أبحث عن موضوع

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

اسمعي يا فاطمة/ قصة قصيرة .................... بقلم : فؤاد حسن محمد / سوريا





لقد فقدنا عقلنا يا فاطمة والجنون يعم الأرض والسماء ، ست سنوات ماتت ، ونحن مازلنا على قيد الحياة ، وبينهما زوجة جارنا تئن فرحا وكأنها تلد ، وصوت صراخها يعصف بقوة ،يملأ النوافذ ،أطللت برأسي من فراغ النافذة .قلت :
الريح تعصف بقوة وأنا لا أجد شئ يتحرك ؟؟؟
شوارع جبلة مظلمة كأنها تموت بشرف ،في حي الدريبة وقف رجل ملتح أمام نفسه في المرآة بعد أن انتحر في مزبلة التوحش ، وابتسم يرضى الرحمن على خلقته، هو غريزة فقدت مشروعية وجودها ، جيفة عفنة لا أكثر.
إيقاع الأصوات يتماهى بلا جدوى مع هدير طائرات "سو" الروسية ،والسماء تبرق وترعد ولم تهطل الأمطار ، غضب إله السماء ،لقد تجاوز السوري حدود الله. فأرسل صاعقة تتلوى كالأفعى ،تلتهمنا الواحد تلوى الآخر .
كان وجهها متورما من كثرة البكاء ،نظرت إلى الطبيبة التي أجرت لها عملية الولادة نظرة إنسان على حافة الانهيار :
بأي وجه سأنظر إلى عيون وليدي وأبوه ميت ؟؟ لقد ولد في نفس اليوم ....ثم أجهشت في البكاء.
قالت الطبيبة :
- الطفل بصحة جيدة
قالت الأم :
- لقد ....
ودت لو قالت لها أن أبوه كان موفور الصحة أيضا ،لكن الطبيبة غادرتها لتأكل الخبز المحمص مع الشاي .
كانت ستائر الغرفة قد سحبت تاركة فيض من النور يضفي على الأشياء مسحة من الحقيقة إن كل شئ سيتابع دون توقف ،بينما كانت الأم تحدق بعينين مرهقتين بوجه الممرضة الواقفة الآن أمام كيس المصل بسكون غير اعتيادي ،ودت لو قالت لها :
اعتذر منك لأني سببت لك هذا العناء
مزق هذا الصمت فرقعة قوية أحدثها الطفل في فوطته ،شعور بالنعيم سرى في جسده الغض،ثم أغمض عينيه ونام.
تحركت عضلات وجه الممرضة وابتسمت ،لا ..نحن نحلم ونخطط ونتمنى لكن هناك شيء أكثر انحطاطا يسبب لنا الابتسام ،وبعد أن عايرت المصل ، اتكأت على مسند السرير راضية ، وهي تنقل نظرها بين الأم وطفلها ، وند عن فمها تلك العبارة الرنانة :
معافاة ...إن شاء الله .
شعرت الأم أن العالم يتهاوى ويبتعد عنها ، ثقب أسود يتبخر فيه كل شيء ،كانت شرايين رقبتها تبدو أغلظ ،وهي تنظر إلى وجه الممرضة الخالي من أي شيء ،وسرعان ما انخرطت في بكاء مر ،غير عابئة بمن حولها ،إن الناس توقف قلبهم عن الخفق منذ نبحت الكلاب على دمشق ، الرب وحده يعلم من أين جاءت تلك المرأة .
رفعت إصبعها نحو كائن في السماء ، وقالت :
-أين أنت ؟؟؟؟
كان هناك إحساس بالعجز بينما هي راقدة على الفراش .
لاشيء هنا لا إنسان ولا حيوان ،نبتة شوكية زرعت في روحها ،تخدشها كلما حاولت تذكر زوجها ،قساة رموها في هيكل غرفة ،لقد تخلوا عن ألمها المزدوج ،ألم الروح وألم الجسد .
يتجاوز الوقت منتصف الظهيرة بقليل ،المرأة وحيدة وما من أحد بجانبها ،سواء أكان لذلك معنى ، أم لم يكن ،لكن المؤكد أن الإلفة والاعتياد يميتان الإحساس بآلام الآخرين ،ولابد ان اعترف وأنا أتلصص من النافذة ،التي تطل على المشفى ،كنت أواصل تحديقي الممل ،وفي رأسي تنعق أفكار زائفة عن الإنسانية ،تفصلني بجدارة عن قناعتي إنني خمول وأن البقاء في البيت ،هو المكان الوحيد المريح ،لا يخرجني منه شئ إلا لجلب احتياجاتي من الدكان أو الموت .
لم يكن لدي احتمال كيف ستنتهي هذه القصة ،ينقصني شئ ما ضروري ،ربما كان هذا منبع لأفكار سخيفة ترتعش في خيالي ، فكيف تلد المرأة دون أن يتواجد أحد أقربائها بجانبها ،فراغ بين التفاصيل يقطع تسلسل مايحدث ...أحسست بتوتر ، لم أعرف لماذا يعاملونها هكذا بجفاء ،جرفني الفضول ،خيال أثر خيال ،لم يكن أمامي شيء أعرفه ، لا أرضا ولا سماء ،القصة تقاس بعدد المشاهد ،ومشهد واحد يأخذك في رحلة طويلة بين كر وفر ،عدد لامنتناهي من النسخ كل واحد يختار النسخة التي تجسد حقيقته .
تراودني فكرة ، برقت في خاطري ،أحاول فيها سبر أغوار أسباب تلك المرأة ،المكان والزمان ليسا مهمين ماداما تحت سيطرتي ،ما أشبه ذلك بالحلم .
المكان الذي دخلته يتماوج على شفرات كلمات السر ،ستوقف نفسكم فيه ، وبدأت اكتب :
من أراد أن يقرأ هذه القصة فليغمض عينيه ،تم فليطأطئ رأسه ويقرأ "يا نارا كوني بردا وسلاما على إبراهيم " ،وليتفل في عبه ،كانت عتمة وظلمة وبرد،وهي وحيدة ،ولأنها كانت متعبة والهدوء يخيم على أرجاء الغرفة ،تشظى كل معلم في أقطارها على مشارف الوحشة ، لا صوت ولا لون إلا السواد ،شيئا من الرهبة يكتم على النفس الشحيح الذي تسحبه ،أين غاب القمر !!!لماذا اختفى رويدا رويدا غير عابئ بما في الغرف الموصدة ،ظلال منفوشة تذهب بالعقل إلى تخاريف شائهة مبهمة .
الباب انفتح تم أغلق ،الذي أغلق الباب هو من فتحه ثانية ،أرهفت سمعها باتجاه الجهة التي انطلق منها الصرير،حملقت بالظل المرسوم على الجدار،والذي بدوره كان يرهف رافعا ذقنه كمن يلاحق ازيز بعوضة ،انقبض صدرها ،سمعت أصوتا لاتصدر عن السنة بشرية ،زعيق يطلب أخر نقطة دم ،يتلوها صوت قهقهات ممزوج بنشيج دم وثرثرة آهات تموت قبل أن تفتقد حرارتها ،لزوجة المشهد تزداد اتساعا ،
حاجات خارج الزمن تزحف على الجدار ،الأمر كان يرهبها وهي ترى الظل ينفصل عن الجدار آتيا إليها ،يترنح باسطا يديه هكذا إلى الإمام مقوسا أصابعه ،يكاد يخترق لحم رقبتها ،ويعتصرها ،وصوت غراب يملأ الغرفة نعيقا :
-انظري إلى الجدار شعرت برعب عارم عقد لسانها ،وانتصب شعر رأسها ،وجف حلقها حتى إن شفتاها ابيضتا من كثرة العطش،صوت غريب ومخيف أشبه بالهمس ،لكن الحقيقة غير ذلك ،هذيان وهلوسة مرضية سقط في هوتها ،أشباح مخيفة تتراقص أمام عينيه ،ترى جماجم مجوفة تحاول أن تتشبث في رقبتها،وتخنقها ،تحث بعضها على البحث عن شيء ما في ملابسها الداخلية ،نظرت إلى الكتب الصفراء المرتبة بقداسة على الرفوف ،أرادت ان تمد يدها وتفتح كتابا ،سمعت خربشة،شعرت أن الأظلة تتحول إلى فئران تخرج من تجاويف جمجمتها وتريد أن تأكلها، أظلة قادمة من السراب،أحدهم التهم رفيقه ،لا قانون يحكمهم ،عيونهم بشعة ،ومخالبهم المعقوفة حادة ،هذه الظلال هي قلوب سفلة ماتت بأزمنة مختلفة ،ولكل روح قصة في عشق الإله ،راحت تدور حولها وتصيح بصوت مقزز :
-تعالي شاركينا اللعب ؟؟
لم تشاركهم اللعب ،بل راح تطاردهم بعصاها حين تجدهم اقتربوا منه أكثر ،قفزوا في جميع الاتجاهات ،لقد كانوا سعداء بهذه اللعبة ،هي تهش عليهم بعصاها وهم يهربون ، وإذا أصابت أحدهم يتكالبوا عليه بالعض،قلبهم في أكل اللحم قلب رجل واحد .
-أواه..كم هو مقزز
لكن لماذا هو مقرف ،هذه الأشباح تدير لها مؤخراتها وتهز ذيولها ثم تطلق عليها ريحا كريهة، وتتالى هذه الحركات كشعيرة لاتستطيع تعويذة "من شر النفاثات في العقد " النجاة منها .
تأكد لها اليوم أن الدفاع عن النفس ليس مزحة ،وأنه ماكان عليها أن تستهين بوصية زوجها التي ألقاها في قلبها الهش ،دون أن يخفف عنها هستريا سحر شعار " الموت بكرامة " ،
سمع الجيران صراخ وصياح شديدين ،إنه القصاص، الآن بدأت رحلة الجنون إلى الجنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق