أبحث عن موضوع

الأحد، 22 فبراير 2015

( ذات ليلة ماطرة ) .. قصة قصيرة .................... بقلم : عدلي شما /// فلسطين




كانت ليلة ماطرة شديدة المطر فتحت فيها مزاريب السماء فاندلقت الامطار كالانهار الغاضبة ، كانت الشبابيك والابواب تهتز بقوة تحت ضربات المطر وكانها تتحطم .
تجمعنا حول موقد صغير لمعت فيه جمرات حمراء مدثرة برماد ابيض فكانت تبدو كعيون شيطان يرتدي جلبابا ابيض .
كنا نجلس متلاصقين كاننا جسم واحد نكاد نحضن ذلك الموقد المسكين الذي كان يجاهد لمنحنا الدفء في هذه الليلة الباردة
جدتي كانت تقاوم النعاس بل ان وجهها كاد ان يسقط مرتين داخل الموقد
يا جدتي نامي ، نرجوك ان تنامي ، اما تعبت من مصارعة النعاس
اصرت الجدة ان تبقى مستيقظة حتى تصلي صلاة العشاء
قلنا لها ممازحين انه يجوز في حالة النعاس الشديد عدم الصلاة
شتمتنا باقذع الالفاظ واقتربت اكثر من الموقد حتى كادت تدفن وجهها في الرماد
كانت امي تمسك مسبحة كبيرة تدير حباتها بين اصابعها وتذكر الله ، كانت قلقة جدا تقرأ ذلك في عينيها نصف المغمضتين
اخوكم تاخر كثيرا ، ليس من عادته ذلك
يا امي انت تعرفينه جيدا وتعرفين كم هو بطيء في كل شئ ، لقد ذهب للمدينة للتسوق وسيعود حتما سيعود
لقد خرج مبكرا في الصباح وها نحن نقترب من اذان العشاء
ازداد المطر شدة ، كنا نلمح من خلال زجاج الشباك المغلق شرارة البرق تشق السماء كسكينة نارية عملاقة
كل الصغار ذهبوا للنوم وبعضهم لم يتناول طعام العشاء
قررنا ان نصنع شايا على الفحم الذي كان يصارع الموت
تطوعت البنات بعمل الشاي وهن يتمتمن بكلمات كثيرة
انتم كسالى ولا تعرفون شيئا ، حتى ابريق الشاي لا تستطيعون ملئه بالماء ، لعنة الله عليكم ، فقط تدخنون ، الله يحرقكم بنيران سجائركم
قهقهنا بوقاحة واشعلنا سجائرنا في انتظار الشاي
امي لا زالت قلقة وتغالب النعاس
يا امي بالله عليك ان تنامي
ولكن اخاكم لم يرجع بعد ، فكيف انام
سيرجع يا امي قد يكون عرج على السينما واستغرق في مشاهدة افلامه المفضلة ، انت تعرفين هو كم يعشق الافلام الهندية
لم تجب امي بل تابعت تدوير حبات المسبحة بين اصابعها ، يهيأ لي ان هذا المسبحة تتعب وامي لا تتعب
استيقظ اخي الاصغر يطلب طعاما ، اعطته اختي قطعة من الخبز غطتها بقليل من الزبدة ، لم يستسغها الصغير فنام جائعا
لم يرجع اخوكم قلبي يحدثني ان هناك مكروها حصل
يا امي منذ ساعات ياكلك القلق وانا واثق انه في السينما مستمتعا بمشاهدة الهنديات الجميلات ، ارجوك يا امي ان تهوني عليك ، سيرجع وسترينه في اي وقت يدق الباب
لم تجب امي بل زادت من سرعة تدوير حبات المسبحة بين اصابعها محركة شفتيها دون ان تتكلم
همست اختي الصغرى على استحياء
نريد كستناء ، هذا الموقد مناسب لشواء الكستناء
زجرتها امي ، تريدين شواء الكستناء ايتها القردة الصغيرة واخوك لم يرجع بعد
خجلت الصغيرة وتكورت في مكانها كانها ارتكبت خطيئة
بال اثنان من الصغار في الفراش ، حوقلت امي ، حوقلنا جميعا اذ من يغسل الفراش في هذا الجو البارد الذي يتجمد فيه البول في المثانات ، لعنة الله عليكم ايها الصغار ، تبولون في كل مكان كالحيوانات
هلا توقفتم عن التدخين لقد افسدتم جو الغرفة
الجدة نامت ولم تصل العشاء
هل نوقظها لتصلي
دعوها تنام ، فقد صلت كثيرا في حياتها ، لا اتخيل ان هذه العجوز لن تدخل الجنة
استغفر ربك يا فاسق هذا علمه عند الله
كانت الجمرات في الموقد تصارع الموت ، بعض الجمرات كانت في مرحلة الاحتضار الاخيرة
سمعنا طرقا قويا على الباب ، كاد الباب ان يتحطم وكان يدا عملاقة فعلت ذلك
خير اللهم اجعله خير
ركضنا جميعا الى الباب سبقتنا امي وهي تدعو الله ان يكون الطارق خيرا
فتحت الباب بقوة منتظرة شرا
اطل علينا شابان ملثمان بكوفية مرقطة بالكاد ترى ملامحمهما وقد ابتلت ثيابهما بالكامل ، دققنا النظر فيهما وعيوننا يملأها الخوف والقلق
كان اخي بينهما يجر نفسه متوكئا على كتفيهما وقد اصطبغت ملابسه بالدماء وبدا على وجهه الارهاق الشديد
سيكون بخير دفئوه جيدا ، انه بطل لقد ابلى بلاء حسنا كتب الله له عمرا جديدا فقد استشهد ثلاثة منا
اطبق الصمت على البيت
كانت امي تمسح الدماء عن وجه اخي وتحضنه بقوة كانها تريد ان تدخله بين اضلاعها
اوقدوا نارا
هرعنا جميعا والقينا الكثير من الحطب في الموقد الميت لنبعث الحياة فيه من جديد .
- انتهت -

( عدلي شما ) 22-2-2015
فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق