أبحث عن موضوع

الخميس، 13 أغسطس 2015

غيمة ................... بقلم : غالية عيسى // اليمن



تختال "غيمة" بين الحقول في كل صباح،،
تمرح مع الطيور،،
تتراقص قصائدها التي تعلقها على جذوع اﻷشجار بنغم امرأة كلاسيكية عاشقة للحياة ،،
تقبل الفراشات وتسافر خصلات شعرها مع النسيم
تلتفت إلى "طفلها" الذي تحمله على ظهرها بحامل قطني وتمطره بقبلات" أم " صغيرة تبحث عن الحب الذي سلبها إياه زوج لم تحبه يوما !

تدمع عيناها ويقشعر بدنها وهي تسمع صوت الناي القادم من خلف تلك الشجرة التي نبتت قرب النهر
إنه " أبو العصافير " عازف الناي الذي يترك صخب مدينته ويأتي إلى قرية "غيمة" في كل صباح
يجلس تحت ظل شجرة
قرب النهر وتلتف حوله العصافير والحمام وبعض الفراشات الملونة
ثم يتجول باحثا عن القصائد التي تعلقها غيمة على جذوع اﻷشجار يقرأها ويعزفها لحنا شجيا يجرح سلام القرية ويجرح صبر "غيمة"

كانت تعلم أنها غيمة تحبس في قلبها أعذب ماء لكنها لا تمطر،، لذلك أحبته بصبر وأحبها بصمت
لكن صوت الناي كان أقوى من صبرها في ذلك الصباح الحار
،،تجرأت وذهبت إليه
شعر بتيار بارد يفتت جمر قلبه حين اقتربت منه ،،
واختصر عمرا كاملا وهو ينظر في عينيها ،،سافر إلى جنته المفقودة رغم قصر اللحظة ،،قاطع تحليقه في سماء عينيها صراخ طفلها
نظر إلى الطفل ونظر إليها بغرابة:؛؛ تحولت جنته إلى نار تلفح وجهه ؛ اعتصر قلبه ألما ،،جمع شتات أمنياته وانكسار أحلامه ،، أدار وجهه الذي تجهم ومضى يهرول مسرعا بعيدا عن القرية عائدا إلى بلدته التي كان قد نفي إليها من وطنه منذ زمن
لكنه كان رجلا صادقا ونبيلا
عادت "غيمة" إلى بيتها حزينة مكسورة مهزومة تجر أذيال خيبتها !

وبعد أن طال غياب أبي العصافير عن القرية ،، من روح خيبتها كتبت على ورقة :
إلى ذلك الرجل المنفي
الباهت
الصامت جدا
لماذ يخفي تغريده العصفور
لماذا يحجب وميضه البرق
لماذا يحبس قطراته المطر

كيف لرجل خاض معارك وحروبا
أن يهرب اﻵن من عيني امرأة !!!!

ثم علقت قصيدتها على جذع الشجرة
وحين عاد "أبو العصافير" إلى القرية مشتاقا لكل شيء هناك
قرأ قصيدة "غيمة"
ذهب مسرعا إليها عاقدا حاجبيه
كانت تحدث الفراشات عنه في تلك اللحظة قرب النهر؛
نظر إليها بغضب وأمسك ذراعها بقوة ثم جذبها إلى صدره وصرخ بأعلى صوته :
أنا لست باهتا
و لست خائفا
ولكني أعشقك حتى الفناء
وحتى التفتت والانصهار
وحد الصمت وحد اللهفة
وأنت أما وزوجة
أيجوز بعد ذلك أن أبقى هنا ؟

صمتت طويلا وبكت كثيرا
دنت بوجهها لﻷرض وقالت بصوت محشرج وبحة حزينه :

ارحل يا "أبا العصافير"
ارحل ولكن عيني قد تصبح من دونك عمياء
عيناي من دونك مأتم

مشى خطوتين للأمام
ثم عاد إليها
رفع رأسها حيث لمس ذقنها بطرف أصابعه ،،
تعانقت أعينهم
نظر إلى عينيها التي اغرورقت بالدموع
وقال لها بحب وحرقة قبل الرحيل اﻷخير :

غيمة !
يامن تهزمين الدمع بالمطر
عيناك ليستا مأتما
عيناك أغنيتان
وأنا الناي الذي يجرح الغابات
باحثا عن دمع القصيدة !!!!



8/9/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق