أبحث عن موضوع

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

صاحب الكرسي الرابع (قصة قصيرة ).................. بقلم : رائد مهدي // العراق




وبينما كان يجلس على مقعده الرابع من الحافلة والتي كانت تقله من بغداد الى البصرة كان سائقها يتمشدق بكلماته بين الحين والآخر ويردد كما الببغاء اثناء استماعه لحديث في المذياع بشأن تارك الصلاة وعن الاحكام الشرعية المترتبة عليه وعن مصيره في عالم الآخرة وكان السائق يطلق تشفّيه بما سينال أولئك من عقاب وسوء العاقبة فكان يردد :ما مصيركم يا تاركي الصلاة ما لذي ستلاقونه من هول في يوم المحشر مَن سينجيكم من عذاب الله أيها الكفار أين تفرّون وكان يحمد الله مرارا لأنه من اهل القبلة والصلاة وانّه من اهل النجاة وأنه من الفرقة الناجية يوم الطّامة الكبرى .قهقه بضحكته العالية :-الى اين ستفرون أيها الملاحدة وياايها العلمانيون المتشككون في كل الحقائق. بعدها قرأ سورة قل يأيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون واستغفر ربه العظيم من كل ذنب عظيم وشكره على نعمة الهداية وانه جعله من اهل اليقين الثابت على هدى الأولين ولم يجعله من المتشككين العصريين وكان يشكر الله لأن ذهنه منعقد على عقيدة آبائه والتي لا ينفك ذهنه عن رؤية الأمور وتصوّر الحقائق إلا بموازينها وأنه على عهد الأجداد للأحفاد سيتمسّك بها الى النفس الأخير من الحياة وحتى الرمق الأخير منها. وبينما كان مسترسلاً في هذيانه الذي يبدو هستيرياً للجالس على الكرسي الرابع بينما يبدو للسائق امرا بالمعروف ونهي عن منكر وجهاد في سبيله وكان واثقا تمام الثقة من نفسه وأنه لاريب فيما يقوله أبدا تحدث المسافر من على كرسيه الرابع لمن هو بجانبه الى جهة النافذة طالبا منه ان يفتح النافذة ولو قليلا ليدخل بعض من الهواء الى الحافلة لأنه بدأ يشعر بالغثيان من رائحة التبغ والزفير المحتبس من انفاس المسافرين الذين لم يجرؤ احدهم بسبب البرد على فتح نوافذهم ولو قليلا ليتجدد الهواء وتطيب رائحة المكان وكان شعوره بالغثيان يتزايد نتيجة لسماعه لغو هذا السائق وطريقته الاستفزازية في التحدث عن معتقده والصورة البشعة التي وضع بها كل مَن هو ليس على شاكلته وتصوّرهم بها كما لو انها استحقاقهم وكان يتشفّى بهم أيّما تشفي وكأنهم قتلة لأبيه او سالبين لأمواله او مانعيه عن إرثه وكان المسافر قد بدأت نفسه باللوم عليه قائلة : ماذا كان عليك لو انك ركبت في سيارة اجرة خاصة بك بعيدا عن هذا اللغو والحديث الممجوج لكنت قد ارتحت من هذه الثرثرة وهذا الهذيان الذي يستجلب الصداع لكل من يدرك الحياة ادراكا واقعيا بينما يستجلب الأنس لكل من يدرك الحياة بمقاييس وابعاد تنتمي لعوالم لا تتصل مع العقل البشري ولا ذهن الانسان بأي برهان يقيني لا يختلف عليه اثنين وقد يكون صاحبها واقعا في ابعاد الوهم او التيه او اللامعنى بينما يحسب نفسه انه في قمة الوعي وفي ذروة الحقيقة التي ليس من ورائها حقيقة تلك التي لا ينالها الا مَن انعم الله عليه واجتباه لمعرفته. وبينما يكرر السائق لغوه الذي اعتاد عليه طوال الطريق اطلق عبارة في قمة الاستفزاز قائلا : اتحدّى اي شخص في العالم ان يرد على الحديث الذي تطرّق اليه فضيلة الشيخ قبل قليل في المذياع حيث حدّثنا مشكورا عن المصير المخزي لأولئك المتشككين بوجود العلة الأولى للكون وعن احوالهم في نار جهنم وبئس المصير والتي تنتظر بلهفة لتحرق كل مرتاب وكل متكبر كذاب لا يؤمن بيوم الحساب وأضاف عليها عبارة: وهل لا يؤمن بيوم الحساب إلا كل متكبّر كذاب !! عندها اثار حفيظة المسافر على كرسيه الرابع فقال : أنا ارد عليك وعلى شيخ المذياع شريطة ان يكون في صدرك متّسع وان لا يضيق عن استيعاب وجهة نظري ورؤيتي للموضوع ولا تردّها عليَّ الا بالرد الجميل والدليل المقنع. هل نبدأ الكلام ياحضرة السائق ?
ـ نعم تفضل أيها الأخ الكريم وقل ردّك حول ما قاله شيخنا الجليل والذي كان قد تحدث قبل قليل عن أحوال الملاحدة في العالم الآخر .
قال المسافر : يا حضرة السائق عليك أوّلا ان تعرف ان كوكبك الذي تعيش عليه هو مجرد هباءة عائمة في الكون لا اكثر وانت تقع ضمن مجموعة من الكواكب السيارة ومركز المجموعة كوكب الشمس وهذه المجموعة هي واحدة من خمسين مليون مجموعة شمسية تشكل ما يطلق عليه علماء الفيزياء بمصطلح المجرة ومجرتنا هي درب التبّانة وتتألف من الف مليون كوكب والى جانب مجرتنا مجرة أخرى تدى بالمتسلسلة وتتكون من تسعمئة مليون كوكب وعدد المجرات التي رصدها التلسكوب النجمي هي مليار مجرة وما عجز عنه رؤياه التلسكوب من المليارات الأخرى والأعداد اللامتناهية من المجرات فهو اكثر بكثير مما وصل اليه الرصد الفلكي وبلغه والذي يبدو لعلماء الطبيعة ان ابعاد الكون هي تقع ضمن اعداد ونهايات يعجز الذهن البشري عن تصورها ولو حتى افتراضاً وما عجز الذهن البشري عن تصوّره فلن يكون لبلوغ حقيقته من سبيل ولكي لا اطيل عليك وقد قرب موعد صلاة الظهر التي انت تحرص عليها كثيرا لكونها الصلاة الوسطى والموصى بها كثيرا عندكم دعني أقول لك رأيي وباختصار شديد : لاترهق ذهنك بمعرفة أمور خارج نطاق التصوّر الذهني لأنك لن تبلغ حقيقتها مهما اجهدت نفسك. لأنه لن يكون لك سوى التوقعات والاحتمالات والافتراضات. والتصورات التي لا تثبت يقيناً ستبقى ضمن اطار الوهم حتى يتيقن منها وبالدليل القطعي والذي لايختلف عليه اثنين .ومتى استطعت ان تدرك ابعاد الكون وحجمه وبلغت نهاياته وعرفت مكانك به ومكانتك منه وادركت حقيقته كما هي فبأمكانك حينها ان تحدثنا عن عوالم اخرى تقبع خلف الكون ولأنه من غير اللائق ان يتحدث طالب في المرحلة الأولى ويناقش متحمّساً ويخوض في مواضيع تخصّ المرحلة الرابعة من التعليم بينما هو لم يزل عاجز عن الأحاطة بمناهج مرحلته الابتدائية الأولى. فأدرك حقيقة الكون الذي انت به أوّلاً و لك ان تحدّثنا بعدها بما تشاء عن عوالم اخرى تقبع وراء الكون ومايحدث فيها .وفجأة بدى لهم مطعم على الطريق وخفّف السائق من سرعة الحافلة ورويدا رويدا توقّف بجانب المطعم وفتح باب سيارته ونزل منها ساخرا يهز يده بأستهزاء قائلا لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق