..............................
الوحي هو الإعلام والتبليغ السريع جدا والخفي ويطلق عليه الإشارة ، الرسالة وكل ما أعلمت به غيرك فأصبح يعرفه ولا يقتصر فقط على الأنبياء والرسل ، فليس محصورا أن يكون الوحي من الله ، فكل ما يرسل الى أشخاص لإعلامهم بشيء يسمى وحياً ، وله أنواع منه على شكل شعور قوي يقذفه الله في قلوب الصالحين ومنه الرؤى ومنه بواسطة الملائكة . والغياب لغةً ..كل ما غاب عنك .. وهناك الكثير الذي غاب عن جاسم آل حمد الجياشي . قامت معظم نصوص( الوحي ) على مجموعة تعابير ودلالات وعلامات تظهر وتكشف عمق الألم الذي يحاول إعلانه والتصريح به ، حين مدَّ بصره عبر عيون الزجاج التي تساعده كثيراً لرؤية ضياعه في مجاهل دروب إنشاد الحرية :
لي قبلة
في الشباب ضاعت
..................وموضحاً لن ما يروم:
للشباب دوماً ..
طعماً غير الذي تعرفوه
لعتبات عمره عتبات نص كثيرة ، فعملية التعثر بأول حجر تغير مسار إنسان ، وعندما جلس الشاعر على آخر عتبة منهك من الأماني ومتعب من التضحيات ، أضاع موجة العذاب على عتبات الغياب حيث أودع بجّبٍّ لخمسة عشر عام من الجمود ، وكانت شمسه التي عشق لا تشرق إلا والجدران تُظلُّ إطلالتها حتى لا يستمتع بدفأها ، كان باذلاً الروح والموت على مقربة تنفيذ برصاصة أو بعقدة خشنة لا تحمل سوى الأشواك ، وحينما أشرقت شمسه أو هكذا إعتقد وبعد غياب شمسه عن الطرق التي حرّمت عليه ، ظلَّ منشداً ولكن يدً خفيةً أرجعته إلى جبِّه الذي إشتاقه :
عملاً بوصية أمي
أن أقتفي أثر الحب
أينما كان ..لذا تراني أقتفيه
بين ثنايا كل لحظة هاربة
اليوم يجلس على عتبة دارٍ أكلها الزمن والطقس بتقلباته حاملاً عتبة عمره المهرأة وتعاظم المخفي ليتكابر عليه بجُبٍّ قاهر ، عاد وحيٌ لم يزره منذ الشباب حيث كانت شمس حريته كبيرة وجلباب روضه يغطي الجبل وشوارع بيروت تحتفظ بخطاه ، أباح الشاعر لوحيه القادم من الغياب :
ترتديني القشعريرة
ثوبا فقط
حين أشمُّ رائحة
أسمك الغيتم
كل شيء منه تبدّى رملاً تحمله الريح ، وكل ما بنى هامَ حتى أعشاش طيوره لم تستقر على سعفةٍ أو جدارٍ أو منارةٍ ، فكانت (أعشاش هائمة ) ومنها:
إستأجرت عشاً
من احد العصافير
أتى الغراب فهجّرني
ورغم طول طريقه الذي تهدجه بحقائق الحياة لكنه مازال يحلم ، لأن إنسانه الذي يحتوي على قارعة الشباب فتياً جميلا:
أودُّ
لو أني الآن
أسمع موسيقى
تبلل قميصي
بندى شفيف .. تحفزّني
أنقضُّ وقضي
على حرف الإنتظار
في كل للغات
لقد أعطى لبياض مجموعته كميةً من بياض روحه وصفاء سريرته ، وتحرك على مقاطع لها تأثير الملح السريع الذوبان وطعم اللذة والتمتع وأنه فاكهة لذيذة وسط سنينه الذابلة ، كان يتحرك بفعل مضمر دلالة لأمكنته التي إرتادها لتحقيق وطناً ينشده حيث ترك خطاه بلا وطن ومابين المنفى الطوعي والحروب الخاسرة التي خاض دون تغير بأشكالاً تهمه وهي آلامه المزمنة والتي شخصها داخل الألم العراقي :
بابان
باب يؤدي بك للمجد بلا جسد
وباب
يؤدي بك للزيف بلا روح
فاختر أيهما أبهى
لم يهتم بالمكان كثيراً أو كان طيرأً أي غصن في الوطن العربي بيته ، إستراحة أنفاسه ، يطفو التذكر على غيبة وحيه واللحظة المستعادة لللطاقة الإنسانية داخله ، يرتبط بشاطيء الشباب الأول وقوة الفعل حيث إختار النضال منفى لتلاحقه عند كل هجعة ، عتب الضياع أنساقه المضمرة :
منذ البدأ
كنّا نعلم بأنّا نفترق
ولكنّا آلينا
إلا أن نكون معا
ونتفق ...
فالمجموعة تشتمل على نسق حياتي داخل الجملة الإشارية مهيمن دلالياً في علاقات النصوص تحت عناوين في أحيان يفصل التوقف في النطق الداخلي ، لتوقف بنظرة أو إلتفاتة لأكمال الصوت لحروف العنوان كـ(إطلا...لة) فعدد النقاط تعني وقوف لمفردة غائبة في صمت وحيه وهكذا ، أغلبية نصوص المجموعة جمل كاشفة أو جملة ثقافية كاشفة على رأي الغذامي حيث يقول عبدالله الغذامي ( في كل نص هناك لحظات تمثل حالة التكوين النووي للنص ، وهي بمثابة المطبخ النصي الذي تنصهر منه القيم السردية وتتأسس عليه ذهنية النص ، ومنه سنجد الجملة الثقافية الكاشفة ):
لاتكتمل أناقتي
إلا بربطة عنقٍ
يجيد ربطه الجلّاد
بدأَ آخره في أوله لأنه لم يندم على ما قدم وخرق بنية الحياة في مجموعته عكس خط الحياة ، فما تبقى أمنية ليس للحياة بل لانتظار الغيب ، وإن التمني ليس إجراء إنتحاري فهو ما للحياة وهبه وما للحرية قاله:
أمنيتي ألأخيرة
أن أموت مطعوناً
بقبلة امرأة
جنوبية المذاق
والتمرد ..بنكهة
البُن ومرارته
جلوس جاسم للكتابة وإبلاغات وحيه لكسر إستكانة دلالات تهدجه وتدرجه بروح معطاء أصابها من الطريق الكثير من العثرات والأشوك ، ولم يسمح لها بالتمتع الفردي ، لأنه أراد التمتع الجمعي ، أراد إختزال الكون بالحب ليعيد تشكيل وفق سياق يحمله وطن حب يضم العراقيين . ومن قصيدة (نخبك نخبي):
أعيرك نفسي
لتشرق شمسك دون حشمة
فتعال إن بقيت هناك
ستبقى أيقونة حزنك فارغة
وجدبك يُيْنعُ لا مناص
خذ نفسي رداء والتمس بعض ضوئي
فأنا أهزوجة صبر
قيلت قبل آلاف السنين
.....................
الظالمي 4/12/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق