وقوف على حافة اللاوعي لمسك الضوء
قراءة نقدية لمجموعة ( قراءات في دفتر الجنون ) للشاعر عباس باني المالكي
محمود النمر
الكتابة على حافة اللاوعي تكون اكثر اشراقا من الوقوف في الذات بوعي ناضح بالحقيقة، وتأتي هذه المحصلة من التجارب التي تمر بنا من خلال ما نقرأ من شعر او نثر ومن رواية تكتب على حافة اللاشعور التي تشكل قدرة المكونات الاستكشافية لاضاءة الواقع الواعي، والكتابة الابداعية التي تدخل الى عالم يقف على حافة اللاوعي بشكل او باخر ماهي الا كتابة في الوعي يحاول الكشف عن العوالم الجوانية لـ "طوبوغرافية " العقل وتعقيداته، عبر تحسسه لعوالم لن نجدها في الوعي، وتأتي هذه المحصلة على جميع الفنون وليست على الشعر فقط.عند قراءتي لديوان " قراءات في دفتر الجنون " وجدت ان الشاعر عباس باني المالكي ، يلج هذا العالم الفسيح واللامتناهي ليقود مركبته الى عوالم غير مكتشفة تابى التصريح بمكنوناتها.
هذا الشاعر ينسلخ من جاذبية العقل الى مملكة الروح ،لذلك يتمكن من مسك الضوء او الوصول الى بيدر الحقل الضوئي الموجود في ايقونة الروح التي تتراكم عند المبدع لحظة استشرافه لتلك العوالم الموغلة في الذات راكبا اليها موجة الضوء ليحصد ما اكتمل لديه من ذلك الحقل ،وهذه القدرة لايصلها الا من يمتلك قدرة اختراق بؤرة الخيال وعباس باني تمكن من ذلك عبر خيالاته المتشظية التي جمعها حينما أراد ان يسترجع الوعي، كي يتمكن بعدها من ملء سلاله بالضوء الذي حصل عليه في حقله الضوئي، وهو يمسك قبضة المعنى المكتشف اضافة الى تلك السلال المعبأة بالضوء وتلك قدرة الشاعر او المبدع الذي ينفلت ويهرب الى حافة اللاوعي .
في قصيدة " شبكة الضوء " الصباح يمد اصابعه كشبكة الضوء / ليصطاد عيوننا بالاستيقاظ / الى رحلة الجزر / حيث يكون صفاء السماء/ قريبا الى مجسات عيوننا / كأنه الموج القادم / من ابتعاد القارات /عن بعضها / كي تتشابك ايديها / من اجل ان تحتضن البحر .
انظر الى انفلات الشاعر الى عالم اللاوعي ،هو نفسه يرمي تلك الشبكة ليصطاد الضوء للعيون ،كذلك هو الذي يدخل الجزر التي كان يحلم بها في سباته ،ويركب الموجات العاتية القادمة من الصخب،من تلك القارات البعيدة جدا في مسالك العدم ، وهي تحتضن البحر، التي يقول عنها الشاعر الفرنسي سان جون بيرس " ضيقة هي المراكب / ضيق سريرنا " هنا يكون الشاعران في وحدة معنى متصل ولكن كل يصل الى عالمه الوحيد عبر وصوله الى حافة اللاوعي.
وعندما يتحول الشاعر في " نافذة السمع " الى عالم الصوت الحسي عبر المجسات الصوتية ،تزدحم عنده السلالم الصوتية،وهو يتحسس نبض الصوت الاتي من السفن الغارقة بالمجهول، وهو يتنظر متى يطرق صوتها نافذته التي تزخر بالاصوات الا صوتها وهو يتلمس جدار الحواس بقدرة شاعر.
ابحث عن هواتف الارض وهي معطلة عن ذاكرة الزمان / ابحث عمن غيرت ارقام نبضها / اتمنى ان اسمع صوتها / وان جاء مع الغيم / ينقر على زجاج نافذة سمعي. هذه الجمل الشعرية تحيلنا الى الصوت الذي يبحث عن الصوت والعوالم الضاجة بالرنين والنبض الذي يقودنا الى الدقات المشحونة بالتدفق والغيم الذي يزدحم بالرعد والزجاج العاشق لقطرات المطر بلا مظلة، انها موحيات تمكن الشاعر عباس باني من توصيلها من حافة اللاوعي الى اشتغالات الوعي.
المجموعة تزدحم وتزخر بالمعاني والصور المتشابكة العابرة الى فضاءات لم يصلها الا من يلج تلك العوالم التي اشرنا اليها ضمن هذه القراءة السريعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق