تغضّنات قاسية تعلو وجوه الناس هذه الأيام. أرواحهم تطوف بها الظلمة، وجنون الأيام يلاحقهم كما يلاحق البراعم والطيور والكائنات الأخرى. يتيهون في الطرقات، تتقاذفهم أفكار مجنونة، وفي ذاكرتهم تزدحم الأحداث. لقد تغيرت لغة الكلام ورسوم الأطفال، والكلّ في متاهة، تُرسم لهم فيها الحدود والأسلاك.
أما أيهم فيسير غير آبه بما يدور من حوله، أو هكذا يبدو، على الأقل. ربما يعيش في عالم غير هذا الذي يعيش فيه الآخرون، أو ربما كان إيمانه قد جعل منه إنساناً لا يشكي ولا يتذمّر.
"كلّ شيء سيكون على ما يرام،" يهزّ رأسه ويسرع الخطى باتجاه الفرن الذي يقصده كلّ يوم. يتناول رغيف خبز ويبدأ بالتهامه، رافعاً رأسه إلى السماء وشاكراً هذا العطاء اليوميّ. يتمتم كلمات غير مفهومة، مليئة بالرموز والعبارات الغامضة.
الذين يعرفون أيهم يعرفون أيضاً عن علاقته الحميمة مع الحيوانات. كثيراً ما يراه وليد يطعم القطط والكلاب بحنان ورأفة بالغين. وقد سمعه خالد مراراً يتحدّث إليها كما لو كانت أطفالاً. أما علي فيبتسم ويقول: "هكذا هو أيهم.. نحن مَن لا نعرف كيف نعيش."
عصرَ يوم الجمعة الماضي، كان أيهم يجلس تحت شجرة بجانب جدار بيتنا الخلفيّ. ليس بعيداً عنه كان أطفال الجيران يلعبون بكرة صغيرة. سقطت الكرة بضربة من قدم أحدهم بالقرب من أيهم. ابتسم للكرة، حملها واتجه نحوهم. توقف الأطفال عن اللعب والقلق يبدو على وجوههم، لكن أيهم سارع بالسؤال:
"هل توافقون أن ألعب معكم؟"
ضحك الجميع واستأنفوا اللعب، غير آبهين بأصوات الرصاص الآتية من بعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق