بين اروقة البيت تنطلق نبضات تاملات المعلمة...، ثم تحلق مخترقة الشوارع الفسيحة والأزقة الضيقة ، حتى تحط عند مقاعد تلاميذها الصغار ، جماح رغباتها لم تتوقف عجلتها لحظة واحدة في أيصال هؤلاء الى ذروة أحلامهم من الذكور والأناث ،مثلما فعلت مع سائر التلاميذ الذين تعاقبوا في إعدادهم ، كانت ومازالت تمضي معهم أجمل أوقاتها ،داخل الصفوف ، بين اروقة أبنية المدرسة ، وفي عمق تلك الساحة الفسيحة ، تارة تمارس معهم شتى العابهم ، وتارة أخرى تقف مع هذا وتلك بحثا عمن يرغب عن إجابة للأسئلة ذات الصلة بأختصاصها ، دون ملل اوضجر تلهث بين قاماتهم الصغار بالرغم من نوبات الربو الشديدة التي لأتعلم متى ؟ وأين ؟ وفي اي مكان ينتابها محاصرا إياها ولكل أمانيها عند عودتها الى بيتها وقت الظهيرة اوبعد العصربمجرد ان تلتقط انفاسها وتلتهم شيئا من الطعام تعاود ممارسة حيويتها مجددا من خلال تهيئة مايتوخى إعداده من مادة دراسية لليوم التالي ، أوتكرس بعض الوقت لأبنائها ، فتنجز قدرما تستطيع من اعمال لهم ، أحيانا تقطعه بالوقوف أمام المرأة متأملة قوامها ، خصلات شعرها المخضبة بالشيب الغزير، تنهال عليها سيل من أسئلة زوجها لاتجدلها إجابة ،" الا يكفي يأإمراة ؟ ، حالتك باتت لاتسمح لك في العمل أكثر مما أنت عليه ، لذا حري بك ان تتوقفي ، منذ عقدين وأنت هكذا تستنزفين جل أوقاتك ؟ تكتفي بأبتسامة تفترش شفتيها ، ثم تواصل مشوارها ، لم تبالي للأصوات او تكترث لهم بالكف عماهي عليه ، فالأصرارظل مترسخا في
ذاكرتها سواء شاءت أم ابت
وفي ظهيرة ساخنة وجدت أثناء ولوجها غرفة أبناءها متحلقين حول فسحة صغيرة ، قالت " ماهذا ؟ هبوا نحوها ،فوجئت بقطعة الكارتون تشغل مكانا وسطهم فيما قطع الميكانو تتناثرالى جوارها ، " الأترين يا امي ماذا نفعل ؟ قال صبي اخر " إنه البت " أجابتهم " إنتبهوا الى دروسكم فور ان تنتبهوا ، نعم يا امي ! ثم سارت حاملة كعادتها حزمة الدفاتر بغية تصحيحها
حرص الأبناء على الأستغراق في مداعبة قطع الميكانو ، يحمل كل منهم مايسد شرخا.في لعبتهم ، ولم يحسموا امرهم في وضع أخر قطعة الأبعد زهاء ساعة ، حملو أمنيتهم في بيت موظب برشاقة الى أمهم محمولا على كف اخاهم الأكبر سنا فيهم ، لينقلوا بشارة إنجازهم ،حين وقفوا قبالتها رؤوها جالسة خلف منضدتها وراسها يتكأ على قائم الكرسي
واناملها تضع هامش صغير على دفتر اتمت تصحيحه..جيد جدا احسنت ..، إنتبهت ثم إبتسمت لهم بفرح غامربما حققوه ثم إستأذنوها بانصرافهم لدقائق بغية حمل كتبهم والجلوس معها كما أعتادوا ذلك كل يوم..وما إن عادوا ثانية تقدموا نحوها ، واردوا منها إشعارهم بحجم كلماتها في كل عمل ينجزوه ، فوجؤا بها تسند جسدها على نحو مرتبك على الكرسي ، لاتحرك ساكنا نحوهم وقطعة البخاخ ملقاة على الأرض ، كم حاولو هز جسدها ، غير إن السكون المطبق ظل مخيما عليها فيما البيت مازال يلوح شامخا على قطعة الكارتون والضوء يغمره من كل صوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق