أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 17 مارس 2015

قراءة نقدية لقصة (ليلة ضاع فيها الرغيف ) للقاص أنمار رحمة الله أنمـار رحمة الله ...................... بقلم الناقد : عباس باني المالكي /// العراق




الذاكرة مرفأ الخيالات، يعصف بحرُها ويستكين. يقلّبُ الماضي على راحتيها الأوجاعَ/الأماني/البكاء/الشعور التائه في عالم أثيري عميق. فصعبٌ هو مصارحةُ الذات، والأشدّ صعوبة الاسترسال في عدم نكران الواقع. وخصوصاً إن من تخصّهُ الحكاية رجلاً ستينـياً يـودّع زمنا ً غابرا ً، ويمارس الحياة في بساطة مألوفة لعمره الشائخ. الشتاءُ عانق المدينة، طابعاً على خدها الأسمر قبلاً باردة. كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفأة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة. كنتُ أراقبه عن كثب حين يبكي من دون سبب، خافياً بكاءَهُ عن الكبار، ومسترسلاً في دموعه أمامي غير آبه، بحكم أني صغير وغير مكترث لدموع رجل عجوز، وهو الآخر ينظر إليّ النظرة ذاتها دون اهتمام.
مازلتُ أتذكّرُ صوته البعيد، وارتعاشَ يدهِ الشائخة. سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة، وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها، سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعتين "بخير" أجبته ببساطة.
صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفولي :-
- جدي ..جدي..لماذا تبكي .؟!
بانتْ ابتسامةٌ على وجههِ المتعب ،ثم ربّتَ على كتفي، اعتدلتُ في جلستي وبدأت أطالعُ قسماتِ وجههِ وهو يزفرُ تأوهاً حين ذكر "الماضي" وقصةً أشرقَت في كلامِهِ كشمس خجــولة .
توسّـلتُ إليه راجيا ً أن يقـصّها لي، فما هي إلا ثوانٍ وانفرجتْ الستارةُ في مسـرحِ الـذّاكرة معلنةً هي الأخرى تأوهات خفية في اللاشعور حيثُ استطردَ قائلا ً:
- حين كنتُ شابا ًوكان لزاما علي ًأن أكملَ خدمتي العسكرية ،تعلـّقتُ بصديقٍ حنون لي في تلك المحنة.
قاطعته ُ مستفسرا ًعن اسم صديقه فأجاب:
-لا يهمنا اسمه، فالأسماء لوحات رخام نخفي تحتها قبورَ الأرواح ) لم أفهمه في تلك اللحظة وتركته يكمل حديثه مبحراً :
كان صباحنا يعلنُ بدايةَ يوم شتوي جديد، وكانتْ الطيور تحلـّقُ فوق كتيبتنا ، تطالعُ تدريباتنا الصباحية الرتيبة، نقفز ونتمرن ونهرول غير آبهين بالبرد، كنّا متحابين تجمعنا شفافية الوئام والحب والصفاء. كنتُ وإياهُ بمنأى عن الباقين، فقط ْأنا وهو؛ نأكلُ وننام ونحكي وقتَ الغروبِ حكايات عن مدننا وقرانا البعيدة، فتارةً يحكي لي عن حبٍ أرّقهُ، وتارةً أحكي له مشاعري وحكايات حب انتهتْ يوماً ولم تفلحْ. كانتْ حياتنا سعيدةً بالرغمِ من تعاسةِ المكان، وتكالبِ الهمومِ الوطنية التي جمعتنا في معتقلِ الرتابة والواجب.
اعتدلتُ في جلستي بعد أن رَعدتْ السماء، نظرت إلى وجه جدي الخافت مستفسراً في استغراب:
- ولكن يا جدي ما الذي يبكيك في هذه الحكاية .؟
وضع الرجل العجوز نظارته على الطاولة المجاورة، ثم فرك عينيه بهدوء مستذكراً :
- مرتْ علينا ذاتَ شهرٍ أيامُ جوعٍ وقحطٍ، بسببِ بعد موقعنا البائس، فتكالبُ الطـقسِ علينا قطع الإمدادات من معونةٍ وإعاشةٍ دورية، وتكفـّلَ الشتاءُ بالباقي، حين أذابَ ما أخفيناه من طعام وشحوم وعزيمة، وبعد أيام ظهرتْ بوادرُ الخير حين لاحتْ لأعيننا مركبةُ الإعاشة من بعيد، عادتْ كـ (سانتا كلوز) محملةً بالهدايا للجائعين. في يومها لم تسعنا الفرحة، لقد كنـّا على مشارف الموت نتيجة الجوع، قلت لصديقي "سوف نأكل حتى نموت من الشبع" ضحكَ صديقي وحمدَ اللهَ بوجودي معه في محنتنا تلك. وصلت المركبةُ المتهرئةُ إلى باب الكتيبة اليتيمة،ثم اغلق السائـقُ باب َ المركبة بقوة ،و سـلّمَ على الموجودين، قاصداً مقرّ الإعاشة، ومبلغا ً أن ما بحوزتهِ أرغـفة خـبز لا أكثر، صُعـِقَ الجميعُ بهذا الخبر القاتل، وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدّسٍ في الوجود، واستغفرَ بعضُهم ربَه صابراً على ما أصابه من ضـيم ٍ، وأنا وصديقي نتفرج على مهزلةِ الجوع الأليمة، لا نعرفُ أنبكي.؟ أم نضحكُ...؟
وُزِّعَتْ أرغفةُ الخبز حيثُ أخذ الآمرون حصتهم المألوفة، ومن ثم تمَّ توزيع الباقي على من لهُ يدٌ وذارع مفتولة ولسانٌ فاتك. همسَ صديقي في أُذني (سوفَ أجلبُ لنا رغيفين نخرس بهما جوعنا ) هرولَ إليهم مسرعا ً علَّه يخطفُ قرص رغيف بائس، أنا لم أفعلْ شيئاً سوى رجوعي إلى قاعة المنام منتظراً الموتَ أو وصولَ قافلة إمدادات أخرى. عادَ صديقي مبتسماً وبحوزته قرصُ رغيف واحد، جلسَ قربي وهو يحكي قصةَ مغامرتِهِ للحصولِ على الجائزة، ومصارعةِ الباقين وخطف لُقيمات تخرس صوت الألم في غابة الجوع المظلمة. وضعَ الرغيفَ أمامي طالباً مني الأكل، ولكني رفضتُ معلناً صبري على الحال، متعاطفاً معه ، فقرصُ رغيفٍ واحد لا يكفي لرجلين، توسّلَ بي أن أشاطره فرفضتُ مجدداً، وأخبرته أني سوف أحصلُ أيضا على قرصِ رغيف آخر، ثم خرجتُ ولعلَّ في خروجي أملاً وجدوى. تركته وحيداً فـَرِحـاً بالنصر، فلمْ نحاربْ في تلكَ الكتيبة عدواً إلا الجوع، وقد هـُزِمْنا شرَّ هزيمة.
عدتُّ إليه صفر اليدين، سألني باستغراب(هل حصلت على شيء.؟ فأجبته نعم)، ولم أخبره أني مهزوم رجعت، سألني عن رغيفي فأجبته( أكلته في الطريق).
خيّمَ الليلُ وشيكا ً خافياً تحتَ لحافـِهِ أنـّات ٍ متفرقة لبعض الجائعين، مثلي طبعاً لم يفلحوا بالوصول إلى بغيتهم، صديقي أخفى رغيفه في حقيبته البسيطة، ثم توجَّه للصلاة شاكراً ربَه على ديمومة ِالحياة، كنتُ أراقبه عن كثب، فقد أوصاني ألاَّ أفارقَ الحقيبة، وخصوصاً أن فيها بعضَ ما يملكُ من أشياء، وأهمها رغيفُ الخبز الثمين.
أكملَ صلاته وشكرني على صبري، ثم توجهت أنا بدوري إلى خارجِ المكان لقضاء بعض الأشياء، وإذا بصوت صديقي يعلو من داخل القاعة، رجعت راكضاً إليه .. ماذا حصل ... ماذا حصل.؟)سألته في عجلٍ فأخبرني أن رغيفه سُرِقَ، سألتـُهُ هل رأيتَ الشخص الذي أخذه .؟قال ..لا لم أرَه ). بدأ صديقي يسأل الباقين، يستحلفُ هذا ويقسم على هذا، من أخذ قرصي الوحيد) يصيح بصوتٍ عالٍ، بدأ يفقدُ أعصابَه/يشتم/يبصق /يلعن سارقَ الرغيف، والكلُ في صمتٍ نائمون /مستسلمون للجوع والقدر. سألته هل وضعته في مكان آخر .؟ أجابني بـ( لا ..لا) .
رجعَ صديقي إلى فراشِه مستسلماً هو الآخر للجوع، وغطَّ في نومِه كعصفورٍ مكسور الجناح.في تلك الليلة الكلُ نام في هدوء، إلا أنا بقيتُ ساهرا ً حتى الصباح أستشعر أسرابا ً من الملائكة تهبطُ على قاعة المنام، حاملةً روحَ صديقي العزيز إلى عالمٍ انقرضَ فيه الجوع والحسد والأنانية، لم أعرفْ ليلتها هل رحل بسبب الجوع .؟ الألم.؟ أم الضياع والحُرقة ؟ نعم سهرتُ ليلتها وأصبحتُ بلا صديق ... بلا رفيق، لقد رحل إلى عالم الخلاص.وتركني وحيداً أمضغ آلامي وأرى أيامي تتآكل حزناً وندماً. رحل ذاك الصديق ،ولم يشبعني رغيف العالم كله، ومصيري أن أظل جائعاً إلى صديق حنون.
توقف جدي عن الكلام سارحا ً في عالم ٍ بعيد، فانبريت له سائلا ًبفضولٍ شديد:
- ولكن .. يا جدي هل عرفت من سرقَ قطعةَ الرغيف..؟
نكّسَ رأسه بحزنٍ عميق، ونَبس في استحياءٍ كالأطفال مشيرا إلى صدره :
- أ

تداعي الأحداث في محاور تنوير السرد القصصي في القصة القصيرة ( ليلة ضاع فيها الرغيف) للقاص أنمار رحمة الله
نص يتمحور على ثلاثة محاور
1- محور الغرائز البشرية ومنها الجوع
2- المحور العدالة
3- المحور الثقافة ومدى أحياء الضمير الإنساني داخلنا
4- الجهل وما يسببه من عدم أدراك القيمة الإنسانية( الضمير ) والترابط الجوهري بين الناس
5- المحور مدى التقرب النص من ثيمة السرد وحبكتها السردية لأن القاص أستخدم هنا التداعي الذهني الصوري البنيوي والتي على وفقها خلق الجملة السردية
6- المحور اللغة ..ومدى تقاربها من المعنى الذي يريد القاص أن يجعلها أشارة الى المعنى
من خلال هذه المحاور نستطيع أن نؤشر قيمة النص والمعنى المترتب والإشارة إليه
1- المحور الأول (- مرتْ علينا ذاتَ شهرٍ أيامُ جوعٍ وقحطٍ، بسببِ بعد موقعنا البائس، فتكالبُ الطـقسِ علينا قطع الإمدادات من معونةٍ وإعاشةٍ دورية، وتكفـّلَ الشتاءُ بالباقي، حين أذابَ ما أخفيناه من طعام وشحوم وعزيمة، وبعد أيام ظهرتْ بوادرُ الخير حين لاحتْ لأعيننا مركبةُ الإعاشة من بعيد، عادتْ كـ (سانتا كلوز) محملةً بالهدايا للجائعين. في يومها لم تسعنا الفرحة، لقد كنـّا على مشارف الموت نتيجة الجوع، قلت لصديقي "سوف نأكل حتى نموت من الشبع" ضحكَ صديقي وحمدَ اللهَ بوجودي معه في محنتنا تلك. وصلت المركبةُ المتهرئةُ إلى باب الكتيبة اليتيمة،ثم اغلق السائـقُ باب َ المركبة بقوة ،و سـلّمَ على الموجودين، قاصداً مقرّ الإعاشة، ومبلغا ً أن ما بحوزتهِ أرغـفة خـبز لا أكثر، صُعـِقَ الجميعُ بهذا الخبر القاتل، وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدّسٍ في الوجود، واستغفرَ بعضُهم ربَه صابراً على ما أصابه من ضـيم ٍ، وأنا وصديقي نتفرج على مهزلةِ الجوع الأليمة، لا نعرفُ أنبكي.؟ أم نضحكُ...؟) حيث نلاحظ وصف تأثيري على حالة الجوع وما يسببه من الكثير تغير النواميس البشرية (وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدّسٍ في الوجود)وطبعا هذه أشارة خفيه لما سوف يأتي من أحداث أي جعل المتلقي ينتظر كيف يتم هذا التنازل عن قيم الإنسان أي أن القاص هيئ المتلقي لكي يتقبل ما سوف يقوم به الراوي في القصة من عمل يجعله في موقف الضعف اتجاه غريزة البقاء بالابتعاد عن الجوع وتحول جميع الأفعال لدى الإنسان الى أفعال غير مدركة ضمن النواميس الحقيقة التي ينتمي لها الإنسان وهذه أشارة ذكيه تعبر عن رؤيا مسبقة لبناء النص السردي حيث أن القصة بنيت على هذا المحور لتتشعب المحاور الأخرى بشكل أدرامي تصاعدي وفق انعكاسات الشخصية ومداركها الإنسانية حين تبتعد عن فعل الغريزي وتصاعد الذات الى الوعي بقيمة الأفعال ضمن خط مفاهيمه التي تحدد سمات شخصيته التي ينتمي إليها , والقاص هنا قد أطال بسرد الحدث وقد تكون هذه الإطالة في صالح السرد لأن تزيد من أرباك المتلقي بزيادة ترقبه لأحتوى المعنى في حبكة السرد .
2- المحور الثاني (وُزِّعَتْ أرغفةُ الخبز حيثُ أخذ الآمرون حصتهم المألوفة، ومن ثم تمَّ توزيع الباقي على من لهُ يدٌ وذارع مفتولة ولسانٌ فاتك. همسَ صديقي في أُذني (سوفَ أجلبُ لنا رغيفين نخرس بهما جوعنا ) هرولَ إليهم مسرعا ً علَّه يخطفُ قرص رغيف بائس، أنا لم أفعلْ شيئاً سوى رجوعي إلى قاعة المنام منتظراً الموتَ أو وصولَ قافلة إمدادات أخرى. عادَ صديقي مبتسماً وبحوزته قرصُ رغيف واحد) هنا أشارة موحية بقيمة العدالة وما تفعله في تحقيق الفعل الاجتماعي المستقر في تقبل الشروط الإنسانة كافه . وهنا أحياء ضمني بأن بعدم وجود العدالة في مجتمع كامل وإلا كيف ترسل الى هولاء الجنود فقط أرغفة وهم في حالة حصار بسبب الظروف الطبيعية وعدم وصول الغذاء لهم منذ فترة وهذا يدل على ان الآخرين لا يمتلكون العدالة الكاملة اتجاه أفراد المجتمع كافة و هنا تصبح القضية ليس محصورة في هذا المكان بل تشمل مجتمع كامل بعدم توفر العدالة وما يسبب هذا من ابتعاد الناس عن قيمهم , والقاص أراد حصر ال وهنا أحياء أشاري بعدم وجود عدالة كاملة فكيف ترسل فقط الأرغفة وهم في حالة جوع كبير , والقاص هنا أراد أن يبين فعل عدم توفر العدالة في جانب محدد من المجتمع ليوضح الفعل الشامل بعد تحقيقي العدالة وما يسببه هذا في المجتمع من ابتعاد الإنسان حتى عن أخلاقة الاجتماعية والقاص هنا حقق التوازن الرؤيوي في رسم أفكار السرد لكي يزيد من الترقب في موضوعية الحدث السرد
3- المحور الثالث (كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفأة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة. كنتُ أراقبه عن كثب حين يبكي من دون سبب، خافياً بكاءَهُ عن الكبار، ومسترسلاً في دموعه أمامي غير آبه، بحكم أني صغير وغير مكترث لدموع رجل عجوز، وهو الآخر ينظر إليّ النظرة ذاتها دون اهتمام.
مازلتُ أتذكّرُ صوته البعيد، وارتعاشَ يدهِ الشائخة. سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة، وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها، سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعتين "بخير" أجبته ببساطة.
صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفول) ونشعر هنا أن هذا الجد الذي هو محور الحدث السردي ما جعله يوصل الى لحظة التصادم مع الذات وكشف مكنونها الذي كان يعذبها هو زيادة الوعي المعرفي الثقافي , لأن لا يمكن أن ندرك الزمن الذي يمر على الذات إلا وفق الوعي المكتسب والذي يؤدي الى زيادة التحسس الإنساني داخلنا وطبعا هذا يأتي من خلال زيادة الفعل الحضاري الإنساني في تفكيرنا وإدراكنا , ونجد القاص هنا أعطى للصورة السردية قيمة التركيب التصوري لمشاهدة هذا التنوير التصاعدي في مسيرة تكوين الشخصية المحورية (كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفأة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة ) وهنا يتحقق الصراع ما بين الحقيقة الثابتة ما بين الثقافة السكونية النائمة وما بين الثقافة المتحركة التي تعطي الى الإنسان حرية التفكير في الحياة وتضيف له وعي اختياري بالنمو الفكري (خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة ) وهذا ما يشير إليه القاص فالنافذة هي فعل التنوير في أحداث الفعل الثقافي فهو يتصفح الكتاب وفي نفس الوقت ينظر من خلال النافذة , وهذا أشارة عميقة تبين قدرة القاص على الاستفادة من كل أركان الحدث السردي بشكل موضعة الحدث بكافة مساحاته التصورية داخل الحدث نفسه بالإشارات الخفية الموحية على تطوير الحدث بالوصف والأحياء الضمني لتطور الحدث السردي وإخراجه من الحدث الرتيب المتراكم الى حدث فعال في كسب التصوري الذهني الحدثي , كما أن الثقافة قد أعطت الى شخصية المحور بعد ثقافي مؤشر من خلال الرمز الموحي ( صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفولي ) وما النظارة هنا الى أحياء بزيادة الوعي أي أن القاص ركب الحدث السردي وفق تراكيب حدثي متشعب الى عمق التطور الذهني الفكري لهذه الشخصية فما بين النافذة والنظارة تتحقق الأيحاء بقيمة الثقافة التي تزيد من الوعي الإنساني اتجاه الأحداث التي تمر عليها , فالقاص أستطاع بالقدرة على أاستنهاض بالرموز الموحية ليخلق بؤرة مشعة بتصاعد السرد الى حد الدلالة الكاملة على أن هذه الشخصية اكتسبت الوعي من خلال المعرفة , والطفولة هنا هي أشارة الى الجانب البريء أو المخفي من الشخصية واستطاعت المعرفة من إبرازها الى السطح لتكون محور النقاش مع الذات وعن فعلها اللإنساني , فتحقق ترادف الوعي في أحداث الشخصية وتطورها من الداخل لكي تتغير نظرتها الى حركة الحياة الخارجية .
4- . المحور الرابع ( سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة، وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها، سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعتين "بخير" أجبته ببساطة.
صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ) نجد هنا فعلين في تحقيق الإشارة التي ترمز الى المدرسة والنظارة و زجاجها قديم , ويشعر المتلقي هنا بقدر الأحياء الى قيمة الثقافة ومجهولة الذات (وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها ) فنرى هنا ما بين المدرسة والطفولة والإشارة الضمني على عدم الإدراك في تكوين الثقافة في منهجية الشخصية , فنجد أن الطفولة ما هي إلا أشارة التي بني عليها المحور السردي في تطور الشخصية الرئيسة في تحديد الوعي واللاوعي والقدرة على تفسير الأحداث ضمن الحدث الذاتي , والطفولة كما قلت سابقا ما هي إلا الجانب المخفي والصامت من الشخصية , لكن فعل الثقافة جعلها تظهر لتحدث لحظات التنوير داخل الذات وتبين ما حدث فيها من صراع كان الوعي غائب فيه نتيجة الجهول وعدم معرفة الرموز التي ترتقي بالشخصية الى أدراك ذاتها الإنسانية بعيدا عن غرائزها التي تظهر حين يكون هناك سباق الى المحافظة على البقاء في الحياة وما تفعله هذه الغريزة من أفعال تبعدها عن إنسانيتها بمختلف الطرق من الكذب والمراوغة لكي تسكب البقاء في الحياة .
5- المحور الخامس أن القصة استطاعت أن تعطي كل هذه المحاور المتشابكة وفق نظرية السرد بإشارات حققت الكثير من الاستعارة الضمنية الموحية ولكن في نفس بقى الحدث السردي مستمر بأفعاله الإشارة الموحية , والنص أستطاع أي يوحي بأكثر من معنى داخل الحدث السردي وأستطاع أن يركب الأيحاء ما بين الوعي الإنساني وغرائزها التي تسعى الى البقاء بمختلف الطرق , لكن نلاحظ أن القاص أعطى الى المعرفة الفعل الأقوى في تنوير الحدث السردي وفق منهجية الثقافة كانتماء حقيقي للإنسان الفاعل في تكوين العلاقات الاجتماعية الحقيقية الواعية , أي القاص أستطاع أن يحقق كل الإشارات بأهمية الثقافة الاجتماعية الإنسانية في تحقيق التوازني النفسي التركيبي ضمن المجموع وكما أستطاع أن يوحي الى قيمة العدالة التي تعطي الى الإنسان عمق ارتباطه الإنساني ضمن المجموع الذي يضمن له هذه العدالة ,
6- المحور الأخير هو اللغة أستطاع القاص أن يجد المناخ السردي القصصي في تركيب الأحداث وإعادة صياغتها وفق فعل الشخصية الرئيسة داخل الحدث السردي , وكانت اللغة مقاربة الى الفعل النفسي داخل الحدث واستطاعت أن تعطي الى الحدث التسلسل الزمني في نمو الحدث , وكانت اختيارات القاص عميقة في هذه الاختيارات للمفردات التي عمقت التداعي السردي في القصة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق