(القصيدة حصلت على المركز الأول في ندوة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الثالثة التي اقامتها الرابطة المندائية الثقافية.)
لم أهبطْ طيراً أخضرَ على بابِنا ليلةَ الجُمُعَة . . .
بلْ كنتُ أنا
بآخرِ ما ارتديْتُ حيَّاً ممسوساً بعشق . . .
لَكُم أنْ تتَحسّسوني بمصباحٍ يُضئُ المائدة . . .
وأنا
أراكم تديفونَ اللّقمةَ الأخيرةَ بمُزحةٍ هزيلةٍ
فسورةُ الفاتحة . . .
ليسَ أمامي سوى فُسحةٍ فارغةٍ من عقاربِ الزّمن . . .
أرى فيها ما استتر
أسترقُ السّمعَ . . .
لكنَّني الآن
أشعرُ بدوار . . .
أمناخيرُ داحس والغبراء لم تزلْ تقتسمُ الهواء ؟
فوّهاتُ البنادق
تصوّرُ الشّوارعَ السّاخنةَ بعدساتِ الموت ؟
وينتهي المطافُ لغرفةٍ مُظلمةٍ يراها النّورُ ولا تَراه ؟
. . . . .
المتاريسُ وسائدُ الخائفين . . .
أقدامٌ
انتعلتْ خوفَها على دروبٍ
تشرذمَتْ . . .
لكنَّها التقتْ برجلٍ من غِفار
يشحذُ غضبَهُ لمنازلةِ جوعِه . . .
من أدغال بوليفيا بغليونِه المنقوعِ بعرقِ المسحوقين . . .
من أقصى السّوداء مسحتْ يداهُ عهداً شَطَرَ آدمَ بأقذرِ ما عُرف . . .
لم تفزعْها أرواحٌ من ساحراتِ سالم *
بدُخانٍ من شهواتِ لامُنتَمٍ لسوادِه . . .
هُراواتٌ
تفخرُ بقذارةِ الجّحود
جُنَّتْ لصوتٍ غابَ عن حنجرتِه زمناً
ردّدَتْ سنواتُ الصّمتِ صَداه . . .
اللهُ في عيونِ الصّغار
في عيونِ المفجوعات . . .
في عيونٍ تعرفُ وجوهَ القتلة !
. . . . .
لاشكَّ أنَّها تعرفُني
أبوابٌ
لا تُريدُ أنْ تلصقَني وجهاً
يمزقُهُ جلوازٌ
تبخّرَ ندى وجههِ بحرارةِ عُملةٍ مكشوفةِ السّاقين . . .
تُمسكُ عينُهُ ملامحي أنْ تضيع . . .
الشّيطانُ وهبَهُ قدرةً لاسنساخِ الماء . . .
لكنْ
لا غرابةَ أنْ يشنقَ حبلُ غسيلٍ يوماً صاحبَه !
. . . . .
أوّاه
شممْتُ من عنواناتِ صُحفٍ داكنةٍ
رائحةَ بيعٍ لهذا الذي وهبْتُهُ أغلى ما وِهِبْت . . .
إنَّهم يغتانونَهُ بوجوهٍ
تعالتْ أنْ تكونَ مع الذينَ اشتروا رغيفَ الخُبزِ بسمرةِ الجّلود . . .
يالبرومثيوس
من كبدهِ
يعدُّ وجبةً لفقراءِ الطّير !
ما كنتُ متردّداً كهاملت حينما صَرَخَ بوجهِ الكون :
أكونُ أوْ لا أكون . . .
مضيتُ على حدٍّ يجدعُ أنفَ الرّيح . . .
طلّقتُها وأنا في العشرين
بلغتُ آخرَ سنواتي بلحظةٍ واحدة . . .
هلْ لي أنْ أموتَ موتةً أخرى ؟
آهٍ
لو كانَ هذا الإستثناءُ !
. . . . .
أزَفتِ العوْدةُ
لم يبقَ إلآ أنْ أتسلقَ سياجَ بيتِنا العجوز . . .
وهو باسطٌ يديهِ دوماً لهاطلِ شتاءٍ
يستقرُّ في سُرَّتِه . . .
لم يزلْ مَعِدةً فارغة
ليسَ فيه ما يُغري أسنانَ فأر . . .
وجدتُهم نُوَّمَاً على ذاتِ الفراشِ الذي سِفاحاً
طارحتُ فيه همومي
بأحلامٍ تيبّستْ على جفونِ الأرق . . .
لستُ أدري
أميٌَتٌ أنا أمْ هم الميٌتون ؟
. . . . .
أيّتُها الحُقبُ السّائبة
لم يجدِ التأريخُ لكِ إسماً بعد . . .
خذي كَفَني
دحرجي إسمي لهوّةِ النّسيان . . .
فقطْ
ردّي نوراً
ابيضّتْ لفقدِهِ عيناهُ أبٌ . . .
لم أردْ أنْ أنكأَ جُرحاً في قلبِ عجوزٍ
سلبَها موتي الكثير . . .
ما أشعرْتُها
لكنَّها ستقولُ لكم غداً
أنَّها في منامِها رأتْني فلاحاً بسمرةِ أرضِه . . .
يأتزرُ عشقَه
يشقُّ السّواقي في أرضِ فارقَها الطوفانُ حبلى . . .
يبذرُ ما فاتَهُ من أمانٍ حُبستْ في قُمقُم . . .
لكنَّ الحصادُ لا يأتي لوقتِهِ وقتَ تخونُ الفصول . . .
. . . . .
انكفأتُ . . .
وددْتُ ما رآني ما رأيت . . .
ظننْتُ أنَّ الموْتى لا يُجرَحون
ها أنا عدْتُ إلى قبري بنازف . . .
لو أنَّ صخرةَ سيزيفَ تُقطّعُ أحجارَ رَجْمٍ من سُلالةِ السّجّيل . . .
ليتَكم تفعلونَها قبلَ لعقِ الأصابع . . .
القِصاصُ سيفٌ يغرسُ الحياة !
. . . . .
عُذراً حبيبتي
أنتِ البَعْد . . .
لهذا الذي صُلبَ كما المسيح . . .
كما الحُسينِ ذُبح . . .
صافحتُ موتي !
ما ضنَنْتُ بنَفَسٍ لا يُسترَد . . .
لا ندمَ في قاموسِ الموتى
اخرجوا من مقابرِكم نحوَ الشّمس
غادروا اقدامَكم
فقد تعفّنَ أسفلَها الزّمن . . .
الموتُ هنا فقط . . .
آنَ تُقرعُ أجراسُ هيمنغواي بلغةِ الشّرق !
لا تصنعوا هُبلاً من طينةِ التّصفيق . . .
اشتروا الحياةَ من جديد . . .
لا تجعلوها قبضةً من تُرابٍ بيدِ السّامريّ . . .
. . . . .
يوم سومري /تموز/ 2018
* مسرحية الكاتب التقدمي الأميركي آرثر ميلر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق