاهرة التسول حالة نفسية تتلبس الشخص بشكل إدمان يصعب التخلص منه إلا بالمعالجة النفسية ولتأكيد ذلك فان هناك الكثير من المتمكنين ماديا وأصحاب مهن محترمة يمارسون بعض أساليب التسول بشكل خفي عن طريق استغلال المنصب الاداري واخذ الرشى فالمحددات التي تحكم الفقر تختلف جذريا مع تلك التي تحدد حالة التسول،فان كان كل متسول يعتبر فقيرا فلا يصح أن يكون كل فقير متسولا،باعتبار أن ظاهرة التسول ظاهرة نفسية يصعب معالجتها بالطرق المادية كما هو الحال بالنسبة للفقر.وتعتبر ظاهرة التسول من المستجدات الحضارية التي تميزت بظهور الإنتاج الكبير وتطور التعامل التجاري وظهور الفوارق الطبقية وتعدد الاحتياجات الحياتية،فبعد أن كان المتسول يقنع بما يسد رمقه جعل من التسول مهنة تدر عليه موردا يمكنه من ضمان متطلباته المتعددة. كان لتأثير المعالجات والحلول المتبعة لظاهرة البطالة في امتصاص الكثير من قوة العمل العاطلة،وأكثرهم من الفقراء ومشاركتهم في ساحات الإنتاج والخدمات وانتشالهم من هوة الفقر إلى مراتب أفضل وعيشة أسمى،إلا أن ذلك لم يؤثر على المتسولين إلا بنسبة ضئيلة مما يؤكد أن ظاهرة التسول نادرا ما يؤثر فيها العامل المادي وأن العامل السيكولوجي له التأثير الأكبر.ويعتبر التفكك الاجتماعي من أهم المؤشرات التي تساعد على إنماء ظاهرة التسول،فحين يتصدع شمل العائلة ويتدهور وضعها الاقتصادي وتفقد رأس العائلة الذي كان يعيلها،ليس من ملجأ لإفرادها الذين اغلبهم لا يحسنون مهنة ما سوى امتهان التسول وخلق عالم خاص لكل منهم، فمن المعروف أن عالم التسول هو عالم الانفرادية على الغالب . بسبب غياب الضوابط والتعليمات التربوية وبسبب التفكك الأسري تدني مستوى المعيشة شاعت ظاهرة التسرب المدرسي وترك الدراسة خصوصا للأطفال والعمل في القطاع الخاص أو التسول والذي كثيرا ما كان يؤدي إلى الانحراف والضياع ، ويعتبر من أهم روافد التسول عند الأطفال . ارتفاع درجات الحرمان في الميادين الرئيسية كوضع الأسرة وميدان البني التحتية والتعليم غيرها ساعد في خلق أجواء مناسبة لنشر الفقر والتسرب المدرسي والتفكك العائلي وغيرها وكل هذه تساعد على انتشار التسول والانحراف ويجب على الدولة وضع قوانين صارمة للقضاء على هذه الظاهرة أضافة لدور الاعلام في تثقيف المجتمع أيضا
أبحث عن موضوع
الأربعاء، 23 ديسمبر 2015
التسول آفة تنخر المجتمع( مقال )................. بقلم : رفاه زاير جونه // العراق
تعتبر ظاهرة التسول من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا في العالم وقلما يوجد مجتمع يخلو منها بسبب قدرتها على التخفي بإشكال متعددة فهي نتاج الحضارة الإنسانية ومن نتائج الفوارق الطبقية حسب الفترات التي مر بها العالم وتقسيماته إلى دول غنية ودول فقيرة إذ نمت هذه الظاهرة مع النمو الحضاري بشكل متواز وحسب طبيعة كل مجتمع وكذلك حسب الفترات الزمنية التي يمر بها وقد أتاح لها ذلك وضعا مألوفا ومقبولا من قبل الآخرين فسح المجال لها للنمو والاستمرار بعيدا عن كل رادع . إن الدخول في عالم التسول أمر صعب لضبابيته وصعوبة الحصول على المعلومات اللازمة و الإحصائيات الدقيقة للوصول إلى الفضاء الواسع لهذه الظاهرة، توجد صعوبة في الإحاطة بهذا العالم الغريب، متمثلة في الجانب الاقتصادي ومؤثراته من فقر وبطالة والتشغيل ومستوى دخل الفرد، والتفكك العائلي ثم التسرب المدرسي، وضعف الوعي الديني والعوق والمخدرات والقوانين والتقييم الاجتماعي والانحراف كظاهرة ملازمة للتسول خصوصا بالنسبة للأطفال الذين يقعون فريسة سهلة من خلال ممارسة التسول لضعف بنيتهم ومستوى إدراكهم ،وبأشكاله المختلفة كممارسة السرقة أو في توزيع المخدرات وغيرها مسببين خطرا داهما للمجتمع . ولصعوبة مراقبتهم وتنشئة جيل غير سوي مستقبلا . استقطبت ظاهرة التسول كل فئات الأعمار سواء الشباب والكهول والنساء والأطفال وقد شكل انخراط الأطفال في هذه العملية خطورة فادحة تستوجب الانتباه وتوقي الحذر منها باعتبار الأطفال هم دعامة المستقبل التي يعتمد عليها في بناء التنمية الوطنية وأن تعرضهم لمشقة هذه الظاهرة وحرمانهم من كل حقوقهم كالصحة والتعليم يعتبر عمل غير أخلاقي ولا أنساني تنهى عنه كل المبادئ والتشريع الدولي والعامل الأسري يلعب دورا أساسيا في دعم ظاهرة التسول وخصوصا عند الأطفال فعادة الطفل يتماشى مع البيئة التي يحيا في وسطها،ولغياب عامل المقارنة مع الغير بسبب ضعف مستوى الإدراك لديه يصبح الواقع الذي يعيشه مقبولا وفي بعض الأحيان حتى مثاليا، وبذلك يعد الطفل إعدادا كاملا ليحتل المكان المناسب له ضمن وضع العائلة، إذا كانت العائلة تمتهن التسول بكاملها، ففي السنوات الأولى من عمره يمارس التسول برفقة أحد أفراد العائلة ( الأب او الام او كليهما) او يعمل بمفرده ولكن لصالح الأسرة، وبعد سن العاشرة يكون الأمر محرجا للطفل فيصعب عليه ممارسة التسول باعتباره أصبح يافعا ويمكنه الاعتماد على نفسه فلا يلقي تجاوبا من الآخرين في مساعدته فيضطر للعمل، ألا أن ما يحصل عليه من أجر لا يمكن مقارنته بما كان يحصل عليه من التسول، في هذه المرحلة يكون طريق الانحراف أمرا واقعا ليحصل من خلاله على المردود المقبول، وسبل الانحراف تكون ميسرة ومغرية أمام الطفل ويعتبر المال عامل جذب للإيقاع به تلبية لرغبته والأسرة،ومن أهم أنواع الانحراف هو الانحراف الجنسي والسرقة وتوزيع المخدرات والتي تتناسب مع وضع الطفل . ومن أجل تسليط الضوء على المؤثرات المباشرة في توضيح ظاهرة التسول والتي تشمل المؤثرات الاقتصادية والمؤثرات الاجتماعية والمؤثرات السيكولوجية ومدى تداخلها في تعزيز ظاهرة التسول باعتبارها آصرة واحدة لا يمكن معالجة واحدة دون أخرى، ولكن دراستها بشكل منفصل يساعدنا على مدى نسبة التأثير لكل عامل على هذه الظاهرة. تستمد الأسرة استقرارها أساسا من توفر الحاجات المنزلية وباقي متطلبات الحياة المعيشية ضمن وضعها المادي وفترة الزمن المعاشة، مما يصعب إسقاط أي برنامج تربوي على أسرة تعاني من خلل مادي وإمكانية خلق استقرارا يؤدي إلى علاقات أسرية سليمة،وهو القادر على منحها الحيز الاجتماعي الذي يمكن أن تشغله وتقدم عطائها،فالاسر ذات الدخل المرتفع يختلف انفاقها عن الاسر ذات الدخل الواطئ وفق طبيعة احتياجات كل منهما،فقد تبين أن المجتمعات المتحضرة تتأثر بصورة أكبر في سعة الأنفاق مما هي عليه في المجتمعات المتخلفة المتجذرة فيها قيم السلف والعادات التي تقف حائلا في الرغبة في تغيير الواقع المادي أو المعنوي. إن بعض السمات الاجتماعية،الاقتصادية، والسيكولوجية، المترابطة والمقترنة ببعض المعتقدات والقيم تفضي إلى منظومة ثقافية يتميز بها الفقراء، وأن هذه المنظومة تعمل على إحباط الدافع إلى العمل والتغيير إنها تنتقل في المجتمع وتبقى عبر الأجيال، أما المناهضون لهذا الرأي فيقولوا أن الفقراء لديهم الدافع وهم في واقع الأمر يحاولون تحسين أوضاعهم، وأن تفسير الفقر يكمن في غياب الفرصة وغياب البيئة المساعدة للأسر الفقيرة ذات الدخل المنخفض والتي تعاني من شحه في المورد وصعوبة في الإنفاق والتي يعتبر البعض خطأ أن المتسولين جزء منهم،تؤثر فيه أي نسبة من الزيادة في المورد لتصحيح وضعهم المعيشي ولكن بشكل نسبي كما ذكرت سابقا إلا أن الوضع يختلف بالنسبة للمتسولين،ففي الوقت الذي يهدف فيه المتسول للحصول على أعلى المردودات إلا انه يندر أن ينفق منها شيئا لتحسن حاله،فالأمر المستهدف لدي المتسول هو الحصول على أفضل الإيرادات ولكن ليس لإنفاقها وإنما لخزنها وهذا ما يميز وضع المتسول عن الفقير . وأن المضامين الاقتصادية المؤثرة في التسول كالفقر والبطالة والتشغيل ومستوى الدخل . يعتبر الفقر من المشاكل المعقدة وذات التأثير المتعدد الجوانب الذي يصيب الفرد أو المجتمع،فنادرا ما يخلو مجتمع من هذه الظاهرة بسبب تعدد أشكالها وأسلوبها مما يصعب معالجتها بالصورة المرضية،ولصعوبة الاتفاق على تعريف محدد لها بسبب اختلاف مستوى الوضع المعيشي لكل مجتمع عن الآخر،إلا أن التعريف الذي يكاد أن يكون مقبولا من الجميع هو عجز الفرد أو الأسرة عن توفير الموارد الكافية لتلبية الاحتياجات الأساسية لتحديد مستوى الفقر في أي مجتمع يعتمد على حساب خط الفقر الذي يمثل الحد الأقصى لمستوى المعيشة والتي بعدها يعتبر الفرد فقيرا ويمكن حسابه بالفرد الذي لا يحصل على أقل من نصف حصة الفرد من الدخل القومي وهو مؤشر عام عن مستوى المعيشة لبلد ما مقارنة بمستوى معيشة بلد آخر، وان الفقر بجميع انواعه سببه البطالة المقنعة وتعد من أسوء أنواع البطالة لانتشارها بشكل واسع خصوصا بين الدول النامية ، والتي تعني صرف الوقت في أعمال قليلة الإنتاج ( البطالة آفة اقتصادية اجتماعية تنخر في المجتمع فتحيله إلى طاقات مفككة غير قادرة على العطاء اقتصاديا ومحبطة اجتماعيا،تفتقد إلى الاستقرار والتفاؤل نحو المستقبل،فتؤثر في نواة الأسرة ثم ليمتد تأثيرها نحو المجتمع ككل . إن إحدى المعالجات الرئيسية لظاهرة الفقر تعتمد على توفير المورد المادي لإطفاء الحاجات الأساسية وانتشالها من وضعها البائس للعيش بمستوى لائق و بعيدا عن العوز،إلا إن ذلك يصعب تطبيقه في معالجة حالة التسول والتي نادرا ما تتأثر بالتحسن المادي فمع كل المردودات المرتفعة التي يحصل عليها الكثير من الفقراء من التسول فهي لا تعكس أي تغيير على مستوى معيشتهم مما يدللان على أن ظاهرة التسول حالة نفسية تتلبس الشخص بشكل إدمان يصعب التخلص منه إلا بالمعالجة النفسية ولتأكيد ذلك فان هناك الكثير من المتمكنين ماديا وأصحاب مهن محترمة يمارسون بعض أساليب التسول بشكل خفي عن طريق استغلال المنصب الاداري واخذ الرشى فالمحددات التي تحكم الفقر تختلف جذريا مع تلك التي تحدد حالة التسول،فان كان كل متسول يعتبر فقيرا فلا يصح أن يكون كل فقير متسولا،باعتبار أن ظاهرة التسول ظاهرة نفسية يصعب معالجتها بالطرق المادية كما هو الحال بالنسبة للفقر.وتعتبر ظاهرة التسول من المستجدات الحضارية التي تميزت بظهور الإنتاج الكبير وتطور التعامل التجاري وظهور الفوارق الطبقية وتعدد الاحتياجات الحياتية،فبعد أن كان المتسول يقنع بما يسد رمقه جعل من التسول مهنة تدر عليه موردا يمكنه من ضمان متطلباته المتعددة. كان لتأثير المعالجات والحلول المتبعة لظاهرة البطالة في امتصاص الكثير من قوة العمل العاطلة،وأكثرهم من الفقراء ومشاركتهم في ساحات الإنتاج والخدمات وانتشالهم من هوة الفقر إلى مراتب أفضل وعيشة أسمى،إلا أن ذلك لم يؤثر على المتسولين إلا بنسبة ضئيلة مما يؤكد أن ظاهرة التسول نادرا ما يؤثر فيها العامل المادي وأن العامل السيكولوجي له التأثير الأكبر.ويعتبر التفكك الاجتماعي من أهم المؤشرات التي تساعد على إنماء ظاهرة التسول،فحين يتصدع شمل العائلة ويتدهور وضعها الاقتصادي وتفقد رأس العائلة الذي كان يعيلها،ليس من ملجأ لإفرادها الذين اغلبهم لا يحسنون مهنة ما سوى امتهان التسول وخلق عالم خاص لكل منهم، فمن المعروف أن عالم التسول هو عالم الانفرادية على الغالب . بسبب غياب الضوابط والتعليمات التربوية وبسبب التفكك الأسري تدني مستوى المعيشة شاعت ظاهرة التسرب المدرسي وترك الدراسة خصوصا للأطفال والعمل في القطاع الخاص أو التسول والذي كثيرا ما كان يؤدي إلى الانحراف والضياع ، ويعتبر من أهم روافد التسول عند الأطفال . ارتفاع درجات الحرمان في الميادين الرئيسية كوضع الأسرة وميدان البني التحتية والتعليم غيرها ساعد في خلق أجواء مناسبة لنشر الفقر والتسرب المدرسي والتفكك العائلي وغيرها وكل هذه تساعد على انتشار التسول والانحراف ويجب على الدولة وضع قوانين صارمة للقضاء على هذه الظاهرة أضافة لدور الاعلام في تثقيف المجتمع أيضا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق