ذكرى تشخص من بين زخم الاحداث التي مرت بي لتطفوا فجأة على سطح حاضري - اقتادت خيالي مرغما الى سنين صرت انظر اليها من بعيد حيث اطلال عمري الباهت ....اليوم اعيش احدها من جديد .
كان ابي غائبا عن البيت وكنت افتقد وجوده بعاطفة طفل لم يرب على الخمس سنين , اسال امي عنه فتجيب , وادرك جوابها بغموض ثم انصرف الى ما ينصرف اليه الاطفال في قريتي لألعب بقصبة انتزعها من البيت الذي نسكنه واعدو لاصطاد فراشة او كائن اخر, واتذكر انني لا استطيع ان اصل الى البيوت الاخرى لان الماء يحيط بيتنا من اربع جهات , وتل التراب الذي انشاه ابي بيده – كان يرفعه يوما بعد اخر حتى غدا عصي على ارتفاع مناسيب المياه ان تغطيه .
الشتاء يقف على الابواب ورياح تشرين تحمل معها ليلا نسيما باردا كان يجبرنا ان نتنازع ازارا كنا نهجع تحته انا واخوتي , وعلى غير العادة أيقظتنا امي مبكرا لنفتح عيوننا على مشهد منطبع في ذاكرتي ...الطابق وهو قرص دائري تحمله ثلاث كتل ..الطابق والكتل مصنوعة من الطين توقد تحته النار وابريق الشاي قربه ... ولا ادري لماذا كنت اشعر ان امرا تعتزم امي القيام به ... كانت تمسك منجلا لتجمع نبات البردي ونحن نساعدها لتجعل منه حزما تصفها في القارب وهي تدندن بنغم ريفي – حتى بدأت تصفه حول البيت وتعضده بالقصب وتشده بحبال وتردد هذا يقينا من البرد .
انجزت عملها , وحل الظلام , واجتمعنا حولها , ومصباح بنور خافت يرسل ضوءه... يرسم مع حكاياتها مشهد يجتاح خيالنا بشدة - ونحن نصدق كل حكايات الخرافة التي تقصها علينا وتؤمن بها ... ولا اعلم متى اخذني نوم عميق لم اصح منه ألا وابي يقف على عتبة الدار وهو يمعن النظر الى البيت وامي تنظر اليه بروح من انجز عملا كبيرا وانا انقل نظري بينهما وهما يبتسمان وانا ابتسم معهما ... دون ان ادرك شيئا الا اني ادركت ذلك بعد سنين ... ان السعادة لا تختار المكان بل يصنعها من يسكن به , والقلوب التي تعشق بعضها تضحي بكل شيء.
بقلم : سالم المالكي
11-8-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق