أبحث عن موضوع

الخميس، 23 أبريل 2015

ابحاث في لغة ( وجع اشيب ... و كف عذراء ) للشاعر كريم عبد الله.................... بقلم : انور غني الموسوي /// العراق


2014
الجزء الاول
المقدمة
قد يتصور البعض ان الكلام ممارسة حياتية سهلة ، لكن الامر ليس كذلك ، الكلام من اصعب الممارسات الانسانية و اكثرها تعقيدا . و الاصعب من ذلك ان يتكلم الانسان بلغة فنية ، و الاصعب من ذلك كله ان يتكلم بلغة فنية ابداعية . حينما تجعلنا اللغة نشعر اننا نغوص في بحر لا نرى له بداية و لا نهاية و كلما ذهبنا عميقا شعرنا بالحاجة الى العودة الى السطح و كلما اتجهنا الى السطح شعرنا بالحاجة الى الغوص نحو الاعماق ، حينها نعلم اننا امام لغة فنية ابداعية . ان الابداع في الفن اللغوي هو تجلي اللغة ، فكل موطن يكون فيه تجلي للغة و حضور لذاتها فانا امام عملية ابداعية .
منذ ان وقعت عيني على كتابات الشاعر كريم عبد الله شعرت و بقوة انني امام لغة فنية ابداعية ، و منها التجديدي ، و منها اللغة العظيمة .
للابداع عوامله المعروفة التي لا بد من توفرها في العمل الفني كعمل خارجي و كموضوع للتلقي . حينما يحقق العمل مقدارا معينا من الفنية و الجمالية و الرسالية فانا نكون امام عمل فني ابداعي . لذا سيكون بحثنا و كلامنا موزعا في هذه الجهات الثلاث اقصد الشعرية و الجمالية و الرسالية .

الجهة الاولى : الشعرية
1- الابحاث العنوانية
اولا : التقديم : شعر ( نصوص مفتوحة ) ، اي انا اما نصوص شعرية مفتوحة ، اي نصوص تسمح بتعدد القراءات ، و يكون للقارئ دور في اكتشاف الدلالات .وهذا ما سنبحثه مفصلا في الكم التصويري و التعدد الصوري في مبحث الجمالية .
ثانيا : الاشكال العنوانية
في الديوان ستة و ثلاثون عنوانا اضافة الى عنوان الديوان الذي هو احدها ، كانت بستة اشكال :
الاول : وهو الغالب : عنوان بشكل جملة خبرية حدثية استمرارية مثل (على الرصيف ترسمُ حيرتها)
الثاني : جملي خبري حدثي ماضوية مثل (تأتأت شقوق اللمس )
الثالث : جملي خبري اسمي مثل (وحنجرةُ العبثِ صخرةً صمّاء )
الرابع : اسم مثل (ملحمة ثورةُ الصمتْ )
الخامس : جملة استفهامية مثل (منْ يُغربلُ هذي التفاهات )
السادس : عنوان اختصاري فيه حذف مثل ( تقودُ جحافلاً تزلزلُ خجلَ الكلمات ) وهو اختصار ل(اختصار نقص (تنحني الأغصانُ تقودُ جحافلاً تزلزلُ خجلَ الكلمات ......) وهذا العنوان مهم . و عنوان ( وجعٌ أشيبٌ .... وكفٌّ عذراء و هو مختصر ل(وجعٌ أشيبٌ يحتمي بغيمةٍ بعيدةٍ ../ شاحبةً تنكسفُ في راحةٍ عذراء )
ان التركيب الغالب في العناوين المعهودة عند المؤلفين هو الشكل الرابع الاسم و الثالث ( خبري اسمي ) و ربما يستعمل الخامس اي الاستفهام ، لكن نجد الشاعر هنا يجعل من الشكل الاول ( الخبري الحدثي الاستمراري ) نمطا سائدا و متفردا ، و ايضا يعمد الى شكل اخر اختزالي و فيه شكل من التوسيع و الاطلاق باستعمال الاخفاء وهذا العمل متأصل في اللغة الرمزية كما هو معلوم .
ان حالة الاخبار بالحدثية المستمر فيها دلالة على ان ذلك هو الواقع و الواقع شديد الوطأة و المستمر ، و مع هكذا دلالة اسلوبية لا يبقى للمعنى محورية دلالية وهذه صفة اللغة الايحائية للنص المفتوح .
ثالثا : علاقة العنوان بالمعنون
العنوان عادة يكون تلخيصا توصيليا لمضامين المعنون او النص ، و قد يكون تلخيصا ايحائيا لما في النص ، او ابراز للتجربة ، و من الملاحظ هنا في نصوص ( وجع اشيب) ان العنوان في اغلب النصوص هو جزء مقتطع من النص ، و مع انه يعني ان ذلك التركيب العنواني هو محور و مرتكز في النص الا انه لا يمكن القول انه موضوعه ، و هذه صفة متأصلة في النص المفتوح الذي لا تحده اطراف .
ثالثا : قاموس المفردات في العناوين
في حالة جمع مجموعة نصوص في ديوان فانه يكون في جمعها مشترك معين ، و حينما تكون العناوين بدلالة معنوية توصيلية انتزاعية يكون لبحث قاموس الكلمات تأثير و واقعية ، الا انه في العناوين الجزئية المقتطعة و التي يكون بوحها ايحائي و اسلوبي فانه لا يكون لقاموس مفردات العناوين ذلك التأثير .الا ان مجال الحضور و شدة الوطأة و التجبر و الانكفاء و فقدان المبادرة هذه المجالات حاضرة بقوة في العناوين .

2- المجاز
من الواضح ان المجازية العالية طاغية في نصوص ( وجع اشيب) ، و نقصد المجازية العالية ليس المجاز المفرداتي ، المتناوب ، و انما نقصد به لغة الحلم ، بحيث تصبح جميع الكلمات و جميع التراكيب و جميع الفقرات متخلية تماما عن مرجعياتها المعنوية ، انزياح كلي للكل ، بحيث يفقد المعنى المرجعي اية سلطة ، فتتجسد ذات اللغة و تطغى و تصبح جسدا و شكلا و هيئة و لا يبقى للمعنى حضور ، بل الدلالة كلها لذات اللغة الظاهرة فتتشكل معاني متكاثرة متسارعة متعددة و ربما غير محدودة . وهذا اداء فني لغوي عال و هو ما تتميز به لغة هذا الديوان .وجميع فقرات نصوص الديوان شواهد على ذلك .

3- الخيال
ربما يتصور ان الخيال هو رسم عالم لا واقعي او يتصور انه المجاز نفسه فتكون المفردات في دلالات لا واقعية ، و ربما يفهم على انه لغة الحلم نفسها ، لكن الامر ليس كذلك في اللغة المفتوحة المتوهجة ، خيال اللغة المتوهجة في طغيانها و حضورها بحيث تكون هي الواقع الذي لا يرى غيره ، هي العيش العميق الواقعي في اللغة المتخلية عن معانياها المرجعية . كما اننا نعيش واقعا في الحلم ، ففي النص (1) (تأتأت شقوق اللمس ) (في تجاعيدِ المسافاتِ المنهوكة ـــ طيفٌ يضيءُ أهدابَ القصائد و ........... / مرآةُ جثّةُ الحلمِ ../ تلتحفُ خطوطَ الظلِّ ) تتجاوز سرعة اللغة هنا سرعة الضوء و سرعة التفكير فلا يستطيع الفكر اللحاق بالصورة الا من خلالها ، ابدا لا يستطيع ان يتصور امرا اخر غيرها ، الا انه ليس تصور معنوي انه تصور لغوي انه حضور اللغة العظيم . و في نص (34)( وجعٌ أشيبٌ .... وكفٌّ عذراء ) ( ذاهلا يغرقُ الصمت في بخارِ السواقي ـــ بينما العشب يحكُّ ظهر شهيقَ سحابة الغَبَشاتُ لا تجفلُ فوقَ عيونِ القيظ ـــ لا نديمَ يشكو ظلمةَ تناثرِ الحلم ) هكذا اللون من اللغة نادر جدا لانه يحتاج الى تعالي على البوح و خروج يرتقي الهذيان القصدي و المعنى باللامعنى ، فلا يكون خلف اللغة شيء سوى اللغة .

4- الموسيقى
في هذه النصوص اشكال متعددة للموسيقى تبدا من الحروف الى الكلمات الى التركيبات الى الفكر الى الصور الى البوح ، الى الفضاءات ، كلها تصل الى نقاط التناغم و الاستجابة التناغمية في المتلقي ، و هناك وفاء كبير للموسيقى بانتقائية عالية للكلمات و التراكيب واضح وجميع النصوص و مفرداتها و كلماتها شاهدة على ذلك ، و مثالا على ذلك و مثله غير كما في نص (2) (على الرصيف ترسمُ حيرتها) (ظلالها تتكدّسُ في إزميلِ الوحدةِ ../ دائماً تتجهّمُ بوجهِ قصائدها كمْ إنزوى صوتها خلفَ النافذةِ ../ يهمسُ ..../ يا لغربةِ الأحلام ! ) الموسيقى هنا ظاهرة بل تتجلى على مستوى الحروف و على مستوى المفردات و على مستوى التجاور المفرداتي و على مستوى التجاور الجملي ، و على مستوى البوح و البيان و التوصيل و الحكاية ، و الصور و المعاني ) .

5- الصور
الصور من حيث المجال فانها متسمة بالوصف و الحكاية و الاخبار ، و من حيث التركيب فان المجازية العالية و الموسيقى العالية تجعل من هذه النصوص عالما غنيا جدا ، و لشدة سرعة الكلمات فان هناك ميلا غريبا للغة نحو الانعتاق و التطاير في فضاءات لا متناهية
و اما من حيث المحتوى فاننا امام عالم لا ينتهي من البناءات الجميلة ، حيث كم هائل من الثنائيات الارادة و العجز ، الياس و الامل ، و الفرحة و الغصة ، عالم من الخلاص ،و الرغبة ، وسط عالم من العجز و الخوف هي محور كثير من الصور ، ففي نص (2)( على الرصيف ترسمُ حيرتها) ( حينَ يكونُ الزمن هارباً ../ منْ ثقبِ إبرةٍ ../ وتجلسُ المتاهات في فوّهاتِ البنادقِ ../ ينبغى أنْ نهاجرَ في عوالمِ الدهشةِ ) و فيه (وإذا إعشوشبَ الربيعُ بعطرِ الخوفِ ـــ ستنبتُ الجماجمُ على ضفافِ الخريف ، وإذا الشطوطُ غادرتها عوائلُ الأزهارِ ـــ فلا عودةَ للنبعِ يتعطّرُ بالطينِ )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق