نص تعاطى الوجداني بذهنية مبحثية عالية تأسس مركز موضوعها على لملمة ما أمكن من ناصية العقل التي ظلت متشائلة بين جهتي التجاذب و التدافع الممتدتين بين فكرة وطن و خاطرة منفى
أين أودعت عقلي مأزقية البحث عن الذات في كنف تغييب الوعي بها
يفتتح الناص مهمة تدارك ما أمكن بجملة حكائية تضعه على الطريق السليم لحاقا بعقله اذ ذات ليلة كئيبة تحضر هنا كمقدمات كبرى لمأل موضوع البحث التي يتولى تفصيلها السائل بتمعن و استيعاب لمجريات ما كان حيث سقط العقل منه سقوطا متعددا في الصدا و لا غرابة حيئذ أن تضطرب نظاميته و في رحلة ثلجية مما يفسر تكلس بعض أو جل وظائفه و خمولها بحسب قدرته على امتصاص الصدمة كما ارتطم بناقوس فاحم اللون فمن الطبيعي هنا أن يفقد وعيه بالألوان نوعا و تدرجا في النوع مما يضعه أمام عجز الرؤية و الرؤى فتخيب الأفكار و ان حضرت فتحضر باهتة مرعبة متنامية في الظلمة الظلماء و في أحسن الظروف تنبعث من ضوء ملغز المصدر و التصنيف و على الرغم من ذلك يستمسك به الضرير على عجزه راسما في اللاوعي خلاصا من المتحقق القريب الى البعيد المتوقع
عودا الى السوال الأب هنا أين أودعت عقلي فان الناص و ان تأرقه تبعات رصد أين أهمل عقله مستنهضا الزاوية السليمة بعد من العقل أي الذاكرة علها تسعفه قريبا برد مناسب الا أنه من جهة أخرى يستبطن بقوة أسباب رد عقله اذ أنه وقف بداية عند تلك الحيزية الزمنية التي بانطلاق سريانها دولب عقله على التيه و بمشهدة تومض ما كان يستعيد تمامه لكن المكر الدلاوي من سؤاله خاصة كما سلف الدكر أنه في حواره الأفقي الذات /الذاتي رصد خط البحث فانه يقلب عبئ السؤال على القارئ ليقف بدوره وقفة أفقية شجاعة صارمة ليمارس بدوره طقوس الاسترشاد عن مربط عقله
في حين الناص كلما تقدمت به سطريات النص كلما ازداد وعيه بمحل عقله على ارتباكه و تخلخله بين شتى حالات الحنين الى لغة تقده قوس قزح و عذراء تذرع بثبات ميناء التوبة و بحر يلهو على ضفة العمر
و فجأة كما في القصص الشعرية تتهاطل دفعة واحدة بوادر الفصل في البحث اذ العقل أخذ في التلاشي توازيا مع ارتحال البحر و سرطنة القبلة التي تحوزت أطراف المدينة أي تلك الأخيرة التي طبعها حينها سائلنا الآن عن عقله و هو يغادر أرض الوطن ليلتحق بالمنفى غريبا مدفون الملامح في رمال الوطن و ساقه مبثوثة في صحاري المنفى
و يتبع الناص الفجأة الأولى بفجأة ثانية تعلم بامتياز على حنكة العقل لا عن استرداده فحسب اذ يثبت هنا بقوة التصعيد المتنامي بتنامي الحرمان مما كان بالوطن على تأزمه فكرة التعايش الايجابي داخل المنفى على تصحره ملتقطا ما تيسر من الأمنيات المتراصة كما الصمت على مائدة أمل ...
البديع طاهر استفسر أين يكون أودع عقله مستبطنا في الواقع أين حقا يكون ....
أين أودعت عقلي
ذات ليلة كئيبة
سقط عقلي في الصدأ
في رحلةِ ثلجية ثائرة
وناقوس فاحم اللون
سكن سقيم ليلاً لا يرحم
وصحوة الأفكار باهتة الألوان
لفجر آهاته عانق حلم مخيف
تصايح من عصف فزع الخريف
فاستفاقت له مروج الأزهار
على صراعِ الفكر في عمقِ وحدتي
وضحكات أعوامي سقطت
بضياء سنبلة جمعت القدر
غسلتها قطرات المطر
بلونها الشاحب وعذرية الشجن
في كل صباح ومساء
عيوني ينابيع لا تهدأ
وقلبي مصاب بجرح مزمن
من غروبِ استغاث بصرخة
ابحث عن عقلي
في طيفِ مائل للغسق
أو بين الأمواج
نسيمها ضوء شفيف
أو بدمي الرطب الممزوج
بذرات إعصار الثلوج
سال على القمر الفضي
اقلب الصفحات والصور
في قواميسِ لغة الضاد
عن حلمِ قوس قزح
لصحوة ألوانه في الأحداق
في انهيارِ مشهد الغروب
هي عذراء في ميناءِ التوبة
لبحر يلهو على ضفةِ العمر
والضوء الساقط بلونه الباهت
يرسل قبلات التصقت بأجنحة
انعكاساتها لضرير
نسج اللاوعي في الأفقِ البعيد
كل مايملكه
حقل سراب وأفكار مرعبة
مُتجاهلاً أن القُبلة المطبوعة
على أطراف المدينة
أصابها السرطان
لزمن تاه في دوامةِ فراغ القدر
يزهو في أمواج الوحل
والغيث تمايل فوق موسيقى
شهوته حملت غباراً داكناً
فابتلت الأرض بظلام
صعق الأضواء في المطر
أنها مواويل تعانق اصفرار السنابل
تغفو في ارتحالِ البحر
أنا حزين على نسماتِ الفجر
ومناديلي بللتها النوارس
حين عانقت دموعي المحجر
لليالي عشقت عصر السديم
صحيح أني غريب في المنفى
وملامحي دفنت في الرمال
إلا أن أزهاري
عزفت ينبوع نور
ارتوت بدموع الفرح
لصحراء ارتجفت بصمت
لأمنيات على مائدة الأمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق