أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

أثرت الرحيل ..( قصة قصيرة )................ بقلم : ايناس جاسم الشمري // العراق



عصفت الرياح الباردة بجسدي المنهك ,
وروحي التي تعبت من التواصل مع العالم الخارجي , مللت ذلك السكون الذي يثيره فيّ تعاملي مع بقية الناس ..أردت الابتعاد عن تلك الضوضاء , وذلك الصوت المتواصل والذي لا ينقطع أبدا .

اثرت الرحيل من هذه الدنيا ..حملت حقيبتي وأتجهت إلى ماضيي السحيق , إلى تلك الذكريات البعيدة .وقررت أن أسير على قدمي متخذة ذلك الطريق الترابي الذي مشيت عليه لسنين خلت .
شعرت بالوحدة وأنا أحضن حقيبتي الصغيرة , أندفعت في داخلي موجات غير مفسرة من المرارة الخالصة , أمتلئ فمي بها وتقلصت عضلات ساعدي التي شددتها حول الحقيبة . أردت أن أمضي في سبيلي ..وأن تتخطفني الأعاصير الواعدة بالموت , ولكن شعور الوحدة تغلغل في داخلي وفاز على من سواه حيث أحاط قلبي الصغير بأسوار حديدية منيعة , رافضا مرور أية مشاعر واعدة بالأمل ..ومفسحا للألم كي يمر في تجويفه ويقطن هناك .
أمتزج أيقاع قلبي بتراب ذلك الشارع الطويل. كنت أحفظه ,بتعرجاته وأنحنائاته وحجارته المكسوة بتراب البراءة القديمة .أي ماضي كنت أعيشه في ذلك الطريق, أي وهج تلئلئ بأقترابي من تلك الشجرة والتي تمتد بأغصانها المتشابكة لتعانق السماء ثم تنخفض كي تداعب أطراف قلبي الوحيد.
لم يكن لي سبيلا آخر سوى السير نحو العالم الذي خلفته ورائي , إلى تلك الضحكات الطفولية التي ملئت أغصان شجرة النبق القديمة .وطفقت أبحث عن اطياف خلفها الماضي السحيق ..ربما عند ذلك الغصن ..أو ذلك الفرع المتشابك أو مابين الأوراق الخضراء البهية . جلت بلهفة بين كل غصن وآخر , حتى دمعت عيني بدموع صهرتها أشعة الشمس اللاهبة . وغرقت في حزن شل أطرافي حينما أدركت أن لافائدة , فقد ودعتها الذكريات البعيدة ورحلت في عالم كئيب مظلم .
كان الجفاف يكسو أرصفة الطريق ..سألت نفسي كيف عاشت الشجرة طيلة تلك السنين ؟ كم مر عليها من أعاصير , وأمطار ..؟ كم مرة تفجرت قربها سيارات مفخخة ؟ كم من المرات التي مزقت أطلاقات نارية أغصانها المتشابكة وفرقتها عن بعض؟.ولكنها لازالت صامدة , شامخة وأبية ..ترفع رايات بيضاء داعية بالسلام ..وتدعو الناس للأختباء بظلها والعيش قرب جذعها القوي المتين ..وجذورها الممتدة في فناء أرضي واسع .
تدافعت نحوي مجموعة من الصبيان الاشقياء , اصطدموا بي وتباعدوا ضاحكين ليلتفوا حول الشجرة حاملين بأيديهم فرارات ورقية هوائية . شعرت إن الأغصان استجابت لتلك الدعوة الماكرة من الأولاد ..فأخذت تداعبهم مرحبة بقدومهم , بينما تردد صدى الضحكات ليصل إلى أطرافها المتشعبة البعيدة.
أكتسى القلب بجذل طفولي , فعدت لأحضن حقيبتي ,وأنطلقت اسير إلى نهاية الطريق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق