بدءا لم يكن يوما للشعر زمن، إذ متى أيقظت الكلمات الواقع، وفي أي زمان ؟ إنها تحرض ،تستفز، لا غير، توصي بحلم آخر ،أحزان أو أفراح لم نفطن لها ، ونسيناها ، وهي كالعلم نوع من الكشف والاختراع وهي تختلف عنه فقط في الخلق، القصيدة- الشعر إذا مشروع متعة ومعرفة، والمتعة (بمعناها المتجاوز)لا تحقق في ما هو مبستر ومكرر بل يضاف علي المنجز السابق متعكزة علي كاتبها ورؤيته الخاصة
أن الشعر هو منطلق الفكرة والحركة ، وهو الحب والتقبل للشرط الإنساني وتحديه، وهو النظرة الأولي التي يتواصل في رؤاها الشاعر ،أما العلم والفلسفة فيتوصل باكتشاف أسرارها ومنطقاتها فقط ولا يتدخل بمحتواها الشعري لصعوبة الإمساك به والتعامل معه وهذا لا يعني عدم استفادة الشاعر من أطروحات العلم والفلسفة ، لكنه يتعامل معها كما يتعامل مع كل شيء آخر ، بحكم كونه مرتبطا بقدره فقط وهو معادل موضوعي (إلي حدٍ ) لحقيقة الحياة نفسها ، وحقيقة الشاعر
لذلك حين نكتب النص الشعري تزدحم في رؤانا الكثير من الأفكار لكي تخرج ضمن زحمة الطرح الشعري أو الفكري لكي تحدد الحقيقة اليقينية الضاغطة داخلنا والتي بدورها تحد السمات الفكرية والعاطفية إلي شخصيتنا لذلك من أجل تحقيق النجاح في نقل هذا الإيحاء الرمزي أو الفكري بشكل عميق دون أن تتسطح هذه الرؤى
وتصبح جملا ساذجة لا تمتلك هيكلية كاملة ( سواء ا كان الهيكل رمزيا أم قصصيا أم وضعيا ) ليشكل معادلا موضوعيا للحالة التي نريد أن نوصلها إلي المتلقي بدل أن تبدو ناقصة أو تبدو جزءا من الموضوع وكما قال اليوت ( أن الطريقة الوحيدة للتعبير عن العاطفة في قالب فني أنما تكون بالعثور علي ( معادل موضوعي )لها.
بحيث تتمكن من أن تجعل التعبير عن تجربة شعرية كاملة مرتبطة بفكرة كبيرة، والشعر بقدر هو مشروع متعة ومعرفة هو قدرة الإنسان علي الحلم بعالم جميل وعادل وهنا تأتي قدرة الشاعر علي نقل هذا الحلم بنقائه وكماله... أي إن الشاعر الحقيقي هو الإنسان القادر علي خلق عالم الحلم بأسلوب الإيجاز والتكثيف في الكتابة الشعرية بحيث تتمكن القصيدة القصيرة من الوفاء بمطالب القصائد الأطول ، بعد أن تستطيع عبر التكثيف الذكي الموحي - التخلص من الزوائد والأستطالات في العبارة والمقطع ، والشاعر هو الذي يسكب طوفانا من القلب الصغير علي الورقة... وأنا هنا لا أدعو إلي الإيجاز المطلق فليس كل أيجاز يفي بالبناء الموجز بالتعبير عن كل الدلالات التي نريد أن نضغطها داخله فيرتبك ويسود الغموض بل الإيجاز الذي يتخلص من الزوائد والأستطالات الغير مفيدة في النص .
وكما قلت سابقا أن الشعر هو تعبير علي مخاض العالم الداخلي ( اللاوعي) والضاغط بالخروج علي شكل أحلام أو الخروج علي شكل صور شعرية رمزية تحاكي هذه المعانات كما يفعل الشاعر من أجل أن تهدأ الروح من حالة الغليان وتخضع العواطف المشوشة لإيقاع ، ويعود القلب الطافح إلي قناته وينسكب في بحر القداسة حيث تعبر عن كل هذه الكلمات.. لكي تمنح للصرخة تناسقا ونبالة لغلو العواطف ...وهكذا تسمو حياة الشاعر من خلال الشعر حيث تصبح الكلمة هي المحرر لجميع عواطفنا وتصوراتنا حول الزمن الأتي الذي تصنعه منهجية روحنا التي تتوق إلي البحث عن الرغبات الكامنة في اللاوعي فينا والهادر بالرموز والفوضى الحليمة نحو تحقيق هذه الرغبات المكبوتة ... فهل الشعر يحقق التوازن بين هذه الرغبات وبين طرحها علي شكل صور رمزية بدل خروجها علي شكل مسطح.استجابة إلي الحالة الحليمة المدفونة داخلنا ..وبذلك يصبح الشعر هو الحلم الواعي بدل الأحلام التي تأتنا في المنام..لهذا يصبح إلي الشاعر عالم الذي ينهل منه رسالاته وكما قال هنري ميشو (ربما كانت الكتابة بديلي عن الحلم ومع ذلك لا أعرف لماذا أستمر في هذا الأمر, ربما لأنني غير جدير بكل هذه الأحلام التي تغتصبني في اليقظة قبل الليل.)
أي أن الشعر هو البديل عن الأحلام وتحدد قدرة الشاعرة بقدرة علي التعبير علي هذه الأحلام ولهذا يمكن أن نعتبر الشاعر هو نبي الحلم والمعبر عن اللاوعي الكامن في داخلنا لكي نتحرر من هذه الكامن في اللاوعي والضاغط في تحقيق الرغبات قد تكون خارج النسق الإنساني أي أن الشعر هو الأحلام المسيطرة عليها
تخرج هذه لكلها بشكل رمز صوري من أجل الوصول إلي الحرية النفسية وفق ذائقة تقبل الجمال والحس الجمالي من أجل أن تهدأ الروح من جنونها وتشردها المتسربل بالخيارات النفسية العميقة وفق رؤي آتية من قاع الحلم الإنساني بالحرية والعدالة ووصول الحياة علي مشارف الجمال الحقيقي .
Azzaman International Newspaper - Issue 3117 - Date 9/10/2008
جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3117 - التاريخ 9/10/2008
AZP09
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق