غادرنا بلدتنا– نحن أصدقاء ثلاثة –، بلدتنا تقع على تخوم الصحراء، متجهين جنوباً إلى مكة بموسم الحج، من أعيان البلاد موكبنا كبير جمال وخدم كثيرون، الصحراء تمتد أمامنا متاهة بلا حَدٌّ ولا حدود
والرمل تحت أشعة الشمس رمادي شاحب، من بعيد لاحت قرية صغيرة تحت الجبل ، – يغدق عليها الحنان – طباشيري باهت، سنأوي إلى هذه القرية نمضي الليلة فيها، تقدمت أنا أصغرهم وصديقنا الأوسط ، كبيرنا بقي على تلّة مشرئباً ينظر ويرقب، قرص الشمس بحمرته الخلابة الذائبة، لأداء صلاة المغرب، نصبت الخيام في ساحة القرية، أوقدت النيران لإعداد الطعام، تسامرنا وبدأت نسائم الليل تهب باردة، فجأة انقطع الحديث، اقتربت من الخيمة امرأة عجوز، كثة شعر الرأس ثوبها صاخب الألوان، من أنت يا امرأة يا عجوز؟ لم يهتز لها طرف، أجابت بثبات أنا عرّافة القرية وكل القرى الأخرى، ما الذي جاء بك إلى هنا... القدر... أجابت!.، قالت أنتم ثلاثةٌ تجتمعون اليوم وغداً تتفرقون، لا جمع لكم، غاصت الأحاديث في عمق السكون، لا يقطع الصمت إلاّ طقطقة الخشب
والشرر الذي يتطاير منه، قال لها صديقنا أكبرنا سنًّا، هذه الأمور لا يعلمُها إلا الله، . قالت له: ولكن سماتهُ في خلقهِ لا تخطئ.، قال لها أنت مجنونة فأجابته بحدة...، الزمن أصابهُ الجنون! وهي تدير لنا ظهرها، قالت: أحدكم حاكم! والآخران عاصٍ وخارج على القانون!، توالت الأيام وكانت في انتظارنا الحوادث الجسام، نسينا حديث العجوز العرافة معنا
القدر يلعب لعبته معنا...، رجعنا إلى الديار بعد مشقة وعناء،. توفي ذات يوم حاكم البلاد، لابد أن يحل محله رجل إصلاح ومن أهل البلاد وأكابرها، تسلم مقاليد الحكم أكبرنا سناً كثير الصلاة والعبادة!
للكرسي أحكام وألوان والنفس أمّارة بالسوء، لم توافق غالبية الرعية على سلوك الحاكم الجديد، وتصريفه لمقاليد الحكم، أذاق البلاد والعباد شتى ألوان العذاب، ثار عليه نفر من الناس والأتباع ومنهم نحن الاثنان، الناس بقيادتنا عاصٍ وخارج على القانون، وتحققت نبوءة عرّافة الصحراء
15/9/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق