قال لها الطبيب دون اكتراث كبير وهو ينظر الى ساعته انها الخامسة عصرا ...سننتظر حتى الساعة الثانية عشر ...عند منتصف الليل .. لحظة حرجة ان استفاق قبلها سيكون بخير .. وان ان لم ......
لم يكمل فقط تمتم كل شيء بأمر الله ..
أرادت ان تنطق فلم تقدر .. ماتت الكلمات في جوفها .. وان لم ... ماذا بعدها !! كانت تغوص في بحر من الضياع لم يكن المسجى وليدها ...كل ما تعني لها الحياة بأسرها .. غيث انتظرته روحها العطشى ..
اقتربت من سريره تتأمل وجهه الملائكي سرّحت بيديها المرتجفتين خصلات... شعره ...
: أي هراء هذا الذي تكلم به الطبيب ..ما معنى قوله أيها الشقي ؟ استفق ولا تخذلني يا صغيري ....
استسلمت لموجة بكاء عارمة ...
حانت منها التفاتة الى الساعة ...التي كانت عقاربها كمعاول تهشم روحها الثكلى ...كل دقة فيها تقربها من الحياة والعدم ..وأكثر ما يؤلمها أنها لا تدري ان تريد تلك الساعة اللعينة ان تتأخر او تتقدم ... كانت كل ثانية من ثوانيها مسمارا يدق في نعش روحها ..
كل آمالها ..آلامها ..فرحها ..حزنها ..سعادتها وخذلانها ...حياتها وعدمها ..كل ذلك معلقا بتلك الساعة وعقاربها .. مرت ..ساعة وساعتين ...وانهكت جسدها الحركة المجنونة جيئة وذهابا بين الردهات.. تطلعت من نافذة المشفى ...
دجلة بسحره وامواجه بنوارسه المغادرات ..ومساءات العشق على شطآنه ..اوجعتها ضحكات الممرضات التي اختلطت بآهات المرضى ....والتلفاز يبث برامجه العادية ..
لقد حسبت ان العالم قد توقف وهو يترقب معها ...لكنها اكتشفت انها وحدها هي من غادرت...تبا ..كيف للحياة الا تتوقف كما توقف لديها كل شعور ...
و تذكرت زوجها الذي توفي من سنوات ..لمن تركتني .. احتاجك كثيرا .. احتسبت في سرها واسترجعت ..قطع افكارها نداء الرحمن لأذان المغرب .. وكأنها تسمعه لأول مرة .. وكأنه يناديها هي ..رمقت السماء بعينين اغرورقتا بدموعها وتمتمت بكلمات وكأنها تحدث نفسها واستسلمت من جديد لموجة عارمة من البكاء...
شعرت بسكينة تجتاح كيانها وهي تؤدي الفريضة قبل ان تداهمها اغفاءة أخذتها لعالم آخر ...
لم تستفق منها الا على نداء وليدها وهو يطلب الطعام ...حسبت انها بحلم ..من هز روحها صوت صغيرها ..هرعت اليه تحتضنه وتوقف العالم من جديد لديها كانت لا تعرف تلك المشاعر التي عصفت بها ... ...بفرح هنأها الجميع .. و خرت لربها ساجدة شاكرة .. .. التفتت بقلبها الى الساعة كانت تقترب من العاشرة قالت في سرها
بين عقاربك كانت تسكن روحي ..تقدمي الان ان شأت او تأخري ما عدت أعبأ بك ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق