أبحث عن موضوع

الجمعة، 24 أبريل 2015

هموم الشيخ ( قصة قصيرة ) ......................... بقلم : ضمد كاظم وسمي /// العراق



في ليلة صافية الاديم .. لامعة الكواكب .. والقمر الذائب يرسل اشعته الناعسة .. وانا في هزيع العمـر الاخير .. وعلى حافة الحياة .. اردت ان ارنم ذكريات الطفوله والشباب بزينها وشينها .. وهي تترى ما أحلاها .. ملاعب الصبا ومغاني الاحلام .. خرير نهر يجري الهوينا في بطن بساتين فيها من الحسن والجمال ما يأخذ بمجامع القلوب .. اشواكه دامية .. رغم ان ثمارها مريئة .. وحفيدي الذي اقرأ في عينيه يفاعتي الغابرة بلا أوبة .. ربت على كتفي وطفق يقرأ لي مقالاً لاحدى صحف اليوم كعادته :
- ( لكن اوضاع الحاضر في غاية الحساسية ، والفتنة في أوج كلبها .. وهيجان غيهبها .. حيث استشرت لغة التسقيط والتشهير والتكفير ) .. آه .. لقد تلاعب بنا الدهر تلاعب السبع بفريسته الغرة .. وصرنا نتطلع الى طفولتنا بعيون تئن من لواعج المشيب المثخن بسحب من الوهن المتمادي الذي يشير الى النزوح لتتلبسنا فكرة الرحيل الابدي .. التي ما برحت تغشانا وتخيفنا حد الرعب .
- ( وانكفأت حركة التغيير الى ممارسات الغائية اقصائية قمعية ، مبتناها قراءة النوايا والقلوب التي في الصدور وخبايا النفوس .. بتقويلها مالم تقله ، وتحميلها ما لم تأت به ) .. حفيدي يناديني ( ياجداه .. هات من ذكرياتك الآسرة .. وأنا اقرأ لك كلمات المقال الضجرة ) .. نتطلع الى امسيات الربيع الحلوة الشذية .. نخلتنا .. غرسها جدي بيده الكريمة .. كان يوما نوروزياً بهيجاً في استهلالاته الندية .. مؤلماً باكياً في نهاياته النحسة .. ولدت في فجره .. ومات ابي في غسقه .. قال لهم جدي : هذه الفسيلة ستكون توأماً لحفيدي واختاً له ! .. لعله كان يستقرئ ان يتمي آت .. وان وحدتي أبدية فأراد ان يواسيني في حزني .. ويؤنسني في عزلتي ..
- ( وتم تبني منهج قراءة المكبوت والمقموع والمسكوت عنه .. حتى وان كان على النقيض من الحقيقة .. ليبقى العقل معطلاً ، والضمير مغيباً .. والوعي مصادراً ) ..
جـدي ينادي جارتنـا – وهي تؤنـب بعلها بلسان سليـط – قائلاً : ما الـذي دهاك يا امرأة ..تدورين بلا كلل ولا ملل كناعور .. الا تحسين بأطيط مفاصل رقبتك وانت تحملين كل هذه الاثقال على ام رأسك .. ام تدعين انك لاتسمعين فحيح انفاسك اللاهثة وأنت تسيرين عجلى لا تلوين على شيء .. اتساءل ان بقي شيء من انوثتك .. وقد مجلت يداك واخشوشنت قدماك .. اما وجهك فلم يبق منه سوى عينين غائرتين كجب غاض ماؤه .. وتلك اسمالك التي بها تتشحين فان الشحاذ ليقرف منها .
- ( ان كثيرا من اراء اهل التغيير باختلاف مشاربهم وشواكلهم .. تمثل قناعات شخصية بعيدة عن الموضوعية .. لتطغى لغة التشكيك والاتهام ، ويسود منطق التهويل والتحريض والخصام ) .
كم سافرنا في احلام يقظتنا .. الى تلك المرابع .. مرابع الصيف بأمسياته الذابلة .. نعب من اريج الازهار ونشم الروح والريحان .. ونقطف الورود البيضاء .. وفي اصبوحات العيد الرطيبة ، نهدي تلك الازهار الملائكية الى امهاتنا اللواتي طواهن الموت .. وخلفن في شغف قلوبنا غصصاً .. تثير فينا زوابع من الاعتلاجات والاختلاجات فيها من الانس والحنين مثلما فيها من الوحشة والحزن .. أمي تنظر الي بعينين تذرفان دموعاً حارة .. تناديني بصوت رخيم لكن بقلب كسير وهي تحذرني من الزمان الذي يمزق الانسان تمزيق الجاهل اعظم كتاب .. فتغمرني كآبة لذيذة لكنها دامعة لنبكي على ذواتنا وعلى الذين فارقونا ..
- ( وتستحكم العقدة ، فيما لو كان التغيير يعيش لوناً من الوان الشنآن للاخر ليكون وسط اجواء محمومة تجعله ينظر اما بعين كليلة او عين سخط لاتفرق بين الصواب والخطأ .. ولا تتبين الاستقامة من الانحراف ، وقد تسوي بين الحسن والدمامة ) .
لكن جارتنا – اهي امرأة أم بقايا امرأة كما يصفها جدي – لم تحر جوابا .. بل لوت بوزها .. وانشبت مخالبها في رأس زوجها المغبر صارخة فيه : - اليك عني من رجل خائر .. فلا انت هميم فأتبعك .. ولست دميما فافطم نفسي منك .. الا ترى الى زمن القناعة .. وقد ولى ؟ الا تنظر الى كوخ الطين الذي يأوي اطفالنا وهم عراة حفاة جياع ؟.. مالك مشتمل على نفسك كالجنين ؟ .. لقد انهار زمن اليأس وجاء زمن جديد .. ولاندري ما يفعل بنا .. فهلم معي فأنها فرصتنا لكي نرى الدنيا ونشعر بالحياة وهي تدب في عروقنا .. بعد ان عشنا في عداد الاموات لسنوات طويلة !! .. فيستظل زوجها بالصمت .. تأخذه الحيرة .. ويغشاه العجب .. تنوح دواخله واجفة .. ونهر عينه يباب .
- ( ففي مثل هكذا اجواء ساخنة تختل الموازين وتفشل ادوات التقييم .. وتصادر المساعي الحسنة حينما يصنف الناس خطأ الى عدو لدود وصديق ودود ) .
لقد عمنا طويلاً في بحر الغربة .. ورحلنا مديداً في اضطراب الحياة .. وذقنا من مرارتها ما اضمر حلاوتها .. طغى الظلم وتفرعن الجور حتى غاصت العقول .. وتصالبت الخدود .. كأننا علينا ان نعيش التبعية والذيلية والعبودية للاخر – والاخر قد يكون اميراً عبشمياً .. وقد يكون رئيسا ثورياً .. والاخر قد يكون من تتار الغرب الجدد او القدامي – لايهم .. المهم ان الاخر دائما ينسانا او يتناسانا نتيجة تعاليه واستكباره علينا .. ونحن لانحسن سوى الانبهار به .. ذلك الانبهار المفضي الى تقديس الاخر والانسحاق أمامه !! .. لكن الامير الاعرابي الذي اذاق الامة من الوان العذاب .. ما لايخطر على بال .. أصبح كالدجاجة في قفص المغول ..
- ( وهكذا جرت محاولات حثيثة لاثارة الغرائز وتهييج المشاعر والعواطف وتصفية الحسابات .. وانقلب الحوار الى تنازع والجدال الى اقتتال .. وتم تضييع – في اجواء التوتر والثأر الموتور – الف باء اخلاقية المجادلة ، الا وهي مخاطبة الاخر بالقول اللين بعيداً عن العنف والاستخفاف والتجريم الجماعي .. حتى لو كان الاخر طاغية كفرعون (( اذهبا الى فرعون انه طغى ، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى )) .
واصطف الناس يستفتون الدرويش عن حلية او حرمة اسلاب الدولة التي آل أمرها الى الزوال !!.. والدرويش يرقص مجذوباً .. ينفض بدره كقنفذ صارخاً بالناس : ( دعونا من هذا الهراء .. أيحرمون علينا لقمة نسد بها رمقنا وموائدهم تكتظ بما لذ وطاب ؟.. ام لايريدون ان نرتدي ثوباً نظيفاً وهم يتبخترون بحلل من الخز والديباج ؟ .. ام يمنعوننا من ان نستظـل بيتاً بسيطاً وهم ينعمون بديار تجول فيها الخيول كقصر الخضراء .. أي عدل هذا ؟ ثم السنا من اصحاب الحق المضيع ؟ .. فلم لايعيدون لنا حقوقنا على ضوء القول المأثور والذي يتغنون به : ( ما رأيت نعمة موفورة الا والى جانبها حق مضيع ) .. فاذا لم يفعلوا ولن يفعلوا .. فنحن احق بانتزاع حقوقنا السليبة بالطريقة التي نراها.. وحيث سنحت الفرصة..فأن ( ترك الفرصة غصة ).
- ( اما رد الفعل فليس فيه ماينقع الغلة ، ويشفي العليل .. اذ لا تكفي الشعارات البراقة لان تنتج فكراً موضوعياً .. ولا الدعوة التكفيرية لان تولد موقفا شعبيا حقا.. فقد شهد التاريخ العديد من النماذج التي تصدت للمواجهة ووضعت ارواحها على راحاتها في سوح الوغى والمدافعة .. بيد انها كانت على خطأ كبير ، وتوهم عظيم ) .
الدرويش يصحل صوته مردداً ( حي ) وهو يدور كداومة .. والنسوة يضربن على الدفوف .. والرجال يتمايلون وهم يدورون حول (( هبل )) وحبالهم تصنع المستحيل لاسقاطه، لكنه يتأبى وهم يعجزون .. فيذعنون للاقدار .. ريح صرصر عاتية .. تدعو الزبانية .. يتهاوي الصنم .. مكاء وتصدية .. اردت ان اتفوه .. فسالت كلمات الحكيم على شفتي : (( احتج لمن شئت تكن اسيره)) .. ثم اردفت : لم نفعل .. او بالاحرى لم يفعل بنا اكثر من نقلنا من دور الاسر الى دور الخطف !!! .. وربما ما خبئ لنا في الزمن القابل امر وأنكى .
دعني ياحفيدي من حاضر ضبابيته خانقة .. فقد اشتط بنا الكلام .. وهلم بنا الى ذكريات الشباب الحالمة ! .
كم تطلعنا الى شمسنا الذهبية التي تطلي الارض بفرش زمردية .. وكثيراً ما اشنفت اذاننا الحان الاطيار .. ولطالما ارهفت ملامسنا نسائم الصبا العليل .. لتطل بقدها المياس وعينيها العشبيتين .. فأصيخ بسمعي للغطها الشبق.. يغور في اعماقي المتوجسة .. يشد على قلبي العميد باصابع من جمر وحديد .. وانا في حالة وجد وهجر .. الوذ بغرين ترددي .. اغرق في بحر هوسي .. لا أسمع الا صدى الحرمان .. اطوف في مواطن القحط الابدية .. اناملها الرقيقة الوديعة .. مدايا ماضية تهشم كتفي .. وتشل نصفي .. لذا وحفيدي يدير عجلة الكرسي المتحرك كي يدنيني من قدح فيه ثمالة سؤر علج .. !! .. كنت قد ودعت ربيع العمر وعنفوانه الى خريفه وارذله .. اشعر بحاجة مسيسة الى البحث عن الخلود .. ليرد عني فنيق الفناء الذي يطاردنا تحت كل حجر ومدر 00 قول الحكيم يرن في أذني (( أعرف نفسك )) .. وذلك لايكون الا من خلال الايمان .. الايمان بالازلي اللامتناهي .. (( من عرف نفسه فقد عرف ربه )) .. عندها يسكن روعنا بطمأنينة روحانية .. حيث الى الملكوت الازلي .. وحياة اخرى اكثر هدوء وروعة وأمناً ودعة .
صورة الكاتب ضمد كاظم وسمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق