أبحث عن موضوع

الأحد، 1 أكتوبر 2017

كسرة خبز وقمر مفقوء / قصة قصيرة .............. بقلم : فؤاد حسن محمد / سوريا



كسرة خبز وقمر مفقوء

رائحة القهوة تجور في أرجاء الغرفة  كالحلم،تتلوى أبخرتها صاعدة إلى السماء،  تبعث في مستقر الروح أسراراً وخفايا غافية، وللسر حرمة عندها  ،أنا أدمنت مذاقها حتى أكاد لا أستسيغ شرابا آخر ،رفعت فنجان القهوة بمهابة وجد ،هي شخص حقيقي لكن أين هو ،يبعث الأمل ، رشفت أول رشفة بتؤدة تاركا السائل البني يذوب  في زغابات لساني ، كان طعمها لذيذا ،حركت ذكريات في أطراف عقلي ، ذكرى شيء وددت لو فعلته لكني لم أفعله ،خفق جفنا عيني وبدأت تتكاثف النسخ اللامتناهية عن تلك المرأة المجنونة التي هي أشبه بالزئبق .
هكذا سأمحو برقة جرحاً قديما ، ومع ذلك سأنتظر عاما آخر لأخلص وبدون ألم من وخزة هسيس في رئتي ، كانت قديسة ومع ذلك كانت تخفي علاقتها الشاذة مع الله ، وإمعانا في التخفي كانت تجهد طوال الوقت في إنكار وجوده ،وحدث أن تبكي في الليل خوفا من عقابه ، فقد كان يجرها عارية  من شعرها فوق نتوءات حادة حتى يدمي مؤخرتها وثدييها،  ومضاعفة في العذاب يصب عليها مصهور الحديد ، كانت حياتها مأساة عمياء ،لم تكن نفسها تعلم ماذا تكون النهاية .
قالت لي وكنا نجلس في مقصف جامعة تشرين ، وكنا فقراء :
- أنا أعبد الله في البيت ...وأنكره خارجه
أي إنسان سيعرف هذا التناقض ،إن لم  تقلْه  لك في أي وقت ، سألتها وكان عالم حقيقي يشرق من ثغرها :
- هذا تناقض
كانت المخاوف والإشفاقات من الناس قد استهلكتها :
- أود أن أجلو هذا الكساد الذي دخل أرواحنا
كان لنا عيوننا المتفحصة وربما قليلا من التمرد ، وفي بلاد خارج حدودنا كان العالم الحقيقي يشرق ، بينما عندنا يمر الوقت ببطء تجره خيول ضعيفة ، ولا نشعر بأننا ضد الحياة .
ودون أن أسألها كررت مرتين  :
- يجب أن نبتلع أنفسنا...يجب أن نبتلع أنفسنا .
أخذتني مع سحرها ،الشيوعيون لا يستطيعون أن يغيروا البؤس ، لكنهم يبهرون ، تاركين صفحة كتاب بيضاء ، وأذن تصغي تلتقط صوت لم  يُقَلْ  بعد ،أما حب عقيدة أي كان نوعه من أجل امرأة فهو وباء .
ودون أن أتساءل مطلقا، ارتعشت وهي تنقر بأصابعها على الطاولة:
- أنا أحبك ولا أستطيع أن أحب أحدا غيرك
تضحك وتضحك وتضحك لأنها وضعتني في زجاجة، طلبت منها أن نخرج إلى الساحة ،كأني أود أن أخرجها من ذاتي ، صوت المطر يرجم وجوهنا ، يحرك الجنون داخلنا ، جنون هارب من رأس امرأة تتحدث عن الثورة ورائحة الهيل والقهوة الطازجة .
امرأة متدينة تدق صلابة العقل والأعصاب ،تحرك الجنون في داخلك ،تركض في حقول القلب ، تجعل للوطن يدين وقدمين تضعانه بين كفيك باقة ورد ،لا  أحد يعرف سر الحب في الجنون إلا العاشقون ،الجنون عندها جاهز ،قالت لي :
-أنا جننت من أجلك فيحق لك أن تكون عاقلا قليلا
تركتني أجوس عينيها قليلا مثل فراشة أضلها الضوء ،  نظرة رجل متأخر يصطدم بامرأة مستعجلة ،تحركت شفتاي بحركة آلية وعرضت عليها الذي يمر في ذهني :
- أرأيت يا ساجدة كان عليك أن تبردي الدم الفائر في رأسك قبل أن تطلبي من الآخرين أن يفور دمهم .
بين رقة الحلم أن أكون عاشقا لساجدة ،والوهم بأن الذين من حولها مشوهون بالذنب والغباء والخزي ، أوجعت قلبها ، فأغمضت عينيها برهة ، ساكنة ، ساكتة ،وقبل أن تستعيد حضورها قالت :
- من أين يفور دمك وأنت لا تعرف الدموع
أجمع كل رجولتي وأفرشها دفعة واحدة على مشارف أنيابي ،إن كل امرأة يمكن أن تكون خنجرا في يد رجل يطعنها به ، قلت لها:
- اصمتي ...اصمتي أنت تثيرين أعصابي.
ضحكت ، أشارت بيدها،قالت بصوت أنيني يشبه صوت موت سمكة على اليايسة :
-تقيمني بشكل سيء
الزمن معها طويل وغير منتهِ. وغير ممتع ،تشعر بفقدان الوزن كلما ارتفعت معها أكثر كلما كان سقوطك مؤلما ومدويا ،عاطفة هشة سريعة التكسير ،بين العشق العادي والعشق الممزوج بالجنون سر الأسرار، أنا خارجُ السيطرة ،مدفوعٌ بالعواطف تأسرني مسبوقة بإشارات تخلخل يقينها بالمحب ،هذا الاختناق الزمني جعلني أشيطنها ، قلت :
- التفتي حولك ..الكل يعتبرك طائشة...وشباب الجامعة يسخرون منك ...وينظرون إليك نظرة بنت شوارع
تنظر صوب مقصف الجامعة ،تلعب بخصلة شعرها التي رمتها إلى الوراء،توقفت مبهورة ، مشدودة إلى المطر الذي يرجم وجهها ، ضحكت من الدنيا وضحكت مني :
- بالرغم من ذلك أنا أحبكم جميعا ، وأحبك أنت حبا خاصا
قفز أرنب الجنون من رأسها وراح ركض في شوارع اللاذقية إلى بيتها ،تركتني ، توقف المطر حين غادرتني وآخر كلماتها تواصل انطباعها في سمعي :
- لحم المرأة رخيص بالنسبة للرجل
دخلت غرفتها بعياء مثقل بالحزن  ، أغلقت النوافذ وأسدلت الستائر ، حلت الظلمة ، قالت  " هذا هو العالم " ، ودت لو تنام طويلا ، حتى في النوم يلاحقونك يا ساجدة ، لك أن تنامي ، ولنا أن نقض مضجعك ،رأتني أجرها من شعرها فوق جرف صخري ، حتى أدميت مؤخرتها وثدييها ، الجنون يركض ويركض يحمل الشمس إلى قلوب الظلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق