أحتاجُ إلى موتٍ أبديِّ
كي أصحو
علَّ فسادَ الزمنِ المتبددِ
يوقظُ دائرة الضوء
بذاكرتي
فالحَيرةُ صارتْ تُفقدني
نكهةَ أُغنيتي السوداءْ
كي لا أسمعَ صوتَ مزاميري
المخبوءةِ والخرساءْ
كي أطردَ من دائرتي
أشباحاً كانوا
2-
يرتشفونْ الخمرةَ من كأسي
ويرشوّنَ نثارَ الجمرِ
لينطفئَ البوحُ المتوهِّجُ
في رأسي
علَّ الحراسَ الليلين
يفرّون خفافاً
من هولِ المعنى المتجمّعِ
في حدسي
علّي أنسى
أن الحبَّ ضياعٌ وخراب
3-
فمتى سيجيءُ الحُلْمُ
النائُمُ .. في الموتِ
ليُطلقَ كل حمائمِ قلبي
آهٍ يا ربّي
هل منْ سيلٍ يجرفني
أو ريحٍ ... تحملني
أو حزنٍ ينزعُ
عني عطش الصحراءِ
وَ يشربني
ها أنا ذي المقتولةُ
من أقصى برقٍ في لغتي
حتى أخمصِ خصبي
آهٍ يا ربي
ما عُدتُ أطيقُ التجواَلَ
بخارطةِ المجهولْ
فالمشهد يوحي أني
تاريخٌ من غيرِ فصولْ .
"
"
وفاء دلا
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
النقد والقراءة بطريقة الانشاء والتأويل قد ولى زمانه الان , فالمتلقي ليس جاهلاً أمياً ليخبره الناقد ما يعني النص وما يقصده الشاعر , نحن اليوم امام عالم مبدع جمالي رسالي , نبحث عن خيال مبدع جديد عن صور جمالية فاللغة واسعة الطيف , يمكنها ان تختزل كل شيئ وتحوله الى مادة (نص) وهذه المادة هي ما يبحث عنه المتلقي ليعيش لحظتها , وهذا ما يبرع به الشاعر عندما ينقل القلق المتموقع في جوفه باسلوب راقي وخيالي , ليقدمه بجمالية تؤثر في لب المتلقي وتعطيه شعورا لطيفا طيبا انه قرأ لتوّه شيئا جميلا , ربما تعايش مع هذا الشيئ الذي قرأه , ربما انتشى به , ربما وجده قد اناخ عنه ثقلا ما .
...................................................................................................................
العنوان : (الموتُ المتوهجْ )
.....................................
الشاعرة وفاء دلا , تنقلنا من خلال نصوصها الى عالم مبدع ,تختار تفاصيله من خلال سطورها وما تتناوله الجمل والمفردات من معان تختزل الفكرة في انساق المعنى ضمن بنائية لغوية ومضمون ذا ايقاعات جميلة تتناغم مع الفكرة .
.....................................................................................
الصور الشعرية والأيقاعات في النص (الموتُ المتوهجْ ) تأويلها .
.
1- أحتاجُ إلى موتٍ أبديِّ .. كي أصحو .
.
هذه الصورة الشعرية جميلة اذ يتداخل فيها اللاوعي مع الرؤى , لتخلق ولادةٍ جديدةٍ ,تنساب في عمق الروح , فالموت = انتهاء المرحلة الآنية / ينتهي كل ما بعده , فتبدأ (( كي أصحو )) على ضوء العالم المثالي الذي ارتضيه واطمح اليه , انه ولادة اخرى , نقلة نوعية شاملة كاملة زمكانية .
.
2-علَّ فسادَ الزمنِ المتبددِ .. يوقظُ دائرة الضوء .. بذاكرتي .
.
هنا ايقاع شعري , ونميز الأيقاع , او ان الأيقاع هو المكوّن اللغوي الصوتي في الجملة الشعرية , نلاحظ مثلاً (( علَّ فسادَ الزمنِ المتبددِ )) هنا ربط مقتضب مرهون بـــــــ ((أحتاجُ إلى موتٍ أبديِّ .. كي أصحو)), وهنا رهن المعنى الأيقاعي (علَّ ) مضمنونه بالـ ((كي أصحو)) وهذا يعطينا علاقة متقاربة مع احتمال قائم على المجهول , وهنا ايضاً حدث او لم يحدث فأن الأحتياج (( أحتاجُ إلى موتٍ أبديِّ)) سيحدث والأثبات هو ((يوقظُ دائرة الضوء)) المعنى ليس منطلقاً مستمراً بل هو قائم في اصله , تترتب عليه عدة أحتمالات كلها واقعة سواءٌ بسواء.
.
3-فالحَيرةُ صارتْ تُفقدني .. نكهةَ أُغنيتي السوداءْ .. كي لا أسمعَ صوتَ مزاميري
المخبوءةِ والخرساءْ .
.
هذه الصورة الشعرية تعكس زمكانية غائبة , فائتة , رغم كونها حدث سالف , الا انها ملتصقة بالواقع , متعايشة معه , / كي لا اسمع / ان هذا التلازم بين الذات , وبين أدائها , وهذا الترابط العملي الداخلي في عمليات الادراك وتجلياته القصدية يجعل الشعر يستمد وجوده وفعاليته من طبيعة تكوين نفسه التي تمثل وجوده , اذ ينتج النص نوعا من الاستمرار الشكلي تفيض عنه تدريجيا كثافة فكرية وعاطفية لم تكن ممكنة بدونه . فالمعنى هنا زمن مشبع بارهاصات اكثر روحانية , خلالها يتكون الفكر ويستقر تدريجيا مع عفوية تلاقي الكلمات .
.
4-يرتشفونْ الخمرةَ من كأسي .. ويرشوّنَ نثارَ الجمرِ .. لينطفئَ البوحُ المتوهِّجُ .. في رأسي .
.
نتسائل ؟ لما تريد اطفاء البوح المتوهج ؟!! مفترضاً انه مرغوب محبب هذا البوح, وهنا يأتي دور الألتفاف على المعنى , فليس المقصود مباشر بل هو عكس لمعنى اخر غير ما مضمور هنا , فأقول : لينطفئ البوح المتوهج , لأنه خرج عن مساره الذي تريده الشاعرة , لو كان بوحاً يجسد الرغبة لصار التشبيه اقرب الى اعتناقه وقبوله واعتماده ؟ اذن هنا نعلم من خلال التأويلية جدوى تساؤلنا عن معنى "لينطفئ" وها هنا ايقاع صوتي تشظت فيه معانٍ معكوسةٍ , لها دلالة اخرى ومدلول آخر غير المضمور في شكل الجملة .
.
5-علَّ الحراسَ الليلين .. يفرّون خفافاً .. من هولِ المعنى المتجمّعِ .. في حدسي .
.
هنا لا اتفق مع الشاعرة بالتكرار , وليس ضمنياً/ وليس صورياً / وليس لغوياً / بل ايقاعياً اسلوبياً , الا اني شغفتُ في تذليلها لغتها في احتوائية المعنى والالتفاف عليها , فهي تقول (( من هولِ المعنى المتجمّعِ)) وهنا فخامة فاخرة , اذ تمتاز هذه اللغة بالفراهية / بالتمكين / بالاحتواء/ بالانزياح / بالتشظي / لاحظ متى توهج المدلول من خلال دالته المتأخرة ((في حدسي)) يضع اللسن الشعري الطبيعة جذريا موضع التساول مستندا الى بنيته وحدها وبدون اللجوء إلى مضمون القول او بدون التوقف عند أي ايدلوجية .
.
6-فمتى سيجيءُ الحُلْمُ .. النائُمُ .. في الموتِ .. ليُطلقَ كل حمائمِ قلبي.
.
صورة شعرية وايقاع وضربة , ثلاث محاور اكتنزت هذه المقطوعة معانيها في جوهر المضمنون, كل شكل هو موقف رؤيوي من العالم وطريقة النظر اليه والاقتراب منه بناءٌ على ما تنجزه الادراكات الافنية المعبر عنها, وليس مجرد وجود نوع من الايقاع في النثر يحيله إلى امكانية اداء الدور الوظيفي للشعر و انما المهم هو قيامه بدور العنصر المحوري المنظم .
.
7-آهٍ يا ربّي .. هل منْ سيلٍ يجرفني .. أو ريحٍ ... تحملني .. أو حزنٍ ينزعُ .. عني عطش الصحراءِ .. وَ يشربني .
.
ايقاع جميل ترتب عليه انزياح متمرد خارج الوعي / خارج الأدراك الحسّي / خارج دائرة الأختيار , اذ نرى التباين ما بين الأيحاء والأنزياح , قد اختلّ ذاتياً/ تموقعياً/ متفصلاً/ اي انه توهج لا ارادي , انبعاث تلقائي (( آهٍ يا ربّي .. هل منْ سيلٍ يجرفني)) الدلالة الموضوعية التي يكسبها النتاج بمعزل من رغبة مبدعة واحيانا ضد رغبته, الكتلة الانزياحية المتمردة في الشعر تكتسب جانبا دلاليا بما تحمله من ايحاء هو ما اغنى المعنى فيه واعطاءه كثافة خاصة بتنشيط الرمز اللغوي بجميع الوسائل الفنية التي تستخدمها الشاعرة من ايقاع وعذوبة وتاليف مدهش للاخيلة التصويرية التي تصب في الكلمات لتبرز جسمها وكثافتها فلا تصبح مجرد ظل لشيء وانما شيئا له وجوده التام .
.
7-آهٍ يا ربي .. ما عُدتُ أطيقُ التجواَلَ .. بخارطةِ المجهولْ .. فالمشهد يوحي أني .. تاريخٌ من غيرِ فصولْ.
.
ايقاعية بسيطة , لكنها مسخرة لمسك الختام , لتكون انثيالية متدفقة بطيئة القراءة , الغاية منها , خفض صوت الكلمة وأطفاء التفخيم , ليكون الأنتهاء تدرج متلاشي الاختفاء, ارادت من خلاله الشاعرة ان تضع النهاية كالضوءِ الي يتلاشى ويتضائل رويداً رويدا, وهذا أسلوب انيق , ان تلطّف النهاية / صوتياً / تلاشياً / تضائلياً/ تدريجياً, تمارس الشاعرة عملية الالتقاء بالواقع الخارجي بوصف او تصوير فانها انما تمارس فعل الذات وعاطفتها وانفعالها ليظيفها على الاشياء والمواضيع , فلا تعود هذه شاخصة كما هي في وجودها الموضوعي المنفصل , ولكنها تعاد بعملية خلق جديدة , فالشاعرة حينما تتعرض إلى واقعة ما فانها تستحضر عين الحالة النفسية التي ولدتها في نفسها الواقعة التي ترويها اذ انما يؤلف الجزء المركزي من الاثر المنتج ليس الحدث الذي اثار او استحضر هذا الشعور او ذاك بل على وجه التعيين انعكاسه الداخلي أي الشعور ذاته , وهذا ما يعلل لماذا تبرز الشاعرة بصورة رئيسية وباعظم قدرة من الشعور ما يتفق من التفاصيل من خلجاتها الذاتية وانفعالاتها المتوهجة.
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
التأويلية ودورها في تشخيص النص / مضمون / معنى / المرسل / المتلقي :
...................................
ومن اجل ان يكون السعي للاجابة سائرا في الاتجاه الصحيح ينبغي اولا ان نحدد مجال الشعرية , أي الفضاء الذي تكون فيه الشعرية قادرة على ممارسة وضيفتها واظهار تجلياتها , لان العلاقة الرابطة بين الشعر والشعرية هي علاقة تكوينية تقوم على التلازم الذي لا فكاك منه إلا بانهيار احداهما , فليس للشعر كيان اذ تجرد من الشعرية وليس للشعرية وجود يتحقق فيه اذا انفصلت عن مجالها , فالشعرية هي روح الشعر التي تحول الافكار وتذيبها, وهذا ما نراه في نص الشاعرة (وفاء دلا) اذ تقدم للمتلقي فكرة ومضمون متلازمان معاً في وجودهما , فهي تعطي للمتلقي اضاءة ليرى المضمون المتوهج في لغتها من خلال مد وجز في بناء رمزيتها التي توسطت في عمقها , غير مبهمة / غير مستعصية / غير محيرة , وهذا يعكس مدى رغبة الشاعرة في كسب المتلقي وضمه الى المضمون , ليبحر فيه بسفينتها التي اختارتها هي , رغم ان بعض المقطوعات حملت ذكاءاً تعبيرياً , من خلال الالتفاف على المعنى وعكس مضمونه, كما جاء في هذه الجملة ((لينطفئَ البوحُ المتوهِّجُ.. في رأسي )) اذن النص دلالياً هو : شعرية ترتد إلى مجمل التركيب البنائي للنتاج الادبي , والصيغة التي ورد فيها , لتحمل هذه الصيغة المعنى والدلالة من بناء وانتظام خاص لما يمكن خلفه من قصد وهو الذي يعطي النص هويته التي يمتاز بها عن أي مقول اخر .
"
"
الناقد مهند طالب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق